عبّاس السوسوة.. الأثر اليمني في لهجة الخليج حقيقي
أمضيتُ يوماً كاملاً مع البروفيسور اليمني عباس السوسوّة في كتابه “قـَد اليمنية”. خرجتُ من كتابه الصغير بالكثير. اختصر عليّ الكتاب طرقاً كثيرة في تأصيل مفرداتٍ يمنيةٍ موجودة عندنا في الخليج، ونبّهني إلى عيبٍ منهجيٍّ لديّ هو قلة مراجعاتي للمصادر المحكية “المكتوبة”، وبالذات نصوص الشعر الشعبيّ.
الرجل يُبحرُ مع كلّ مفردة في مصادر كثيرة “مكتوبة”، ويقابلها بما وجده في المصادر الشفهية، مستعيناً بخبرته اللغوية وأدوات استنباطه الذكية. ويخرج مع كل مفردة بدراسةٍ قائمة في ذاتها، وصفيّاً وتأصيلياً.. ويا له من دارس بارع.
الروابط اللسانية بين اليمن وسواحل الخليج مفهومة عند أقلّ الباحثين اشتغالاً. ومن البدَهي أن تُلاحَظ هذه الروابط لأسباب تاريخية في المقام الأول. العرب جاؤوا من اليمن، ومن الطبيعي أن ينقلوا لغته إلى الأقاليم التي انتشروا فيها. لكنّ هناك ما هو أعمق من هذه البديهة التاريخية، حين يتجه البحث إلى المحكيات المعاصرة، نظراً لتكاثر النُّظم اللهجية المعقدة جداً.
وعلى ذلك؛ ثمة ظواهر مشتركة تُربِكُ محاولات الاستنتاج التاريخيّ، وتُضيف ضباباً إلى الضباب القائم أصلاً. وتأتي مثل أبحاث الدكتور السوسوة لتضع ما يُشبه خرائط لغوية، من خلال العينات اليمنية ذات العمق التاريخيّ الصميم، وتعمل على استكمال الصورة. البحث اللسانيّ اليمنيُّ جديرٌ بالعناية العلمية والبحثية، فما ورثناه يكاد لا يتخطّى الدراسات السامية ـ العربية الشمالية، في حين إن هناك موروثاً عربيّاً ـ جنوبياً (المعينية والسبئية والحميرية والحضرمية) له امتدادات وتأثيرات في المنطقة الخليجية على نحو لا يقلّ عن الشمالية (الأكادية والأرامية).
فمثلما تأثرت البلاد العربية الخليجية بحضارة ما بين النهرين الشمالية ولغاتها وثقافتها؛ تأثرت أيضاً بالحضارة الجنوبية.
والجزئية الأخيرة هي ما يشغلني ضمن ما يشغلني.
حبيب محمود