[2] تأملات في جماليات سورة “الانسان” الآية الأولى

مدينة أحمد البوري
‏‫آية اليوم الأول :
﷽ 
{هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا}
هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ
تذّكر الآية الاولى لسورة الإنسان الإنسان بأصل نشأته وخلقته بأسلوب بلاغي رائع ، يأخذ بلباب القلوب، فقد أتى على الإنسان وقت من الزمن غير محدود كان عدما محضاً ،لم يكن موجوداً ،فهو قد وجد بعد العدم، هذا الطرح يجعل الإنسان يعيش وعي نشأته ، فيزيد من حكمته ويقضي على غروره وتكبره.
•ماذا تفيد( هل) في الآية ؟؟
قال البعض: انها بمعنى” قد ” اي قد اتى ، وقال آخرون: بأن الاستفهام ب (هل) في هذه الآية للتقرير والتحقيق والتذكير ، لما في الاستفهام من تحريك المشاعر و إثارة الذهن نحو المستفهم عنه ، وذلك لتهيئه النفوس للإستقبال ولتلقي الأوامر الآلهيه وأخذ الأقرار منه . 
•لماذا قال (الإِنسَانِ) ولم يقل الناس؟؟
لأن الإنسان وأن كان مفرداً في اللفظ الا إنه عام في المعنى ، فالالف واللام في( هل) للاستغراق الشامل لجميع الأفراد ، فالحكم جاري على الافراد جميعاً لا فرد بعينه.
( حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ)
•لماذا قال (حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ)؟؟
فالحين وقت والدهر وقت!!
اجل ، الحين يعني الوقت والزمن ، والدهر كذلك، ولكن ذكر الحين في هذه الآيه ليفرق بين الكلمتين ، بأن الحين هو الوقت الذي كان قبل خلق آدم ع ، ذلك الوقت الذي لم يكن للإنسان فيه وجود، وهذا وقت محدد، وهذا ماتفيده الآيه من طول الزمن وامتداده ، (الدَّهْرِ) فهو ليس محدد ، لذا هذه الفتره صادقه كل الصدق على جميع افراد الإنسان ، في وقت واحد ، مره واحده، حيث يقرر الله الإنسان بأفراده أنه لم يكن لكم وجود في الحياة قبل آدم ع.
(لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا)
في هذا المقطع من الآيه ملمح بلاغي جميل ،حيث حذف العائد على (الدَّهْرِ) في مقطع الآيه( لم يكن شيئا مذكورا ) ، حيث حذفت “فيه”( لَمْ يَكُن “فيه” شَيْئًا مَّذْكُورًا).
•فلماذا هذا الحذف البلاغي من الله؟
نظرا لأن المقام في الآيه هو النفي ،  اقتضت بلاغه النظم الحكيم المعجز حذف الجار والمجرور ، تأكيدا ان ذلك الدهر لم يكن ظرفا للإنسان، ولم يكن الإنسان مظروفا فيه،
•لماذا قال (شَيْئًا مَّذْكُورًا) ؟؟ ولما لم يكتفي بقوله لم يكن مذكوراً؟؟
فما السر في ذلك؟ 
لو قال :لم يكن مذكوراً لسلط النفي على الذكر فقط ، وعليه فقد يكون الانسان موجود ، إلا انه لم يذكر ، وهذا ليس مقصد الايه، انما مقصدها انه في ذلك الحين كان عدماً ، يعني شيئاً لم يذكر .
فسلط النفي على وجوده اصلاً  .
•هذه الآيه تبين للانسان امكانياته وقدراته سابقاً ولاحقاً، وقد فسّر أئمه الهدى “ع “هذه الآيه بتفاسير ، عن زراره قال (:سألت ابا جعفر عن قوله (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ……..) فقال: كان شيئاً ولم يكن مذكوراً في الخلق ).
 لذا يتبين  أن الإنسان يمر قبل وجوده المادي في الحياة بمرحلتين هما: 
الاولى : عالم التقدير في علم الله 
الثانية: عوالم النشأة  مثل عالم الاشباح ، عالم الذر،عالم الاصلاب،عالم الارحام ،عالم الدنيا 
•اذن:
١- إذا اراد الانسان أن يتكبر فليرجع وينظر الى أصل نشأته 
٢- الإيجاد لنا في هذا الكون من نعم الله علينا، لكن المهم أن نضع بين اعيننا لماذا وجدنا؟
٣-قال الامام الحسين” ع” في دعاء يوم عرفه (ابتدأتني بنعمك قبل ان اكون شيئاً مذكورا )
فلك الحمد يا رباه على نعمة الايجاد.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×