[اعترافات] صائمون صغار أكلوا وشربوا.. في الخفاء..! بقايا جبن على "خشم" تكشف طفلين، وآخران يلتهمان علبة "صلصل"
أم الحمام، الجش: سكينة المرهون، زينب عبدالله
الصايمين في قصُرْ
امحنّيين أمس العصُر
مرْ عليهمْ شيخْ نصُر
وقال رحمْكمُ اللهْ
والفاطرين في بيرْ
امكسرينْ تكسير
مرْ عليهم خنزيرْ
وقال لعنْكمُ اللهْ
بهذه الأهزوجة الطريفة؛ كانت الأمّهات يهذبْن سلوك أطفالهن في الصوم. ثنائية “الثواب” و “العقاب” تضع الصغار بين خيارين، إما أن يعيشوا في “قصر” وهم في كامل الزينة، أو في بئر وهم مكسّرون. الصائمون يمرّ بهم الشيخ نصر ويترحم عليهم، فيما يمرّ خنزين بالمفطرين ليلعنهم..!
لكنّ هذا التهذيب الإيحائي قد لا يكون كافياً لضمان صوم الأطفال القادرين على التسلل وتناول بعض الطعام، أو شرب الماء، خفية من وراء أهليهم. خاصةً في زمن لم تكن فيه أجهزة التكييف متوفرة، ولا أجهزة تلفاز، ولا ألعاب، ولا مُسلّيات تخفف العناء وتُلهي عن وقت النهار الطويل الحار.
صلصل..!
في يوم حار؛ استولى عليّ وعلى أخي الجوع. لم نستطع الصبر. تسللنا للمطبخ بحثاً عن أي طعام.. ولم نجد سوى علبة صلصل حديدي قديم (معجون الطماطم).. أخذنا سكيناً حادة ورحنا نحاول فتحها، تقاسمنا المهمة بيني وبينه حتى أتممنا عملية فتحها بصعوبة.. ثم أكلناه كله.
هكذا تذكّرت الحاجة مدينة أحمد آل عطية ذلك التسلل البريء لطفلين لم يكونا قادرين على الصوم. تقول إنها بدأت الصوم في سن التاسعة. وهذا العمر الذي تصوم فيه جميع الفتيات بحكم سن التكليف. وليس قبل ذلك تدريب كما هو معتاد الآن. وعندما عطشتْ “الصغيرة مدينة” وشقيقها الصغير أثناء اللعب شربا من ماء “الضلع”، بين المزارع، من دون علم أحد من أفراد العائلة الكبار.
ترى السيدة مدينة أنها كانت من مرحلة الجهل وقلة الحيلة، حيث كان الجوع والعطش حقيقيين وقاسيين، والجوّ لا يرحم، والنهار طويل، ولا سبيل إلى إمضائه بسهولة كما هو حال الآن، حيث الجميع يستطيعون الحصول على الإرشاد، كما أن المجالس المباركة التي تنور العقول موجودة وتعلم الصيام الصحيح.
تضيف: يحتاج الطفل إلى التدرج في الصوم.
خشم وجبن..!
لكن قصة السيدة بلقيس عبدالله الخميس أكثر طرافة. فقد “تخادنت” مع أخيها أيضاً، لكنهما انكشفا بسهولة. وتتذكر أن أهلها وعدوها وأخاها بهدية في حال أتمّا الصيام الصحيح. تقول كنت في التاسعة، وأخي أصغر مني. وكلانا وُعِدنا بهدية الصوم. لكن صوم اليوم الأول كان شاقّاً علينا. عطش شديد وجوع، وذبول، وشحوب في الوجه. لكن اليوم مرّ بسلام، دون أن نفعل غير الصوم. وعلى العكس منه كان اليوم التالي؛ حيث بلغ بنا الجوع والعطش مبلغه. فاخترعتُ حيلة لي ولأخي. أخذنا جبناً وحليباً، وتسللنا إلى خلف المنزل ورحنا نأكل خفية.
انتهينا من تناول الطعام ولم يرَنا أحد. عدنا إلى المنزل متظاهرَين بالصوم والتعب. كان تمثيلنا ممتازاً، لكن سرعان ما انكشفنا، وبسهولة. طالعتنا أمنا وقالت ساخرة: “يالصايمين اذا تاكلون مرَهْ ثانيهْ امسحوا اخشومكم من الجبن”..!!
كان كشفنا سهلاً جداً، وسبباً لسؤالنا كل يوم من قبل أمنا التي تسألنا “ها.. صايمين..؟ ولا ماكلين بيض وجبن..؟”.
فنرد عليها ” خلاص لا جبن ولا حليب.. ماي وخلاص”..!
تضيف السيدة بلقيس “بعدها صرت أتسلّى بمساعدة أمي حتى أنسى العطش والجوع”. وتقول “السنة الأولى في الصوم كانت صعبة جداً، لكنها كانت الأولى والأخيرة في الإفطار”.
اختبار اللسان
بقدر ما كانت الرقابة شديدة؛ فإن “بوق الصيام” سهلٌ على الأطفال. وكان الآباء والأمّهات يتساهلون نوعاً مع الصغار الذين لا طاقة لهم على الصوم. وقد يعرفون ما فعل صغارهم، لكنهم يُظهرون عدم المعرفة لتمرير الموضوع تقديراً لطفولة الصائم، أو يُخبرونهم بعلمهم، ويحاولوا حثهم على عدم تكرار الإفطار في نهار رمضان.
لكن هناك من لديه رقابة شديدة على صغاره. وهناك من يفتّش الصغير ليتأكد من كونه صائماً. ومن وسائل التفتيش شمّ فم الطفل، أو شمّ يده. وهناك نوعٌ من التفتيش ظريفٌ جداً، هو فحص اللسان. إذا كان اللسان مبيضّاً؛ فمعنى ذلك أنه صائم. أما إذا ظهر محمرّاً؛ فإن ذلك دليل على أنه مفطر.