تعقيب على موضوع وثائق حماية الأملاك في القطيف قديماً
جلال خالد الهارون
تابعت باهتمام بالغ ما نشره السيد عدنان محمد العوامي “أبو أحمد” مؤخراً في صحيفتكم الغراء “صبرة” بعنوان “وثائق” قبائل سنية حمت أملاك شيعة القطيف من اضطهاد الأتراك”.
ولا أخفيكم بأن هذا الموضوع وما تبعه من تعقيبات كتبت بعد ذلك شجعني على المشاركة بما اطلعت عليه من معلومات بهذا الخصوص.
فقد كان موضوع البحث في الأصل يدور حول ثلاث وثائق تاريخية تخص أسرة آل ابي السعود الكريمة والمعروفة بالقطيف، ومن خلال التفحص السريع لها بدا لي أنها جميعها محرره في زمن واحد ومناسبة واحد وهي التنظيمات الإدارية والمالية التي تبعت سقوط دولة بني خالد في فترتها الأولى.
محتوى الوثائق الثلاث:
حيث جاء في الوثيقة الأولى وهي غير مؤرخة بتاريخ معين ان أحد افراد اسرة آل عفالق الاحسائية الشهيرة والمعروفة سجل عدد من نخيل اسرة آل ابي السعود أهل القطيف باسمه بهدف منع الاستيلاء عليها ثم وبعد انتفاء السبب ارجع تلك النخيل لهم.
أما الوثيقة الثانية وهي محرره في عام 1218هـ فإنها تتحدث عن احداث تاريخية قديمة حدثت زمن حكم بني خالد في فترة حكمهم الأول الذي امتد من عام 1065هـ الى عام 1209هـ.
وفي هذه الوثيقة إشارة الى الاستيلاء على عدد من نخيل أسرة آل بي السعود بواسطة أحد شيوخ بني خالد أهل القطيف وأن مشكلة هذه النخيل تم النظر فيها من قبل الأمير عبدالمحسن آل عريعر حاكم الأحساء في زمن حكمه لها وللقطيف وأنه أنصف أسرة آل ابي السعود ورد لهم املاكهم، ثم تذكر هذه الوثيقة ان سبب إعادة ذكر هذه الحادثة بعد زوال دولة بني خالد هو اثبات ملك هذه النخيل لدى حاكم الدولة الجديدة “الدولة السعودية الأولى” الامام سعود بن عبد العزيز آل سعود الذي اقر أيضا لهم حق ملك هذه النخيل.
الوثيقة الثالثة والاخيرة فهي مؤرخة في 1218هـ وتتضمن إقرار أحد شيوخ بني خالد بمنطقة القطيف بأن النخيل التي وهبت له من قبل آل حميد حكام الاحساء وقبل استلامها أعادها الى ملاكها الأصليين اسرة آل ابي السعود في زمن آل حميد أنفسهم، وأن إعادة ذكر هذه القصة مرة أخرى في زمن حكم الامام سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود كان بهدف تثبيت ملكية آل ابي السعود لهذه النخيل وتوضيح طريقة تملكهم لها ابتدأ.
وثائق الشكوى والنزاع:
ولا أخفيكم أيضا أنه ـ وأثناء رحلة البحث الطويلة في تاريخ شرق الجزيرة العربية بشكل عام والقطيف بشكل خاص ـ وقفت على مجموعه كبيرة من الوثائق التي تخص بيع وشراء مزارع النخيل في مختلف قرى واحة القطيف، وكان من بين هذه المجموعة رسالة تظلم رفعتها امرأة مسنه تنتمي الى أحد أسر قبيلة بني خالد الذين كان لهم حكم وزعامة في منطقة القطيف، ويفهم من هذه الوثيقة أنه وبعد سقوط الدولة السعودية الأولى وسيطرة القوات المصرية على منطقة القطيف استولى “أبن غانم” امير قلعة القطيف في تلك السنة على نخل في بلدة تاروت ملك لهذه المرأة المسنة ووفقا لإفادتها المثبتة في هذه الوثيقة يتضح إن هذا النخل في الأصل كان ملك لجدها ثم والدها ثم آل اليها بالإرث الشرعي، ومع ذلك فقط تم وضع اليد على هذا النخل وجعل بيت “مال مسلمين” وفي هذه العبارة “بيت مال المسلمين” إشارة مهمة، ويذكر في الوثيقة أيضا بأنه لا يوجد أحد في تاروت من حضر أو بدو ينكر ملكية هذا النخل لهذه المرأة المسنة.
أوضاع سياسية استثنائية:
لا شك أننا نعيش حالياً في هذا الزمن في أمن ورخاء واستقرار “ولله الحمد والمنه” لهذا فإن كثيراً من الاحكام الشرعية والأعراف ذات الصلة بظروف الحرب “معطلة” لذا فهي غائبة عنا في تقييم اسباب كتابة مثل هذه الوثائق موضوع هذا البحث.
لقد كانت الجزيرة العربية بشكل عام وشرق الجزيرة العربية بشكل خاص تعيش حالة من عدم الاستقرار السياسي فقد تعاقب على حكم هذه المنطقة “الاحساء والقطيف” العديد من الحكام، منهم على سبيل المثال لا الحصر دولة بني خالد ثم الدولة السعودية الأولى ثم سيطرت القوات المصرية على منطقة الاحساء والقطيف ثم انتقل الحكم الى بني خالد، ثم سقطت دولتهم وقامت الدولة السعودية الثانية، ثم عاد المصريون الى المنطقة بقيادة خورشيد باشا، ثم عاد الامام فيصل بن تركي آل سعود وأخرجهم من القطيف والاحساء.
لقد كان “عمر” الامارات العربية في هذه المنطقة “قصيراً”؛ ما إن تقم امارة حتى تعود فتنهار بسرعة نظراً لعدم الاستقرار وكثرة النزاعات بين القوى الإقليمية والدولية.
أطراف النزاع السياسي (حالة خاصة):
وليس بخافٍ على أهل الاطلاع والاختصاص بتاريخ واحة القطيف أن هناك أسرة معروفة في هذه المنطقة كان لها دور سياسي سواء كان هذا الدور صريحاً ومباشراً، مثل شيوخ قبيلة بني خالد الذين تولى بعضهم زمام الحكم فيها، او كان هذا الدور غير مباشر مثل الأشخاص الذين كان لهم نفوذ مالي أو اجتماعي في هذه المنطقة ودفع بهم هذا الى لعب دور سياسي مؤثر.
كأن يقتصر تدخلهم بإبداء رأي أو اعتراض او إرسال رسالة الى السلطات المحلية (آل سعود أو بني خالد أو آل خليفة) او الإقليمية (الدولة العثمانية أو بريطانيا) بهدف ترجيح كفة طرف ضد طرف أخر أو دفع ضرر او جلب مصلحة.
ولا شك في أن تدخل مثل هذا قد يعود على صاحبه بالخير العظيم ان كتب لحلفائه النصر، كأن يحصل على مكافأة مالية أو رتبة أو منصب، ولكن في المقابل يجب ألا ننسى أن هذا التدخل قد يجلب أحيانا الوبال الكبير في حال كتب له الفشل وانكشف أمره للخصوم والاعداء.
لذا أعتقد أن هذه الوثائق يجب إعادة دراستها وفق هذه الابعاد وبهذا العمق لعلنا نكتشف حقيقتها.
ففي الشريعة الإسلامية الغراء وفي الأعراف والقوانين الدولية أحكام كثير يسمح بها في وقت الحرب وتمنع وتعطل في وقت السلم، ايس في هذه الاحكام والأعراف حكم “الغنائم” التي تؤخذ بهدف معاقبة العدو وأضعافه أو بهدف تعويض خسائر ونفقات الحرب، وكذلك لدينا حكم “الفيء” هو المال الذي جلا عنه صاحبه خوفا وفزعا فأصبح غنيمته من دون قتال، ويدخل في كل ذلك وغيره المسلم وغير المسلم شرعا وعرفا.
أتمنى أن يكون في هذا التعقيب السريع المختصر شيء مفيد هذا ولكم فائق التحية والتقدير.
وثيقة نادرة وغير منشورة محفوظة في مكتبتي
اقرأ الموضوع الأصل
[وثائق] قبائل سُنّية حمت أملاك شيعة القطيف من اضطهاد الأتراك