[2] قبس من سماء رمضان استحقاق ولاية الله: النبي إبراهيم مثالاً

د. رانية الشريف العرضاوي*

{قالَ أوَ لم تؤمنْ قالَ بلى ولكن ليَطمئِنَّ قلب}. 260/البقرة

لمّا ذكر الله سبحانه قاعدة (اللهُ وليّ الذين آمنوا) كان من المناسب أن يأتي بعدها تمثيل وتبيين لصفات استحقاق الولاية، وكونها واقعة في عباد الله المصطفين لا محالة، فجاء ذكر الخليل إبراهيم عليه السلام بعدها في موضعين مختلفين، بينهما ذكر لعُزير عليه السلام وقصة الموت والحياة.

فأمّا الخليل -وهو من نتلمّس من سيرته القبس اليوم- فكان في موضعه الأول في اختبار مع مُحاجٍّ يدّعي الربوبية (النمروذ) بإثبات صفتها العظيمة لنفسه: الإحياء والإماتة؛ فأبهته الخليل بحجّة كونية استدلالية ببرهان: (يأتي بالشمس من المشرق فأتِ بها من المغرب)، فتحققت فيه الولاية والعناية والتمكين في إلهامه حجّته المبنية على التفكّر الذي كان هو له طريق الإيمان الأول. و

أمّا موضع الولاية الثاني فهو في طلبه لمعاينة ما أثبت بطلانه لغير الله في موضعه الأول مع (النمروذ) : إحياء الموتى. فكان أن سأل الله سبحانه عن أمر وقر في قلبه الإيمان به، وعليه ردّ من ادّعاه لنفسه، وعنه نافح، ورغم ذلك لم يحبسه إيمانه السؤال فيه. وهنا، يأتي قوله تعالى حكاية للأمر: (أو لم تؤمن)، فيكون استفهام تقريري يعلن فيه قرار الإيمان في قلب الخليل، وحصول اليقين بقدرة الله في قلبه الثابت، وفيه استفهام عن معلوم مشهود في حكايته مع (النمروذ)؛ ويكون الجواب حاصلا ب (بلى) إعلانا لثبات الإيمان، ثم يأتي الاستدراك بـ (ولكن ليطمئن قلبي) فيكون طلب الطمأنينة هنا للفكر لا للقلب، فالفكر عالٍ في حاجة لبرهان محسوس ضرورة، وهذا لا ينفي أنّ الإيمان في القلب قد وقر.

ودليله في سياق السؤال نفسه: (رب أرني كيف تحيي الموتى) فابتداء السؤال تأدّبا بإثبات الربوبية لله الذي يحيي ويميت أولا، ثم مجيء (كيف) منصوبة على الحال، فيكون السؤال عن هيئة حصول فعل حاصل لا محالة من الرب سبحانه، ولا يكون لغيره أبدا. وهنا تتأتّى لطيفة؛ أنّ السؤال مادام في استقامة الأدب، لا يردّ صاحبه، فالسؤال نصف العلم، وجلاء سحائب الشك، وبه تثبت الفريصة المرتعدة بالتردّد، وعليه يعالج الاضطراب والحركة المتحصّلة من تغيّر أفهام الناس، هذه الحركة التي هي أحوج ما تكون إلى السكون المولّد في حضن الطمأنينة. فلا يشكَّك في إيمان سائل عن مُسَلّم به حال تأدّب مسبوك بحق استفهام من مَعين الإيمان.

وهو ما يجلو سرّ بلاغة: (ليطمئن قلبي) فتكون الولاية محتملة الحصول لكل طالب طمأنينة فكرِه العالي. والله أعلم.
————

* أستاذ مساعد، قسم اللغة العربية، جامعة الملك عبدالعزيز.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×