[ميناء القطيف 45] نهاية حزينة لميناء عبَر القرون السحيقة البلدية موجودة منذ الحكم العثماني
عدنان السيد محمد العوامي
{وَاْذْكُرُواْ نِعْمَةَ اْللهِ عَلَيْكُمْ، وَمِيثَـٰقَهُ اْلَّذِى وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاْتَّقُواْ اْللهَ إِنَّ اْللهَ عَلِيْمٌ بِذَاتِ اْلصُّدُوْرِ ﮧ( المائدة 7.
في الحلقة الرابعة والأربعين الماضية ختمت حديثَ الطين – وأنَّى للطين أن يختمَ له حديث وهو من نعم الله جل وعلا؟ إلا أن يكون من باب المجاز- نعم، ختمت بما تبقَّى في الذاكرة من أصناف الآنية الفخارية المصنوعة في القطيف من الطين الأخضر، وندَّ عنها أشياء لا غنية عن ذكرها من ذكريات ذلك الرفيق الحميم؛ منها ما كنا نصنعه منه – نحن الأطفال – لُعبًا نزجِّي بها أويقات الفراغ.
– الفراري (ج: فرَّارة)، وهي كِسرٌ من الفخار، نطرقها بأي أداة متاحة حتى تستدير في هيئة قرص صغير، نثقبه في وسطه ثقبين، ونمرِّر فيهما خيطًا قويًّا، فإذا أزِفت آزفة اللعب؛ وضعنا الخيط في كلتا السبابتين، وشددناه بقوة، وكررنا الشدَّ والإرخاء السريع المتتابع حتى تدور دوارنًا متعاكسًا سريعًا مُصدرةً أزيزًا بفعل صوت الريح المرتطمة بها. الدوران المتعاكس هو أن تدور دورةً في اتجاه، وأخرى في عكسه.
– لعبة أخرى هي الصُّوَّاية أو الصُّفَّيرة (الصافرة)، وهي وعاء صغير من الطين الأخضر الرطب، يشبه الشربة، بطول مفصلين من الأصبع الوسطى للبالغ تقريبًا، نجوِّفها، وفي أعلاها – عند الحلق – نصنع نَبِرةً عريضة بعض الشيء نثقبها، فإذا نفخنا فيها بأفواهنا الصغيرة أصدرت الصفير الذي نريد.
هذا كل ما احتفظت به ذاكرة الفقير لعفو ربه عن الطين الرمادي، والطين الأخضر، المعروف بالطين الخويلدي.
طين العيون الأبيض.
ومنها أن الطين الأبيض يوجد – غالبًا – في البر، غرب القطيف، تحت الرمال، وكذلك يوجد في عيون الماء بجانب الطين الأخضر، لكنه لم يَنتفِع به إلا الفتيان يستخرجونه من مكامنه تحت الجروف، ويدبغون بهم أجسادهم؛ كي يملصوا من ملاحقيهم في لعبة الصافية([1])، وأحيانًا يطلون به أجسامهم ثم يتقافزون في الماء لا لشيء إلا لمجرد الاستمتاع بتدليخ الماء، واستفزاز الكبار للصراخ عليهم وردعهم (التدليخ في اللغة التسمين، وملء الإناء بالماء حتى يفيض (تاج العروس)، وهنا: تعكيرالماء.
عناصر الطين الأبيض
أغلب الظن أن الطين الأبيض ناشئ عن تفتت الصخور أو الحجارة البيضاء بفعل عوامل التعرية، نعلم ذلك من تكونه من عناصر الصخور البيضاء نفسها، وهي الأملاح المعدنية كالحديد، والزنك، والبوتاسيوم، والمغنيسيوم، والسليكون، والكالسيوم.
استعمالات الطين الأبيض البرَّي
كررت – كثيرًا – أن مؤلفات آبائنا تفتقر إلى ما كان يعرف بالخُطط، وهي مدونات التاريخ الاجتماعي، حيث تعنى بتدوين حالة المجتمع؛ بيئته ومعاشه، وحرَفه، وصناعاته، وما شابه من الأمور التي تعطي الباحث ما يريد معرفته عنه؛ لذلك لم أقف على أيِّ ذكر لاستعمالات الطين الأبيض في القطيف ولا الحجارة البيضاء التي كان يزخر بها البر المحاذي لها من الغرب، المعروف بصحراء البياض، باستثنائنا – نحن أطفالَ تلك الحِقبة من الزمن – حيث كُنا ننتقي من تلك الحجارة ما يصلح لعمل التِّيَل (جمع تيلة)، وهي: (عبارة عن كرة صغيرة من الحجر أو الحديد أو البَلُّور بأحجام متفاوفة([2])، يلعب بها الأطفال، وللعب بها صورتان:
الأولى – يكون الملعب مدىً مستقيمًا تتخلله (مايات، جمع ماي)، وهي حفر صغيرة بحجم جمع الكف تقريبًا، على مسافات متساوية، بين الحفرة والأخرى قرابة المترين، ويوضع به زوج، أو أكثر من نوى الخوخ (العُنْـﮕَـيْش). وكيفية اللعب: أن يضع اللاعب التيلة على الأرض، باتجاه الحفرة (الماي) ثم يضع التيلة على الأرض وسبابته مثبَّتة على أصبعه الوسطى، ويدفع أصبعه الوسطى بسبَّابته ضاربة التيلة فتندفع بالقوة التي يريدها لدفع التيلة، فتتدحرج نحو الهدف (الماي)، فإذا نزلت فيه واستقرت، عُدَّ فائزًا، وأخذ (العُنْـﮕَـيْش) الذي في الماي، وواصل اللعب إلى (الماي) الآخر.
الثانية – تستبدل فيها (المايات) بحلول (جمع حل)، وهو كومة في هيئة هرم صغير من (العُنْـﮕَـيْش)، عددها 5. يوضع في المدى عدة (حلول) حسب عدد اللاعبين، ثم يبدأ اللعب بالطريقة نفسها، بفارق وحيد هو أن تكون النكزة (الضربة) قوية حتى تستطيع التيلة إصابة الحلِّ وتهديمه. توصف النكزة القوية بـ(حَمَّازي)، والفعل: حَمَّزَ، يُحَمِّزُ، والأمرُ: حَمِّز.
أنواع التِّيَل:
– التيلة الحديد: نوع واحد والاختلاف في الحجم.
– التيلة البلُّور أحجامها وأنواعها مختلفة، منها الأبيض الشفاف، والأزرق، والأزرق السماوي، والأخضر والأصفر. ومنها ما يسمونه فِلْح اللومية، لأنه مرسوم في داخله شريحة ليمون.
– التيلة الحَصَم – هذه هي التي نصنعها نحن الأطفال، ويستغرق صنعها زمنًا طويلا، قد يمتد إلى شهر أو أكثر، ونبدأ – أولا – بالبحث في البر عن الحجرة المناسبة، وبعد العثور عليها نبدأ بالطَّرْق عليها بواسطة صَلْبُوْخ، (حجر الصُّوَّان- الصورة مرفقة)، وحين تصبح مكتملة الاستدارة نقوم بدعكها طويلاً ولعدة أيام، بوَرق السدر الأخضر، على جدار جصَّةٍ ناعم حتى تبلغ الدرجة المطلوبة من النعومة. وأجمل التيَل الحجرية ما كان لونه ضاربًا إلى الصفرة كمح البيضة.
صابون الأجداد
تعلمنا من الآباء أن نستخدم الطين الأبيض في غسل الملابس، ومع أن هذا الضرب من الصابون كان معروفُا منذ القِدم، بقرينة أنهم كانوا يُسمون غسال الثياب؛ المبيض، والقصَّار([3]). كما أن الصابون الحقيقي ذاته كان أيضًا معروفًا ومستعملا لدى العرب، وورود تعريفه في بعض معاجم اللغة القديمة كلسان العرب لابن منظور، والصحاح للجوهري، وتاج العروس للزبِيدي، وغيرها، دليل على أنه كان موجودًا في زمنهم، والطريف أن الناس أحجموا عن الغسل به عند دخوله القطيف لأول مرة أواخر أربعينيات القرن العشرين الميلادي الماضي، عدا قلة منهم، كانت مثار السخرية والتهكم؛ بحسبانها خارجة على الأعراف والتقاليد.
النورة
مسحوق أبيض ينتج من عملية حرق الطين الأبيض، أو حجر الجير، أو التراب المتحلل منه، ودقِّه حتى يتحوّل إلى مسحوق يستعمل كمونة في عملية البناء أو كطلاء للجدران). أما كيفية الحرق؛ فهي نفسها المستخدمة في صناعة الجص (شرحنا كيفية صناعة الجص في الحلقة 44 الماضية)، بيد أنني لم تتوافر لي معلومات إن كانت تصنع في القطيف قديمًا ثم هُجِرت، أم لا، لكنَّ المتيقن أنها كانت تستورد من دولة البحرين، وتحديدًا من بلدة عالي.
وبالنظر لعدم توافر الرمال في البحرين، فقد استخدموا الحجر الجيري لصنع النورة، وطريقة صنعها أن توضع الأحجار في صيران (مر تعريف الصيران في صناعة الجص) وحرقها، ثم دقها وتحويلها إلى مسحوق يستعمل طلاءً للجدران بمزجه بالماء. كذلك تستخدم النورة لإزالة شَعَر العانة والإبطين، بإضافة مسحوق الزرنيخ([4]) إليها، ومن الأمثال الشائعة في الخليج «الاسم للنورة والگص (القص) للزرنيخ»، يضرب لمن ينسب له عمل من صنع غيره. ومن مشهور الشاعر العراقي معروف الرصافي:
ألا أبلغوا عني الوزير مقالةً
له بينه لو كان يسمع توبيخ
أراك بحمام الوزارة نورةً
وأما جناب المستشار فزرنيخ([5])
للاستزادة من المعلومات عن صناعة النورة في البحربن، لمن بود معرفة تفاصيل أكثر، الرجوع إلى مقالة (صناعة النورة، جريدة الوسط البحرانية([6]).
غنيٌّ عن البيان أنَّ القطيف – رغمًا عن سماكة الطبقات الصخرية التي تستقر تحت سطحها – تخلو من الجبال، باستثناء جبال صغيرة ضيقة قليلة العلو، كجبل الـﮕَـوْم (القوم) شمال غرب العوامية، وجبل بَرَّاك في الجارودية، وجبل القرين بين سيهات والجش؛ لذلك كان اعتمادُها – في مبانيها من ساكن، ومساجد، وأسوار البلدات والقرى وأبراجها، وسقوف سواقي الري البرية، والتناقيب (التناﮔِـيب)([7]) – على البحر وحده، فكانت به مقالع معروفة يقتلعونه منها، ويحملونه إلى اليابسة، إما بالسفن إبَّان مد البحر، أو على الدواب في أوقات الجزْر، والحجر المستخرج من البحر نوعان، الحجر المعروف، وهو القِطَع المستديرة تستخدم في سافات الجدران([8])، والفَروش (جمع فَرْش)، وهي شرائحُ حجرية عريضة، قليلة السمك تستخدم لعمل البادﮔِـيرات (جمع بادﮔِـير)([9])، والروازن الكبيرة (جمع روزنة) في الغُرف والعرش (جمع عريش).
ميناء القطيف والنهاية المحزنة
جَزاني أَخو لَخمٍ عَلى ذاتِ بَينِنا
جَزاءَ سِنِمَّارٍ وَما كانَ ذا ذَنبِ
المتلمس الضبعي
رَفَعتُ بَني حَوّاءَ إِذ مالَ عَرشُهُم
وَذلِكَ مَنٌّ في صُرَيمٍ مُضَلَّلُ
جَزَتني بَنو لِحيانَ حَقنَ دِمائَهُم
جَزاءَ سِنِمّارٍ بِما كانَ يَفعَلُ
البُريق الهُذلي
جَزاءُ سِنِمّارٍ جَزاءٌ بِهِ اِقتَدَت
وَمالَ إِلَيها كَهلُها وَغُلامُها
بَنى القَصرَ حَتّى اِستَحكَمَت شُرُفاتُهُ
وَأَيَّدها آجُرُّها وَرُخامُها
فغُودِرَ مِن أَعلى ذُراها مُنَكَّساً
وَلا ذَنبَ إِلّا حُسنُها وَاِنتِظامُها
علي بن المقرب العيوني
من هو سِنِمَّارُ؟ وما حكايته؟
من شعر ابن المقرب نعلم إن سِنِمَّار بنَّاء رومي اشتهر بالمهارة وحسن الصنعة، استأجره النعمان بن المنذر لبناء قصره الشهير (الخوَرنق) في الحيرة، عاصمة إقطاعيَّته، فلما أتمَّه امتحنه فوجده آية في الفن لم يرَ ولم يسمعَ بمثلها، فخشي أن يبني غيره لأحدٍ غيره من الملوك، فأمر به فأصعِد إلى أعلى القصر، ورمي منه فمات، فضرب به المثل في الجزاء بالشر على الجميل.
حال سِنِمَّار هذا هي حال بحر القطيف وميناؤه العجيب، فلقد أمضيا القرونَ تلو القرون، يُغدقان الخير، ويسديان المعروف. أعطيا الغذاء والكساء، ووهبا الزينة والدواء، ومنحا المال والجَمال. لم يفرِّقا بين جنس وجنس، ولم يميزا لونًا على آخر. فلم يكن الجزاء من سنخ العطاء، بل كان البوار والدمار، وأيُّ دمار أبشع من الهدم والردم. نعم تلك كانت النهاية، فكيف؟
الوضع العام في القطيف – كيف كان؟
قبل الحديث عن النهاية الحزينة التي آل إليها الميناء يحسن الإلمام بالحياة البيئية العامة في القطيف في مطلع الأربعينيات من القرن الرابع عشر الهجري المنصرم، العشرينيات من القرن العشرين الميلادي.
كانت الحياة بسيطة للغاية، والبيئة نظيفة، رغم ما يكتنفها من مشاق وشظف. كانوا آنذاك يعلقون في بيوتهم جرابًا من الخوص، وبعد كل وجبة يضعون ما فضل من الطعام في الجراب، ويعطونه إلى (الدوَّار)، والدوَّار شخص يمتطي حمارًا يبيع ما يؤكل من النباتات كالبَـﮕِـل (الكرَّاث)، والرُّوَيْد (الفِجِل)، والدسمة، والكرفس، والجزر الأحمر، إذ لم يكن الجزر الأصفر معروفًا آنذاك، والبيع يكون مقايضة، أي بالتبادل، وهو أن يأخذ البائع فضلات الطعام، ويعطي مقابله النباتات، وتطبق في البيع سياسة العرض والطلب فأحيانًا يكون (عِدْلَه)، وأحيانًا (مقسوم)، والعدله أن زنة النباتات تعادل زنة الفضلة، والمقسوم؛ أن ينصِّف البائع الفضلة نصفين، يأخذ هو نصفًا له، ويعادل النصف الثاني من الفضلة بالنباتات للمشتري، والقصد من مقايضة الحشائش بفضلات الطعام، استخدامها علفًا للأبقار، لهذا لا توجد مخلفات قابلة للتعفن، وإفساد البيئة، وإن وجدت، فهي قليلة لا تكاد تلحظ.
كان للقطيف عدة طرق تربط بين مركز المدينة وقراها وهي – في حقيقتها – مجرد جوادَّ زراعية للمشاة والدواب، وهي على النحو التالي:
1 – طريق بحري يربطها بالخارج والجزر المجاورة. وهذا وسيلة العبور فيه السفن.
2 – مخاضة يقطعها الناس مشاة أو على الدواب إلى جزيرة تاروت وقراها أثناء الجزر تسمى المقطع.
3 – طريق تسلكه الجمال يبدأ من سوق الجبلة إلى محطة القوافل الواقعة في بر البدراني، عبر بلدتي الخويلدية والجارودية.
4 – طريق الهدلة، يربط مركز المدينة والقديح والتوبي بالمزارع الغربية خارج الواحة، وكذلك بلدة الآجام، وهذا الطريق جزء منه زراعي، والجزء الآخر صحراوي رملي.
5 – الطريق المتجه إلى القرى الشمالية. يبدأ من نهاية (شارع السطر) من الجنوب، عند سور بلدة الدبيبية الشمالي (حاليًّا بداية شارع الإمام علي)، متجهًا إلى الشمال حتى نخل النزهة، غربي (حسينية الفاطمية الحالية)، ثم ينعطف غربًا مجتازًا بمحلة (الوسادة)، وبعدها يعود اتجاهه إلى الشمال مخترقًا قرية البحاري، فالحريف، حتى الزارة، ثم ينعطف غربًا إلى العوامية، ومنها يعود إلى مساره باتجاه الشمال حتى نهاية سيحة العوامية، حيث (سبخة صفوى)، ثم صفوى والجعيمة ورأس تنورة وشعاب في الشمال، وحزم صفوى، وأم الساهك، وحزم أم الساهك والدريدي وألرويحة وأبو معن في الغرب.
6 – الطريقُ المؤدِّي إلى مدينة سيهات، ومنها إلى الدمام والخبر والظهران. يبدأ من الزاوية الجنوبية الشرقية لسوق الجبلة، شرقي بناية المنصورية([10])، ويستمر جنوبًّا مخترقًا (بلدة الكويكب)، ثم (فريق الحاكَة) متخللاً نخيل قرية الشويكة، في طريق متعرجة حتى يصل إلى ساحل البحر عند المكان المعروف بالخميسية([11])، خارج الواحة([12]). تلك هي الطرق كانت هي المنافذ القديمة المفضية إلى خارج واحة القطيف.
ما يحتويه درج أوراقي العتيقة أن البلدية كانت موجودة في القطيف منذ العهد التركي الأخير، وكان مديرَها علي بن منصور بن اخوان، والد الأديب، والوجيه عبد الله بن علي بن منصور اخوان، صاحب بستان السيحة الذي تنشر صُبْرةُ ذكريات سمره بعنوان: (بستان السيحة وسمر في الذاكرة). بين تلك الأوراق ما يفيد بأن القطيف كانت – في عهد ابن اخوان – قضاءً تركيًّا، يتبعه ميناء رأس تنورة، ونظيره ميناء العقير، لكنها لا تحتوي أية معلومات عن البلدية ودورها في مجال البيئة والإعمار.
البلدية في العهد السعودي
دخلت القطيف تحت حكم الملك عبد العزيز آل سعود (رحمه الله)، سنة 1331هـ، وفي جمادى الأولى سنة 1346هـأعهد الملك إلى الشاعر خالد بن محمد الفرج تأسيس بلدية القطيف، وفي سنة 1354هـ كلفه بنظارة قصر قرية، وبعد عودته من قرية سنة 1355هـ، أسند إليه إدارة كتابة العدل في القطيف، ثم أعيد لإدارة البلدية سنة 1357هـ، ولبث فيها حتى استقالته(منها نهائيًّا سنة 1359هـ([13]).
منجزات خالد الفرج في البلدية
خالد الفرج شاعر طائر الصيت([14]). اشتُهِر – في زمنه – بشاعر الخليج، والمجلس هنا ليس معقودًا لعرض هذا الجانب من دوره في القطيف، وإنما لدوره مديرًا للبلدية، فقبل أن يتولى مقاليد الإدارة فيها لم تكن البلد قد عرَفت الطرق إلا في صورة ممرات وجوادَّ زراعية ضيقة، متعرجة، مقتصرة على المشاة والدواب. وفي المجال الصحي لم تكن توجد وسيلة للتخلص من النفايات، فكانوا يرمونها في الطرقات، والأحواش، والبراحات بين الحارات، وبمرور الأيام تكومت تلالاً يسمونها (سمادة)؛ ويخصصون يومًا في البلدة أو القرية يتطوع فريق من أهل البلدة للعمل فيه على نقل تلك الأكوام إلى المزارع وبساتين النخيل، وتسميدها بها. وحين تسنَّم خالد إدارة البلدية عمد إلى بناء أحواض سموها “معالفَ”، الواحد منها “معلف”، أقامها في الفراغات القريبة من المنازل، فتُلْقى فيها القُمامة، ثم يقوم عمال البلدية بنقلها بالدواب إلى المزارع.
تلك هي الطريقة التي استخدمها خالد للتخلص من فضلات المنازل من الأطعمة، وما ماثلها. أما كناسة الطرق، فقد استخدمها في ردم السواقي وقنوات صرف البزل التي خارج بساتين النخيل، واستخْراج مصارفَ وسواقٍ بديلةٍ لها داخل النخيل، ثم تغطيتها بالأتربة الناتجة من الحفر، وإن نقصت أكملها بالرمل يأتي به من البر المجاور، كذلك قام بإصلاح الجسور، وبذلك اتَّسَعت الطرق، وتأهلت لمرور السيارات دون مساس بالملكيات، ودون أن تتحمل البلدية تكلفة أثمان التعويض عن نزع الملكيات، إذ لم تكن لدى البلدية إمكانات مالية للتعويض عن المساحة المقتطعة، وإنما بالتفاهم مع الملاك، وفي النقل يستخدمُ عمال البلدية، ومعدات النقل لديها، وهي الحمير (أداة النقل) الوحيدة المتاحة في ذلك الوقت([15]).
——————-
([1])عن لعبة الصافية انظر: الألعاب والرياضة، في كتاب: عيون القطيف – الفردوس الموؤود، عدنان السيد محمد العوامي، نشر أطياف للنشر والتوزيع، القطيف، الطبعة الأولى، 2017م، ص: 55.
([2]) قدرها الأستاذ محمد سعيد المسلم بحجم حبة الكرز، وهذا يصدق على بعض أحجام التيل البلور. واحة على ضفاف الخليج – القطيف، مطابع الرضا، الطبعة الثالثة، 1423هـ 2002م، ص: 125
([4])عنصر كيماوي سام، له ألوان كثيرة.
([5]) ديوان، مراجعة مصطفى الغلاييني، نشر مؤسسة هنداوي، 2014، جـ2/793.
([6]) صناعة النورة، حسين محمد حسين، الوسط أون لاين، العدد: 5103، الجمعة، 23 ذو القعدة، 1437هـ 26 أغسطس، 2016م، الرابط: https://chl.li/I2eIG ،
([7])التناقيب: بروج اسطوانية مجوفة عالية، تقام على فتحات في سقوف سواقي العيون البريَّة (انظر الصورة)، تستخدم لحماية فتحات السواقي من الرمال، وكذلك لتنظيفها دوريًّا. وأحسبها مأخوذة من النقب، وهو ثوب كالإزار يشد كالسروال. محيط المحيط.
([8]) العرق، أي الصف من الحجر واللبن والطبن والطابوق. محيط المحيط.
([9])معبر الهواء: بروز مرتفع في الجدار، مرتفع انسيابيًّا من أعلاه يدخل منه الهواء إلى الداخل. فارسية. انظر: المعجم الذهبي، فراسي – عربي، د. محمد التونجي، نشر المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية بدمشق، توزيع دار الروضة، بيروت، 1993م، ص: 94.
([10])صورة المنصورية في سوق الجبلة في الملحق.
([11])عين ماء حفرتها شركة أرامكو في بدايات تنقيبها عن البترول، وكانت على ساحل البحر، لكنها الآن داخل بساتين النخيل غربي صالة الإسراء للأفراح تقريبًا.
([12])خالد الفرج ودوره الاجتماعي والثقافي في القطيف، السيد علي السيد باقر العوامي، جريدة الرياض، العدد: 1342، الخميس 17/10/1997، زاوية الرأي للجميع، ص: 3.
([13])ديوان خالد محمد الفرج، تقديم وتحقيق خالد سعود الزيد، شركة الربيعان للنشر والتوزيع، و مطابع القبس التجارية، الكويت، الطبعة الثانية 1980م، جـ1/7، و23 – 24.
([14])عن خالد انظر: جهاد قلم في الصحافة والسير والأدب، السيد علي ابن السيد باقر العوامي، جمعه وحرره ونضده ووضع إضافاته وعلق عليه عدنان السيد محمد العوامي، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، ودار أطياف للنشر والتوزيع، القطيف، الطبعة الأولى، 1440هـ 2019م ص: 243 – 263، ومقالة: (مشهد الاندماج الوطني، خالد محمد الفرج نموذجًا)، كتاب رحلة يراع، عدنان السيد محمد العوامي، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، ودار أطياف للنشر والتوزيع، القطيف، الطبعة الأولى، 1440هـ 2019م، ص: 235، ومقالة: (خالد الفرج مكانته وشعره الذي لم ينشر)، كتاب: قطوف وحروف، عدنان السيد محمد العوامي، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، ودار أطياف للنشر والتوزيع، القطيف، الطبعة الأولى، 1440هـ 2019م، ص: 197.
([15])خالد الفرج ودوره الاجتماعي والثقافي في القطيف، السيد علي السيد باقر العوامي، جريدة الرياض، العدد: 1342، الخميس 17/10/1997، زاوية الرأي للجميع، ص: 3.