بعد تجربة منصة “مدرستي”.. حقا زوجتي.. أنت على حق…!

زكريا أبو سرير

الجميع أدركوا مفاهيم وظروف الدراسة عن بعد، خاصة بعد مضيّ ما يقارب عاماً أو أكثر، من التعايش مع الجائحة، وما خلفته من تغيرات حياتية وصحية واقتصادية، وما ولّدته من ثقافة في الاحترازات الوقائية من خطر هذا الفيروس الشرس.

شخصياً أؤمن بأن ليس كل ما هو ضار، لا يعني أنه ليس له وجه آخر من الإيجابيات، وبما أن الجائحة الحالية ما زالت تعبر عن صدمة اجتماعية جامحة، والصدمة ـ بمفهومها الثقافي ـ هي التي تشكل المفاجآت والخوف والحيرة والفوضى، والخوض في مثل هذه التجربة، تولّد ثقافة مستجدة أو استنهاض مفاهيم راكدة.

الخوض في أي تجربة، وإن كان عنوانها سلبياً، إذ لابد أن تكون لها منافع إيجابية، وبعد هذا الدمار الذي سببته هذه الجائحة عالميا ومحليًا، أصبحنا نقترب ـ بإذن الله من التغلب عليها ـ خاصة بعد اكتشاف اللقاح المضاد لهذا الفيروس. وتمكُّن جملة من الدول من الحصول عليه.

وبفضل من الله تعالى كانت بلادنا من أوائل تلك الدول، وبفضل حكمة حكومتنا الرشيدة، سخّرتها للجميع من المقيمين على أرضها الطاهرة، دون أي تمييز بين مواطن ومقيم في حق حمايته من هذا الفايروس.

بل إن مملكة الإنسانية، راعت في الدرجة الأولى كعادتها الجانب الإنساني أولاً، وقبل كل شيء، وعن قريب إن شاء الله سنجد هذه الجائحة عبارة عن ذكرى، وإن كانت ذكرى من الذكريات المؤلمة التي مرت على البشرية.

وبرغم هذه الظروف الصعبة، التي تجمّد أمامها الكثير من المسؤولين الذين لا يحملون على عاتقهم روح المسؤولية تجاه مواطنيهم، كان دور المملكة الرشيدة ورجالاتها الشرفاء والمخلصين دوراً مختلفاً تماماً، حيث مثلوا الحارس الأول لحماية الوطن ومن عليه، وأثبتوا أنهم جنود تحت الطلب، وكانوا في مهب الرياح والاستعداد لمواجهة مثل هذه الأزمات، التي شكلت صناعة حدث تاريخي، عجز عن مواجهته الكثير من دول العالم.

وبرغم أن مملكة الإنسانية رعاها الله، قد استطاعت تغطية غالب الجوانب الذي شكلتها هذه الجائحة، وينبغي الكتابة عن كل جانب لأهميته، باعتبار كل جانب يحمل مكانة من الأهمية في الجانب الاجتماعي والإنساني والوطني، إلا أنني أعود للكتابة حول الدراسة عن بعد، بواسطة الأيقونة التي أنشأتها وزارة التعليم، وأطلقت عليها منصة مدرستي، ولأن الجانب التعليمي يعد الهدف الثاني بعد الصحة، لهذا كان التركيز عليه باعتباره عنصر التحدي الكبير في نجاح هذه المرحلة الحضارية أمام هذه التحديات الصعبة، وبالفعل قد نجحت الخطط وحققت انتصارات رائعة في هذا المجال الحيوي، ويعود ذلك بعد فضل الله وفضل توجيهات حكومتنا الرشيدة، ومن حملوا على عاتقهم روح المسؤولية، ومن ضمن هؤلاء الجنود المخلصة هم الأسر، المتمثلة في الآباء والأمهات، وأخص في الدرجة الأولى الأمهات، اللاتي أذعن لهن بالمشاركة الفاعلة في نجاح هذا المشروع العلمي والراقي والحضاري والحداثي.

في الواقع لم أكن أتوقع هذا الحمل الثقيل الذي كان على عاتق ظهور الأمهات، وكيف كانوا يتحملون البقاء مع أبنائهن أمام هذه المنصة التعليمة، وكم هذا الوقت الطويل الذي يستغرقون مع فلذات أكبادهن لأجل إيصالهم إلى بر الأمان، إلا عندما تعمدت خوض هذه التجربة بنفسي، بانضمامي مع زوجتي الحبيبة، ولعدم تفويتي هذه الفرصة التاريخية، للخوض في مثل هذه التجربة الفريدة، ولأجل التعرف على أيقونة منصة مدرستي عن قرب، كان لابد من التفرغ الكامل لها، لذا قررت أخذ إجازة من عملي ومنحي هذه الفرصة ومتابعة هذا المشروع التعليمي الحداثي عن قرب، وعند بدء النصف الثاني من الدراسة عن بعد، كانت أول أيام إجازتي وبداية تخطي التجربة.

قبل خوضي للتجربة عمليا، كان هناك بيني وبين زوجتي مد وجزر، حول آلية التعليم الجديدة، حيث كنت أذهب إلى سهولة الطريقة، وسهولة تناول الفكرة وفهمها، بعد أن وفرت وزارة التعليم كافة التجهيزات، من كادر تعليمي متمكن وغيره، فكنت أرى دور الأمهات يقتصر علي الدور الإشرافي ولا يزيد عن ذلك، إلا أن الواقع بعد خوض هذه التجربة الجميلة كشفت لي واقعا آخر ومفهوما مختلفا، وقد أدركت لحظتها المعاناة النفسية والجسدية التي تعيشها هذه الأمهات، بل أصفه بالأمر الصعب، بل أرى عدم مشاركاتهن في الحضور ومتابعتهن هذا البرنامج اليومي مع أبنائهن، يسبب فراغا يصعب ملأه.

أسبوعان قطعتهما مع أولادي أمام منصة مدرستي، وكان في جانبي زوجتي، كنت أكاد أن أنفجر من التصدع الدماغي، لدرجة تمنيت أن أعمل خارج المنزل أربعة وعشرين ساعة أرحم لي من البقاء ساعة واحدة عند المنصة الدراسية، وخاصة منصة المرحلة الابتدائية، فأمرها يصعب وصفه، ساعات حضور متواصلة تمدد من الثامنة صباحا إلى غاية السابعة مساءً، وهي في حالة متابعة وتفاعل، أضف إلى ذلك عملها المنزلي، تخيل أيها القارئ الكريم أي صبر وتحمل هذا؟

لذا أقر لك يا زوجتي الغالية، بضرس قاطع أنكِ على حق، وأنكن أهم شريك في هذه المرحلة التعليمة الحداثية والتاريخية، كما أظن أنه سوف يكون لكن نصيب كبير، في تدوين دوركن التاريخي والمشرف،

 في دفع هذه العجلة التعليمة في أجواء هذه التحديات الصعبة، كما أني أعتذر لك لعدم استيعابي دوركِ ودوركن العظيم، لتخطي هذه المرحلة بكل جدارة، ولك مني جميل الشكر والتقدير والمحبة.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×