ساعي بريدِ الشمس

قصيدة الشاعر ياسر آل غريب.. الحاصلة على جائزة ابن المقرب الأدبية – الشعر الفصيح – المركز الأول.
مهداة إلى الشاعر علي بن المقرب العيوني.. عدَّاء المسافات الشعرية الطويلة، الذي حمل الرسائل الضوئية ، وطاف بها حول الغربة من بلد إلى آخر..
.
سرى خارجَ المعنى على صَهْوَةِ المنفى
ولم يَلْقَ في مَسْرَى طموحاتِهِ سَقْفَا
.
بأضدادِهِ تبدو حقيقةُ ذاتِهِ
فكيفَ بها يشقى؟ وكيفَ بها يشفى؟
.
قَدِ اسْتَقْرَأَ الأيَّامَ في كلِّ موقفٍ
ولمْ يَرَ في الدُّنْيَا سوى ظلِّهِ إلْفَا
.
ومن فَرْطِ ما يهوى التُّرَابَ وَكُنْهَهُ
تَوَحَّدَ بِـ (الأحساءِ) في عشقِهِ الأوْفَى
.
ففي مُقْلَتَيْهِ نخلتانِ من الرُّؤَى
وفي قلبِهِ نبعٌ ترقرقَ واشْتَفَّا
.
إذا لمْ يَجِدْ مَاءً , ولمْ يَلْقَ تُرْبَة
تَمَسَّحَ بالمِصْبَاحِ في لحظةِ الزُّلْفَى!!ً
.
وصَلَّى صَلَاةً لا انتهاءَ لِوِرْدِها
كَرَحَّالةِ العِرْفَانِ في سَيْرِهِ خَفَّا
.
يُحَرِّكُ في الآفاقِ آياتِ حُلْمِه
فلمْ يَعْرِفِ التَّسْكِينَ يَومًا ولا الوَقْفَا
.
على مَوْقِدِ الذِّكْرَى يُقَلِّبُ مُهْجَة
فيأسَفُ كيفَ الدَّهْرُ أوْسَعَهُ عَسْفَا
.
وكيفَ تَخَلَّى الوقتُ عن لَوْنِ نَبْضِهِ
وأغْفَلَهُ الرَّاوي ، وعن ذكرِهِ أغْفَى
.
لأحرفِهِ الحَمْرَاءِ رَدَّةُ فَعْلِهِا
تلاطمتِ النيرانُ إنْ قالَ: والَهْفَا..
.
من العَالَمِ الأقْصَى اسْتَمَدَّ هُوِيَّةً
وأَوْغَلَ في الأبعادِ؛ كي يرميَ الطَّرْفَا
.
وعاشَ غريبًا غُرْبَةَ الدُّرِّ في الحَصَى
وماجَ على الدُّنْيَا بإشعاعِهِ الأصْفَى
.
وكمْ رَوَّضَ الإعصارَ ترويضَ حاذقٍ
وصَيَّرَهُ وردًا شَمَمْنَا به العَرْفَا
.
مراياهُ في (بغدادَ) موصولةُ الهوى
بأخرى له في (الخَطِّ) فَتَّانَةِ المَرْفَى
.
حوى سرَّ (وادي عَبْقَرٍ) في فؤادِهِ
وما الشِّعْرُ إلا صُورَةُ العَالَمِ الأخْفَى
.
أميرُ القوافي.. حَسْبُ عينيهِ رفعة
إذا ما أتتْ كلُّ القوافي لهُ لَهْفَىً
.
مُحَيَّاهُ رَمْزُ الأرْيَحِيَّاتِ والنَّدى
متى غابَ نصفُ البدرِ أعْطَى لهُ نِصْفَا
.
قصائدُهُ / الأشجارُ في رَوْضَةِ العُلَا
فَجَاوِزْ لها الأبْرَاجَ؛ كي تعرفَ القَطْفَا
.
يُؤاخيهِ عن يمناهُ مستقبلُ المُنَى
وماضيهِ عن يسراهُ بالعذبِ ماجفّا
.
هُوَ الشَّاعرُ الكونيُّ.. ما إنْ تَحَرَّكَتْ
أناملُهُ إلا وجَفْنُ السَّمَا رَفَّا
.
وساعي بريدِ الشمسِ، يَحْمِلُ في الحَشَا
رسائلَهُ حتَّى يُنَاوِلَها الكَهْفَا
.
يؤنْسِنُ أبياتَ القصيدِ بجودِهِ
فيُهْدِي لها عينًا.. ويُهْدِي لها كَفَّا
.
منارُ (العُيونيينَ) فعلًا وحكمةً
وأنضجُهُمْ فكرًا، وأنبلُهُمْ لُطْفَا
.
“وظلمُ ذوي القربى أشدُّ مضاضةً”
فكم ذاقَ من أهليهِ كأسَ الأسَى صِرْفَا
.
فصُودِرَ منهُ الضوءَ، واقتيدَ رأيُهُ
وقيدُ الدُّجَى في معصميهِ قدِ الْتَفَّا
.
ولكنَّ روحًا بينَ جنبيهِ حُرَّةً
تَمَتْرَسَ فيها الوَعْيُ، لم ترهبِ القَصْفَا
.
جَوَارِحُهُ أصْغَتْ إلى ظلِّ طائر
ليتركَ أصداءَ انْكِسَارَاتِهِ خَلْفَا
.
وطافَ طوافَ (السِّنْدِبَادِ) على المَدَى
وهَاجَرَ نَحْوَ المَجْدِ يَسْتَعْذِبُ الكَشْفَا
.
وقدْ كانَ يا ماكانَ.. لاشيءَ عِنْدَهُ
سوى الأَمَلِ الرَّيَّانِ يهوى له رَشْفَا
.
قَضَى عُمْرَهُ في لُجَّةِ الحَقِّ كادِحًا
ولا تسألوني عَنْهُ: كمْ عاشَ بلْ كيفَا ؟
.
تُؤولُهُ الأذْهَانُ حتَّى تَعَطَّلَتْ
وفي لوحةِ التكوينِ كمْ أتعبَ الوَصْفَا !
.
بداخِلِهِ سرُّ الوثائقِ ينطوي
فكمْ كانَ في أضْلَاعِهِ يَكْتُبُ الصَّحْفَا !
.
وظلَّ معَ التَّاريخِ شَاهِدَ عَصْرِهِ
بعينٍ رَأَتْ مِنْ حَوْلِهَا النَّزْعَ والحَتْفَا
.
.
تَقَاسَمَهُ النَّاسُ اختلافًا وفُرْقَةً
فَكَلٌّ على معناهُ من جوفِهِ أضْفَى
.
ولكنَّهُ الإنسانُ في كلِّ حالة
ألمْ تَرَ قوسَ اللهِ يحتضنُ الطَّيْفَا ؟!
.
سلامًا على (ابنِ القريتينِ) إذا انتمى
وأشْعَلَ آفاقَ الدُّنَا كُلَّهَا عَزْفَا
.
تَصَوَّفَ بالغَيْمَاتِ حتَّى إذا هَمَى
سقى الأرضَ تَحْنَانًا وأتْرَعَهَا عَطْفَا
.
إذا افْتُقِدَتْ لـ (ابنِ المُقَرَّبِ) سيرةٌ
كما اللغة الفُصْحَى إذا افْتَقَدَتْ حَرْفَا
.
كأنَّ هُنَا (تَمُّوزَ) غابَ ولمْ يَعُدْ
فكانَ على (عِشْتَارَ) أنْ تَذْرِفَ النَّزْفَا

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com