أنت لستَ رجلاً…!
علي الخنيزي
في المرة الأولى أخبرني عن زميلة له في الجامعة كانت تلوذ بمشورته بعد تخرجهما ببضع سنين، تخبره بأنها في المستشفى الآن، تخضع لجبيرة أو خياط جروح أو كليهما معاً.
لست أذكر.. كان هذا قبل أكثر من سنة، ذلك أن زوجها الذي عشقته أيام الجامعة وحاربت لاجله عائلتها و باقي المفروسات وصل بضربه لها من الحدة هذه المرة، ما أدخلها الى المستشفى محمولةً في سيارة إسعاف!!
سألته: ماذا افعل؟
فأجابها: اتركيه، خصوصاً أن ليس بينكم أولاد.
قالت: أحبه… وهو نادم و يعدني بأنه سيتغير.
أخبرها انها ستعود لتخبره بأذىً جديد ستتعرض له وسوف لن يعيد عليها النصيحة، او الحل.
عادت بعد أشهر، هو يخونها، و هذا ليس بجديد، يهينها، هذا لم يكن بجديد، يسيئ إليها ولعائلتها، ليس بجديد. هي في المستشفى للمرة اللا تدري كي تخيط جروحاً جديدة وتطبّب رضوضاً أخرى، و سوف تتطلق حتماً.
لكنه يعدها بأنه سيتغير و هي تفكر بمنحه فرصة رقم مليون،
أخبرها بألا تعيد الاتصال به، فهو لم يعد يستطيع معايشة هذا العذاب الذي تتعرض له وتعرضه معها إليه برميها كل كلامه و نصائحه في القمامة لتعود شاكية من جديد صدق توقعاته.
اليوم أخبرني عن أخرى من عائلته، فتاة عربية متزوجة من سعودي من أولياء الصالحين القائمين على خدمة احد الدور الدينية.
(انا لا اخبركم هذا التفصيل لأكيل للمؤسسة الدينية التشويه، أنا أخبركم لتعلموا أن هذا لا يعصم من الأخطاء او العلل النفسية).
قال لي: فلانة في المستشفى كانت تخضع لعملية جراحية مدتها ٧ ساعات لتقطيب جروح، ولربما أشياء لا نعرفها.
زوجها كان يضرب ابنه ـ كالعادة ـ ومن ثم أكمل على زوجته ـ كالعادة ـو للمرة اللاتحصى!!
إحدى القريبات أخبرتني بأن زوجها يضربها كما يضرب الملاكمون كيس الملاكمة. هكذا حاولت وصف الطريقة التي يوجه فيها زوجها اليها الضربات!!
قالت هو لا يضربني “سطار” (صفعة على الوجه) لا.. هو يلكمني في أين شاء من جسمي كأنني كيس ملاكمة.
او يدوس علي بأقدامه، ذات مرة كادت قدمه توطئ طفلتنا الرضيعة، لكن تمكنت من حمايتها بتلقي الركلة في خاصرتي!!
هؤلاء ليسوا رجالاً..! نعم.. أنت لست رجلاً… و هذا أمرٌ مفروغ منه، و لن أقول بأنك وحش، فأنت اقل قدراً من هذا بكثير، أنت إنسان مريض مثيرٌ للشفقة و تحتاج إلى علاج في مصحة الطِب النفسي.
أتدرى؟
يقع تأريخ نشوء هذا الدرس عندي في أرفف الذاكرة الواقعة بين الرابعة او الخامسة من العمر، (أحاول أن أخبرك أن الأطفال أرجل منك). كلنا تعلمنا منذ فطامنا أو قل منذ بداية وعينا.. أنك تتوقف من أن تسمى رجلاً لحظة تُمد يدك على أنثى!!
هكذا في لحظة واحدة تصبح في عُرف البشرية “أنك لستَ رجلاً”. و هو تهديدٌ خطير جداً بالنسبة إلينا معشر الذكور، فكل شيء في تفاصيل شخصياتنا بنيناه منذ نعومة أظفارنا حتى عتي الشيخوخة.. هو للتأكيد على أننا رجال.
أنت تفقد رجولتك كل ما انحططت بفعل، فأنت لست رجلاً حين تخون.. ولست رجلاً حين لا تفي بوعودك.. ولست رجلٌ حين لا تحترم الكبير و لا ترحم الضعيف أو الصغير، وحين تتقوّى على من هم أضعف منك، وحين تسرق وحين لا تمد يد العون لمن يحتاجها حين كان ذلك باستطاعتك، وأشياء كثيرة يطول سردها.
أرأيت؟
لهذا كمن يخفي آثار جريمته خوفاً من العقوبة، تجد معظم المرضى يضربون زوجاتهم أو بناتهم او اخواتهم في السر، ذلك أن أحداً من هؤلاء لا يود أن يُفتضح أمره للمجتمع فيمشي بين الناس حقيراً.
طيب.!
تخيل أن لك ابنةً او أختاً عزيزة، هل تقبل أن تزوجها من شخص ثم تجده “يرطمها” في الجدار..؟ أو يركل جسدها كما يفعلون بمساجين “أبو غريب”، و يلكمها كما تُعذب المافيات أعداءها..؟ ويجلدها كما يجلد النخاس عبيده!!
ان كنت تقبل فتلك مصيبة!
أظن أن باستطاعتك أن تعود رجلاً او تكون رجلاً متى أردت، راجع نفسك و حاول السيطرة على أعصابك وتصرفاتك، اقرأ عن الرجل و الأخلاق و الآداب الاجتماعية، استشر واعظاً او اذهب إلى طبيب.
اسأل الله ان يهديك و يشفيك و ينفع الكون بك.
واتمنى أن ينقذ أبناءكم و أمهاتهم من الندوب النفسية التي سيخلفها عنفك فيهم.
هل تعتقد بأن ضرر العنف جسديٌ فقط؟
فكر مجدداً، فانت تشوه إنساناً مدى العمر حين تعنفه.