مَلُّوك الماحوزي.. خالة بينظير بُوتو.. وأول امرأة تحدّثت الإنجليزية في القطيف وُلدت في العراق وجلبت منها زيّ عباءة الرأس وخيّطت ملابس المشايخ وعلّمت الفتيات
القطيف: ليلى العوامي
حين اغتيلت رئيسة وزراء باكستان بنظير بوتو، في 27 ديسمبر 2007م؛ كانت خالتها السعودية التي تعيش في القطيف ـ الحاجة مـَلُّوك بنت الشيخ محمد الماحوزي ـ قد بلغت عمراً متقدّماً جداً. ولم تكن في حالة انتباهٍ كافٍ لتُدرك معه تعقيدات السياسة.
مع ذلك؛ كان في ذاكرتها الكثير من التفاصيل، طبقاً لشهادة الزميلة شادن الحايك التي أجرت معها حواراً نشرته صحيفة “الحياة”، بعد اغتيال بوتو بأيام.
كما كان في وجدانها ما أحزنها على ابنة ابنة أختها التي انقطع التواصل معها منذ سنواتٍ طويلة. ولم تُعمّر الحاجة مـَلُّوك بعد ذلك طويلاً، فقد توفيت بعد 6 سنوات من اغتيال السياسية الباكستانية، وتحديداً في يوم عيد الفطر المبارك سنة 1434هـ، الموافق 8 أغسطس 2013م.
أي في مثل هذه الأيام بالتقويم الهجري، ودُفنت في مقابر “الخباقة” المعروفة، غرب مدينة القطيف.
خبر الوفاة الهاديء مرّ مرور الكرام، ورحلت “مَلُّوك” دون أن يدوّن أحد سيرتها الجديرة بالتوثيق، قياساً بالمرحلة التي عاشتها المرأة في كنف المشايخ، والأثر الذي تركته في جيلها، بما اختبرته في حياتها ونقلته إلى مجتمع القطيف، منذ وفاة والدها، حتى ما قبل لحاقها به بسنواتٍ.
ما كان يتذكره الناس هو علاقتها النسبية بالعائلة السياسية الباكستانية “بوتو”، وعلاقتها بأخوالها العلماء من آل العوامي، وبالذات السيد ماجد والسيد حسين المعروف بـ “العالم”، وكونها خالة المؤرخ السعودي المعروف محمد سعيد المسلم.
أما كونها أول سيدة في القطيف تحدثت اللغة الإنجليزية ومهاراتها الحديثة في الحياكة، ودورها التعليمي؛ فقلة من الناس من عرف ذلك، واهتمّ به.
دين.. وسياسة
مسافة هائلة بين جمهورية الباكستان الإسلامية، والمملكة العربية السعودية. ومسافة أطول بين الرئيس الباكستاني الأسبق ذو الفقار علي بوتو وعالم الدين السعودي الشيخ محمد الماحوزي.
لكن نقطة التقاطع بين المسافات هي العراق، فقد تزوج “الشيخ” الذي كان مقيماً في النجف سيدة عراقية اسمها كوكب بنت الشيخ محمد علي، وهي كانت أرملة لزوج عراقيّ اسمه ميرزا علي، أنجبت منه فتاة اسمها “فاطمة”.
“فاطمة” هذه؛ تزوجت من رجل إيرانيّ، وهاجرت معه إلى الهند، في مرحلة سابقة، حين كان من السهل التنقل بين المستعمرات البريطانية، وقد استقرت معه في بومباي، حيث أسّس مصنع صابون سُمي بمصنع “ميرزا الصابوني”.
وفي الهند أنجبت ابنتها “نصرت”.
ومن زاوية مختلفة تماماً؛ تزوج الشيخ محمد الماحوزي، من “كوكب” وأنجب منها 3 بنات، إحداهنّ “ملُّوك”. وهذا يعني أن “ملُّوك” هي الأخت ـ السعودية غير الشقيقة ـ للإيرانية الهندية “فاطمة” التي أنجبت “نصرت”. وفي عام 1951م؛ تزوجت “نصرت” من “ذو الفقار” الذي كان محامياً وقتها.
ذو الفقار، المحامي الباكستاني، خاض غمار السياسة لاحقاً، وتدرج في المناصب الرسمية، حتى وصل إلى رأس الهرم السياسي في باكستان، وصار رئيس البلاد (1971 – 1973) ورئيس الوزراء (1973 – 1977)، كما أسس حزب الشعب الباكستاني، وأُعدم عام 1979 بعد محاكمة مثيرة للجدل.
لكنّ زواجه من السيدة “نصرت” أثمر عن 4 أبناء، أكبرهم السيدة “بينظير” التي سارت على خُطى والدها، وتقلدت رئاسة الوزراء مرّتين، وتعرّضت لمحاولة اغتيال مرّتين، وفي المحاولة الثالثة قُتلت بالرصاص، وهي تحيّي جماهير أنصارها.
في العراق
السيدة “مَلُّوك” ـ خالة بينظير بتوتو ـ وُلدت في العراق، حين كان والدها يدرس العلوم الدينية، ورافقته في عودته إلى وطنه، وهي في سن الـ 10، وبقيت معه إلى أن تُوفّي وهي في سن الـ 14.
بعد تيتّمها؛ تولت رعايتها أختها، غير الشقيقة، نعيمة، والدة السيد علي بن السيد محمد العوامي، تحت إشراف خاليْ أبيها السيد حسين العوامي المعروف بـ “العالم”، والسيد ماجد العوامي حتى وفاته سنة 1367هـ، حسب إفادة قريبيها عبدالواحد المسلم والمهندس سعيد العوامي.
النجف في خمسينيات القرن الماضي
وعلى الرغم من حياتها الجديدة في القطيف؛ بقيت على تواصل مع أختها في إقليم السند الهندي، ولاحقاً في باكستان. وكانت تسافر إليهم بين فترة وأخرى، حسب رواية المسلم. وكانت تقيم مُدداً طويلة هناك، قد تصل إلى سنة كاملة..!
الهند وباكستان
حياتها في العراق، ثم تردُّدها على الهند وباكستان؛ علّماها الكثير، لتكون من أوائل نساء القطيف إطلالةً على الحياة الحديثة. صحيح إنها ابنة رجل علم حوزوي؛ لكنّها أتقنت اللغة الإنجليزية والفارسية إلى جانب لغتها الأم، حسب كلام قريبها المسلم.
إلى ذلك؛ أتقنت الحياكة الحديثة، وأتقنت حياكة الجاكيتات والفنايل الحديثة، وهي من ضمن النساء اللاتي قمن بخياطة العباءات في القطيف مع بنات الشيخ عيسى المسلم، وأدخلن لبس العباية العراقية إلى القطيف، وهو حجاب لم يكن مستعملاً بين النساء، بل كنّ يرتدين “الرداء” المستورد من الهند، وكذلك “المقانع” المعروفة، أيضاً، بـ “الشيلات”.
الرداء.. كان رداء الميسورات، وله ميزة ألّا يشف ولا يجسّد جسد المرأة (مصدر الصورة: منتدى قديحيات)
وقد عُرفت بخياطتها “العبايات” إلى ما قبل استحواذ العمالة الهندية. كما خاطت الفساتين بأنواعها وملابس الرجال وبعض ملبوسات المشايخ. وصنعت المنمنمات والسفر التي توضع على الطاولات، ومقابض الأبواب القماشية والمناظر التي توضع على الجدران، في وقت لم تكن هذه المستلزمات موجودة في المحافظة، وإنما اكتسبتها “ملوك” من حياتها في العراق، حين كانت بغداد بمثابة دولة أوروبية في التقدم.
عصامية
تزوجت من ابن خالتها ضيف الله الشيخ سليمان آل سيف، وبعد وفاته كانت تسافر إلى الهند بالطائرة لتزور أختها، وقد علّمتها حياة الغربة أن تكون متطورة قافزة على جيلها.
ولم يمنعها ذلك من الاعتزاز بجذورها ودائرتها الدينية التي تنتمي إليها. ففضلاً عن والدها “الشيخ محمد”، هناك عمها الشيخ عبدالعلي، وخالاهما السيد ماجد بن السيد هاشم العوامي والسيد حسين “العالم”، وزوج عمتها الشيخ منصور البيات.
هذه الدائرة العائلية الدينية؛ جعلت منها ملمّة بمباديء العلوم العربية والدينية، والشعر الشعبي الذي كانت تكتبه أيضاً.
في القلعة
عاشت في بيت والدها مع أخواتها زهراء ونعيمة في القلعة بين الحيين المعروفين بـ “الزريب” و “السدرة”، وامتهنت، أيضاً، تعليم الفتيات والصبية الصغار القرآن الكريم، وكذلك ما يُعرف بـ “الوفاة” وهي سيرة النبي (ص)، و أيضاً “الفخري” الذي يسرد سيرة الأئمة.
وقديماً؛ إذا ختمت المرأة قراءة القرآن ووصلت إلى مستوى قراءة “الوفاة” يعتبر مهرها عالياً، قياساً ببنات جنسها.
مَلُّوك..!
هذه الصيغة في التسمية هي صيغة “تدليل” للتي تحمل اسمه “مليكة”. وكثيراً ما يغلب اسم التدليل على الاسم الأصل.
الماحوزي
من الأسر المعروفة في مملكة البحرين، ويُنسب اسمها إلى قرية “ماحوز”. وقد هاجر بعض أبنائها إلى القطيف قبل قرابة 200 سنة.
وفي القطيف اسر كثيرة ذات أصول بحرينية، وتحمل أسماء القرى التي جاءت منها، ومنها بينها: الشاخوري: نسبة إلى شاخورة، الستري، الستراوي: سترة، المناميين: المنامة، البلادي: البلاد القديم، المقابي: مقابة.
اقرأ ايضاً