رمضان ليس شهر إزعاج.. حاشاه
حبيب محمود
في إحدى بلدات القطيف؛ اعترض واحدٌ من جيران مغتسل الموتى على الصوت العالي الذي يُذيع تلاوات من القرآن الكريم، وهي عادة درجت بهدف إخبار للناس بوفاةِ أحد من أبناء البلدة.
كان صوت عبدالباسط “مُدويّاً” بالمعنى الحرفي للضجيج المؤذي صوتياً، ولم يكن بيته يبعد عن مبنى المغتسل إلا بأمتار قليلة، ناهيك عن استمرار تشغيله حتى وقت متأخر من الليل، في حال تأخُّر إكرام الميت وتشييعه.
وفوق ذلك؛ قد يبدأ تشغيل التلاوة في وقت مبكّر جداً من الصباح..!
طفح كيل الرجل من حالة الهلع الصاخبة في الحيّ، وبعد يأسه من مخاطبة القائمين على المغتسل باللين؛ خرج عن طوره، ونهرهم نهراً، وتعقّد الكلام وصولاً إلى الملاسنة…!
بقية القصة تقول إن الناس أطلقوا على الرجل المسكين “عِيّارة” مؤذية، صار يُوصف بـ “سلمان رشدي” حتى وفاته..!
*
وفي حيّ من مدينة القطيف؛ سكن طالب علمٍ معمّم إلى جانب حسينية أو مسجد. ومن حظه العاثر؛ كان مكبر صوت الحسينية قُبالة نافذة غرفة نومه مباشرة. وكلّما جهر خطيبٌ بصوت الوعظ أو النعي؛ هجم الصوت هجوماً على الطالب حتى في أكثر أوقات تعبه وحاجته إلى الراحة..!
حاول مرة وأخرى باللين والكلام الناعم، دون استجابة تتفهَّم أن هناك فرقاً واسعاً بين صوت الأذان الذي يجب أن يصل إلى “عنان السماء”، وبين أي نوعٍ آخر من أنواع الذكر والأوراد والوعظ..!
خرج طالب العلم عن طوره أيضاً، وعمد إلى سلك مكبر الصوت ففصله..!
وحسب تعبير أحد الأصدقاء؛ فإن الناس كادوا يُخرجون طالب العلم من الملّة…!ّ
*
ونحن على مشارف الشهر الكريم؛ نُهيّيء أنفسنا لدخول امتحان سنويّ مُعتاد مع مكبّرات الصوت. مع مكبّرات الصوت ـ تحديداً ـ لا مع الأصوات ذاتها، ولا مع الذكر الحكيم، ولا الصلوات والأدعية المستحبة، ولا الأوراد الأخرى. فهذه من مندوبات الدين، وجزءٌ من هويتنا، وطابعٌ رمضانيٌّ روحانيٌّ متغلغل في وجداننا بالتأكيد.
حين تتقاطع أصوات التلاوات في الأحياء، وأصوات المصلين، وأصوات الأدعية، وأصوات الخُطب.. كلُّ ذلك من مكوّنات الإحساس بالشهر الكريم، وإشاعة روح العبادة الجَمعية.
إلا أن هناك مستوىً مقبولاً في هذه الظاهرة التعبيرية الرمضانية. كلُّ مكبّر صوتٍ يؤدي وظيفة “الإبلاغ” بالخير. والحاجة إليه واضحة، في حدود الوظيفة التي لا تصل إلى حدّ الإيذاء الصوتي.
لا أحد يتأذّى من صوت القرآن الكريم، بل العكس؛ إنما هو شفاءٌ للناس.
الأذى يأتي حين يكون الصوت فوق طاقة الناس على تحمّل الدويّ الصوتي المبالغ فيه.
*
المنزعجون يخجلون من إظهار انزعاجهم، أو يخافون التفسير، ويتجنّبون الاعتراض على الأصوات العالية، حتى وإن هجمت عليهم كما كان حال طالب العلم، أو جار مغتسل الموتى.
المنزعجون يخجلون.. راعوا خجلهم، وراعوا راحتهم.