“زمن الطيبين” خرافة.. “البذاءة” في لهجة القطيف المحكية تتجدد في البيئة تعويضاً عن الرذيلة المحظورة شرعاً و نظاماً وعرفاً
سيد طاهر الفلفل
ما زلت أذكر بعض الأهازيج التي كانت تُردد في ليلة الزفاف أيام الطفولة والمراهقة في الزمن الماضي، وأعجب من المصطلح الذي نسمّيه ـ تجوُّزاًـ بـ “بزمن الطيبين”. فأغلبها أهازيج ملغومة بالإيحاءات الجنسية والعبارات الفاضحة وكأن العريس سوف يدخل على سبية من سبايا غزو بلاد الكفار، أو جارية اشتراها من سوق النخاسة، تشجيعاً للعريس وحثه على الافتراس والتوحش.
هي بلا شك تعبّر عن رغبة مكتومة و تشفٍّ غريب مشحون بالسادية في تصوير العروس بالفريسة، حتى يراودك الشك في أن الزواج مجرد علاقة جنسية مباحة، وأن الرجولة هي الفحولة الجنسية، وما سوى ذلك من صفات أخلاقية ستكون مجرد كماليات وليست من شروط الزواج ولا صلاحية الزوج..!
أغلب من فاته قطار الزواج في زمن الطيبين و قضى العمر عازباً؛ لم يكن بسبب الفقر أو الإعاقة أو الفجور والعربدة فالسبب الرئيسي عادة ما يكون (العنّة) و ما سوى ذلك ممكن التجاوز عنه و قبوله.
وعندما تبدأ في تعلم النطق و مرحلة الخروج من المنزل لا بد أن تشنف أسماعك تلك الألفاظ و الشتائم المشحونة بالبذاءة التي يتبادلها الصبية والشباب في الأزقة والحارات عندما تحتدّ الخلافات والمشاجرات. حتى المزاح والمداعبة بين الأصدقاء لا تخلو من تلك الألفاظ القبيحة.
لهذا لا تعجب من الكم الهائل من النكت والطرائف الجنسية التي يتبادلها الأصدقاء في برامج وسائل التواصل. هي بالتأكيد ليست دلالة على الكبت الجنسي فقط، فالبذاءة تشكل جزءاً من مفردات اللغة الاجتماعية المتداولة في الحياة اليومية وهي ليست محصورة في منطقة دون أخرى.
حتى الإقبال على الفضيحة والحديث عنها في المجالس والتجمعات هي بلا شك من أنواع البذاءة. وللفضيحة لحنٌ و أنغام تتراقص عليها النفسيات الفارغة طرباً، وتُقبل عليها القلوب المريضة شغفاً و تتزاحم عليها الأسماع ارتياحاً.
وعادة هناك ما يمكن وصفه بـ “جمهور الفضائح” في الأوساط الشعبية، تلك الأوساط التي لم تنشغل بقضايا الفكر والثقافة، فجل اهتمامها هو الإشاعات والخرافات و التفاهات والغيبة و النميمة.
كأنهم أعداء أجبرتهم الظروف على العيش مع بعضهم حتى أظهروا الود بينهم و أخفوا الحقد والضغينة، ينتظرون من يسقط في وحل الرذيلة وينكشف ستره ويُفتضح أمره، فيتداولون الفضيحة وكأنها بشارة عن غائب مفقود أو شفاء مريض قد مسه الضر، فيتحدثون عن الفضيحة مسبقوقة بالاستنكار والشجب بأشد العبارات، لا بسبب قوة الإيمان والتدين أو تمسكهم بمكارم الأخلاق والفضائل من الصفات أو الحرص على العفاف، ولكن من سقط وافتضح لاعب خرج من المنافسة وممثل لم ينجح في تمثيل الدور.
للبذاءة تاريخ وسلالة تتجدد في البيئة المشبعة برطوبة الجهل والتخلف كتعويض عن الرذيلة المحظورة شرعاً و نظاماً وعرفاً.