بيت الحكمة.. خدع عبدالكريم آل زرع.. فانخدع…! استدرجه إلى المشاركة بالشعر.. ليصنع له حفل تكريم خاص
القديح: صُبرة، تصوير: أحمد حبيب
قبيل فقرتين من نهاية الحفل؛ طُلب إليه أن يجلس إلى جانب منصّة المتحدثين. صعدها، وجلس على أحد كرسيّيها، بمعية طفله الصغير “محمد”. ثم أدلى بتصريح معناه “لم يقولوا لي إنه حفل تكريم.. طلبوا مني أن ألقي بعض الشعر، فجئت”. مرّت موجة خفيفة من الضحك وسط الجمهور، لتنكسر رتابة الحفل، ويتحوّل إلى ما يُشبه المسامرة العفوية، بين الشاعر الشيخ عبدالكريم آل زرع، وجمهور “بيت الحكمة” الذي نظم الفعّالية وشاركه منتدى الغدير الثقافي، ومنتدى الكوثر، ومنتدى ابن المقرب بالدمام، ومؤسسة موكب أهل البيت.
هذا بعض ما حدث مساء البارحة في القديح، إذ يبدو أن “بيت الحكمة” الذي يُديره الشيخ علي الفرج، أراد أن يعمل بمقولة عبدالباقي العُمري “إن الكريم إذا خادعته انخدعا”، فخدع “الشيخ عبدالكريم”، باستدراجه إلى “إلقاء الشعر”، وحين دخل مقرّ المكان؛ وجد نفسه “مُكرَّماً”…!
تبدو حيلة “آخوندية” بامتياز، تقوم على ما يُشبه التورية. أن تقول للرجل قولاً، وأنت تقصد قولاً آخر، دون أن تكذب. وهذا ما أكّده الشيخ علي الفرج بلسانه لـ “صُبرة”، اليوم، إذ قال “إننا لو دعوناه إلى حفل تكريم خاصٍّ به؛ لما وافق. لذلك قلنا له إنها دعوة إلى إلقاء الشعر، ضمن فقرات أخرى”. وحين وصل إلى مقر الحفل، وجلس، وجد نفسه هو الشخصية الوحيدة المحتفى بها في الفعّالية، وأن الفقرات الأخرى لم تتحدث إلا عنه، شعراً وكلمات.
قدّم الحفل الشاعر علي مكي الشيخ والخطيب علي المطاوعة، وشارك فيه فريد النمر، وشفيق العبادي، وحبيب محمود، وياسر الغيب، والسيد أحمد الماجد، ومحمد عبدالجليل الجنبي، وعلي البحراني، والسيد هاشم الشخص. وتنوعت المشاركات بين قصائد وكلمات.
وفيما يلي بعض مشاركات الحفل:
تجذرت كالنبع |
فريد النمر |
تجذرت كالنبع حيث الأماكن تحفل بالشمس
والحقيقة أبعد من بوصلةٍ توسم الشعر
بعين الصباح
متغلغلا في صبوة الضوء
تذرع المسافة نحو النهم السماوي
تحمل الصحو على خيل الأكاليل
الجميلة للرياح
وأنت تجترح المعنى
كان نبضك الحرف الذي يسري
في وريد المرايا حال انكشاف الماء
على الماء القراح
ها أنت آنسك الوقت كالعناقيد الجريحة
عن زحمة الألقاب
كالعطش المدلى على الشفة الولهى
كاللغات الصحاح
ها هنا يكتبك الشعر عرّافا للقصيدة
وهي تجمع أشتات المريدين لتطير أبعد مما تشاء الحقيقة
في صوتها النبوي في الجمل الفصاح
الشاعر الشيخ عبد الكريم آل زرع نقش في ذاكرة الشعر الولائي والحسيني
قراءة ثقافية وإضمامة أدبية مقتضبة حول شعر الشيخ عبد الكريم آل زرع
بقلم: فريد عبد الله النمر
مقدمة
في عجالة سريعة أقف في حضرة الشعر الفارع الذي علمنا نقش تلاوة الحروف وتهجأة الكلمات الشعرية الخاصة من هرمها الفذ وقاموسها النصع الذي ينضج الكلمات ويقولبها في ذات المعنى لتكون فراشة تحط على ضفة الولاء النقي محاولة أن تكتمل مع بعديها الروحي والعقدي معا
من سيرة الجمال أحاول ان افرد للضوء مساحته المتسعة احيانا والمتعرجة في احيان أخرى كي ألج من كوة القصيدة نحو فضاء يشاطئ برزخها في عالمها اللغوي والفني لتكون القصيدة مشاعة حد تبادل اللحظات المتوهجة فيها وهي تهمس لكل شيء تعلق فيه
فليس يخفى على الكثير ما للقصيدة الملتزمة والصادقة من أثر ساحر يجنح بكلا نظاميه العروضي واللغوي من تظافر معنى شعري يرتب في وجداننا الفوضى المتكدسة حد التيه والغرق
فالكلمة الشاعرة بعنوانها الأسمى هي ما كهربته العاطفة الجياشة وما مغنطته الحواس في كيمياء اللغة في جميع مساراتها الحياتية والروحية سواء في توظيفها ومسارها الإيدلوجي أو لكونها افرازا روحيا جماليا أو عقديا تغلب عليه الفنية الجمالية أوترسو به الرسالية في دورق واحد دون ان يطغى بعضها على بعض فالقصيدة سكرة القلب ونوافذ الروح وقلم العقل لا تقطع من شجرة الجمال حتى يكتمل وتنضج كفاهكة تصبغها اللذة وتعانقها النشوة.
الرؤية الشعرية عند الشاعر الشيخ الزرع
عند قراءتك لنصوص الشاعر الشيخ آل زرع لاتحيد في رؤيتك الشعرية عن كونه شعرا تصويريا وفنيا ذا علاقة لحالة شعورية عارمة مكتنزة بالموهبة الشعرية وذا بداهة وفطرة تعبيرية هائلة في توليد الفكرة والصورة بلغة جزلة وعفوية تنحدر من عقلية مليئة بالشعر كذاكرة ومنسجمة مع الذائقة الجمالية من جهة والموروث الشعري الكبير , ومن جهة أخرى متكئة في ذاتها على الصدق العاطفي التي تختزنه الرؤية الحياتية بواقعها الإنتمائي والإعتقادي وهي سمة دقيقة تتميز بالمآلفة بين الكلية الجمالية والإبداعية واللغوية والألفاظ كهندسة فريدة يتلقاها المتلقي بما تحتمل من ثقافة وأفكار وبتقبل بديع لا يحتاج لمواربة في التأمل والتدقيق في هضم شاعرية القصيدة ولغتها وأفكارها التصويرية السهلة والممتنعة كما تمثل في قصيدته( كيان الولاء الشيعي):حيث يقول
رفَّ في مُهجتي الولاءُ وصفَّا وعلى مقلتيَّ ..حبيَ أغفا
قدُسيا بعالم الملكوت الطاف بالعرش في مدى النور طوفا
وهناك استراح خدُّ نشيدي حيثُ تحلو ترتيلةُ العرشِ صُحفا
ومثالي في العشق حام مليِّاً باسطاً في جداول الغيب كفَّا
فمن الملاحظ أن الأثر الذي يبقيه النص في الذاكرة الشعرية الولائية عند الشيخ ال زرع يبقى فاقع اللون والجرس لأمد طويل بما يحمله من تفاعل روحي ووجداني ومعرفي وعقدي في آن واحد وهذا الأثر تراه في الشعر الرصين عند السيدين الحليين خاصة والمنهج النجفي عموما
فالمضامين الكبيرة التي تجسدها القصيدة عند الشيخ معتمدة في جل مقواماتها على بعد لغوي حصين وبعد مروي جلي وبعد تربوي إنقاد الشاعر لثالوثيته كوظيفة شعرية يقدح منهما عنفوان القصيدة كمرآة تعكس صفائها ففي قصيدته (المبتدأ والخبر) ترى شفافية هذا المعنى بجلاء
تبسم الكون جذلاناً به البصرُ وانشق جهل الدجى واسّاطع القمرُ
تبختر الورد مزهوا على فنن مذ شف عبقَ النبيِّ الورد والزهر
وماست الانجم الولهى به طرباً كأنها خرّدٌ في جيدها دررُ
علّقن صورته درا وهمن بها على القلائد من لثم السهى أثرُ
وانطلاقا من هذا المعنى نصنف شعر الشيخ إلى حالتين شعوريتين هما: الحالة الشعورية الداخلية والحالة الشعورية الخارجية
فالأولى هي قصيدة فطرية متكأة على حوار الداخل للداخل تكون مخاطبة للذات عبر إنسانها القيمي يتمثل فيها القلب والروح كراوٍ ثاني بين الأنا والعمق الوجداني ويكاد يكون الشاعر فيها مصبوغا بصبغة المناجاة والحديث القلبي الذاتي مع التزامه بدفقاته الشعرية وعلو اللغة فيها ونجاعة التركيب اللفظي المؤدي لنمو القصيدة في صداها كبصمة شعرية خاصة وهذا يتجلى بقصيدته (الرحمة الكبرى)
تفيض بصدري من معانيك أبحر فتنساب شعراً في مديحك يزهر
وتحلو على ثغري الحروف فمصدري ينابيع من ذاك الولاء تفجر
نمير نبي الله والخلد طعمه هناك بعليِّن حيث يقدر
فيخفق مابين المعاني وجيبه على خفقان الوحي ساعة يصدر
ويسري على عينيه عن كل مشهد بألوانه الأحلى شريط مصور
من النور والآيات وحي محمد بقلبي وقلب المخبتين مسطر
غدير علي وهو أعذب ماجرى بثغري وصدري ماحييت يثرثر
شهي كطعم العرش نخب قداسة جداوله الأضلاع وهو معطر
*وأيضا في قصيدته (كيان الولاء الشيعي)
أنا نبع الهدى وعين حياة طاب من ذاق من زلاليَ رشفا
أنا لاأستطيعُ وصف كيانٍ كان فوق الخيال معنىً ووصفا
أنا آثارُ أحمدٍ في صباه يستحثُّ المدى لوعدٍ يوفَّى
ومناجاته في غار حراء ذاب في وهجها الغرامُ المصفّى
وأنا عشقه البتوليُّ حين الــوجدِ يشتارهُ الرسولُ فيشفى
أما الحالة الأخرى فهي غالبا ما يخاطب به الآخر من نفس المكون الحياتي والعقدي والثقافي أو الآخر الآخر البعيد وهنا تغلب على القصيدة تعدد الطرح المفهومي والخطابي المغلف بالشاعرية الفارعة في تقديم القصيدة على مائدة الجمال شارحة للتجربة الإنسانية كقيمة أو مبدأ مصدرة لتعالق خاص تتجلى من ملامحها المسافة في القرب والبعد التكويني بالخالق تارة وبالأرباب العقديين المتمثلين بالنبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام كقيمة مقدسة عليا وهذه الحالة تطفو في قصيدته (يثرب)
قف حيث يثرب واستمطر بها الأسفا ولمَّ أشلائها نجوى ومعتكفا
قف خاشع القلب واستنطق بها رسما لازال فيض سناها يرهب السدفا
ياقلب لملم دوي الليل كم كبد ذابت وكم مدمع في جوفه ذرفا
ياقلب واجمع شفاها فيه قد رُسمت فيها التراتيل واحتارت بها كلفا
وناشد الأي عن مزماره أذوى أم غاله صخب للصم فالتحفا
وسل بها أرضها عن عذب موسقة لقعقعات الخميس الحر إذ زحفا
*وأيضا في قصيدة له بعنوان الشافعة يقول
يكفي العتاب ألست تدري فيمن أصوغ جميل شعري
شـعري الذي غذيته روحـي به بسنـاه تسري
وحـروفه سـطرتها من مهجتي وخبيء صدري
قدسته بـدم الـهوى في فاطـم ودماي حبري
ورسـمت فيه روائعا مـن ريـشة بصفاء فكري
أبحرت في بحر الولا بهـواي وقت طلوع فجري
وسفينتي حبي وصا ريها اليقين عليه تجري
واعادة لتقييم مثل هذه الأعمال يحتاج القارئ لتتبع دقيق ومسئول بين أن تقرأ لمروية أو تاريخ أو تجربة ما في قالب شعري وبين أن تقرأ لقصيدة شعرية تشير لتجربة انسانية أو تاريخ أو مروية
ولكي أكون أمينا فإني وجدت الشيخ في التزامه الفني والشعري هو أقرب لراو شعري يجهد نفسه في صقل الجملة الشعرية بالجمال اللفظي والدلالي واللساني في لغة عذبة غير منفرة تعبر بتعبيرها الشعري نحو الصورة المبتغاة بسلاسة وعذوبة تشيء بالقصيدة دون الاخلال بمفهومها محافظة على جذوة الشعر فيها ودفقتها الشعورية العالية مشيرة للقصدية في نواحيها العامة والخاصة
هنا في قصيدته (دمعة من ساق العرش) تسمو اللغة والشاعرية على المروي
أَ ليلةَ عاشوراءَ يا حلَكــاً شَبَّــا * جَنينُكِ أدرى من نهارِك ما خبّــا
وما خبّأَ الآتي صهاريـجُ أدهُــرٍ * بساعَاتِه قد صَبَّ صاليَها صبّــا
بساعاتِ ليلٍ صرَّم الوجـدُ حينَهـا * يُناغي بها الولهانُ معشوقَهُ حُبّــا
وتنقسم القصائد عند الشيخ آل زرع إلى ستة متجهات قصدية هي:
1. قصيدة المضمون متكأة على الخيال والقيمة
2. قصيدة المعاناة تجربة انسانية مكتنزة بالقيمة
3. قصيدة الدافع معتمدة على التصوير والتشويق
4. قصيدة المعالجة معتمدة على نقض الأفكار
5. قصيدة الشخصية معتمدة على ابراز الشخصية بخصوصيتها
6. وقصيدة الذات المعنوية
سمات الشيخ الشعرية
1. استخدام اللغة الفصحى البسيطة والمعاصرة كمفردة بتركيز عالي للدلالة ووضوح معناها وتزويجها بمفردات لغوية صعبة وأصيلة تدعم المعنى ويسهل استيعابها كما جاء في قصيدة (صورة من فاطمة)
شعّت ببيت عليٍّ زينب الكبرى كأنها صورة من فاطم الزهرا
حسنٌ ولطفٌ وإيمان بعنصرها حوت صفات جميع الأنبيا طرا
ختامها بسملات الوحي أجمعها من روح أحمد تذكي دهرها نشرا
2. التنويع في الأسلوب البلاغي والتصويري في القصيدة الواحدة لخدمة النص والنهوض به في سلاسة خاصة وبسيطة
وَ طُفْ على الخلدِ حيثُ النايُ منتظرٌ أناملاً تُسْكرُ الأوتارَ والنغما
فاعزفْ عليهِ مقاما كنْتَ تعزفُهُ لَثْما لأشهى إهابٍ فاتنٍ لُثما
بِجمرِها شفتاكَ العشق تبدعُه لَحْنا يفيضُ بسودا القلبِ مضطرما
3. زيادة المخيال التصويري للتجنيح بالشعور لصالح الحالة الشعرية والشعورية وتغليبها
قد كحل الحسن أبواب السماء لقا تنجاب عن مقلة يسري بها الحوَر
وتنطوي في دجى أهدابها فتنٌ للسحر في موجه الداجي وتنستر
لولا الحيا انفلق الكون العظيم بها وانشق من نظرةٍ من عينه القمر
4. الإلتزام التام والدقيق لغويا وعروضيا كنظامين مؤسسين للقصيدة الفراهيدية
5. الالتزام بفن القافية ومسوغاتها كما جاء في اللزوميات
6. الحفاظ على وحدة القصيدة ومبناها العام وموضوعاتها كما جاء في قصيدة (يثرب)
7. التناص المفضي للترسيخ الجملة الشعرية من الموروث الخاص كحلقة وصل واتصال لغوي ودلالي (ليلة الإسراء)
جنى بآفاق السديم الأبعد في ليلة الإسراء نور محمد
جاب العوالم لحظة المعراج إذ حطت له الدنيا بعين أو يد
للمنتهى بلغ النبيُّ بجسمه وأتى ودفءفراشه لم يبرد
8. إفراد الصورة الشاعرية الأنصع لعتبة النص كمدخل للقصيدة
بشراك ذكرى بها يستعذب القدر وتستفيق على انغامها البشر
(ذو الفقار)
فكري وشعري والقلم كلي أنا روحٌ وفم
أرجو أن تكون هذه الإضمامة وهذه اللمحة قد وفقت في أن تكون أضافت لقراءة الشيخ ولو بشكل بسيط عن المنهج والاسلوبي الكتابي والتعبير الشعري.
الشاعر |
شفيق العبادي |
لا تلتفت (كالنبع) سر نحو المصب وقف متى عثر الطريق بهم هناك
في مطلع الأشياء ثمة بركة للضوء مشرعة الجهات فخد لوجهتك الأخيرة
بعض حيرتها ولا تسرف لئلا يعتريك بها يقين الحائرين فلا تراك
يكفيك من غيم القصيدة زخة المعنى تبل بها غليل الشعر
كي تلد الحروف معينها
وتفض أبكار المجاز مجاز رحلتك التي ابتدأت بأطراف الحكاية
حين باكرك الغناء ولم يكن في العود من وتر سواك
فشرعت ترتيل الصباح وخلف شمسك ألف قبرة تردد من وراك
ما انتاب ظلك من صهيل الوجد فاشتاطت بك الصهوات
حتى لم يعد شوط هنالك يحتويك
ولم يعد في الناي من لحن يكفكف ما اعتراك
ما ثم غير شواطئ الريح التي احتضنت شراعك في مهب الحرف
تشرعها نوافد من بنات الصبح لا تربت يداك
يا ضاربا في السرد صحراء الحكاية من هنا ابتدأت
ومنك قوافل الكلمات تسكنها خطاك
وتشد نورسها بحنجرة الزمان يعيد دوزنة الشواطئ مرة أخرى وأخرى
كلما ضاقت بموسيقاه أوتار المرافئ راح يغرف من صداك
ما تيسر من كرمة الشعراء |
ياسر آل غريب |
دنوتَ فلا شرقا تميلُ ، ولا غربا
ولم تلتمسْ إلا ( المودةَ في القربى )
إذا ما كتبتَ الشِّعرَ ، فانظرْ إلى العلا
تضيفُ سماءُ اللهِ في صدرِها شُهْبا
حملتَ المرايا منذ خمسين نجمةً
كما ( دِعبلٍ ) يمشي وينتظرُ الصَّلْبَا
وروحُكَ روحُ الغيث ؛ أنى توجهتْ
سحائبُهُ من بشرياتِ النَّدى صَبَّا
سريت إلى المعنى ، وفِي كل رحلة
( فعولن مفاعيلن ..) ؛ لكي تزن الدربا
وسافرت في ( البحر الطويل ) إلى المدى
لتحصد من أعماقه اللؤلؤ الرطبا
كأن ( الفراهيدي ) أوصاك راجيا
فوفيت لم تهجر ( عروضا ) ولا ( ضربا )
تجودُ على كل التفاعيلِ رأفةً
فتفعيلة ظمأى ، وتفعيلة سغبى
وما الشِّعر في عينيك إلا رسالةٌ
كما قربة ( العباس ) مملوءة خصبا
وما الشِّعر إلا نفح أنفاسك التي
تموسقها طيرا ، وتطلقها سربا
سلاما على ( تاروت ) يوم تمخَّضَتْ
وأهدتك للأكوانِ موَّالها العذبا
نحبك يا ( عبدَالكريم ) تجلةً
وأروعُ مافي الحب أن نجهلَ الحبا
وما أنتَ إلا نحن في كل حالةٍ
فإن كُنتَ فينا العين كنا لك الهدبا
تحث الخطا في شارع ( السدرةِ ) الذي
يقلك حيثُ الضوءُ يخترقُ الحجبا
فيا حاديا ما انفك يحدو طماحه
أرح عند شباك السنا ذلك الركبا
تباركت من ( زرع ) نما فيض جوده
إذا ما شعاع الشمس يعتنق التربا
عقدت بإنسانية نية الهوى
وأحرمت مشتاقا إلى ربه لبى
فألفيت عند الكعبة السرَّ طائفا
ولاقيت بين المروتين المدى الرحبا
تغنيت باسم الله حتى تموجدت
شفافية النجوى التي تعشق الربا
بتوقيتك المائي ينسابُ موعد
تزيح به عنا التصحر والجدبا
تشعشت أيام ( الغدير ) بنخبة
ومازلت تسقي منتدى ( الكوثر ) النخبا
كثيرون جدا من يخطون أحرفا
مغلفة فوضى ومحشوة كذبا
ولكن حبرا بين جنبيك مودعا
همى صادقا يروي بأحلامنا العشبا
وأنت الذي صغت القصيد بفطرة
تؤنسنه ذاتا وتمنحه قلبا
صنعت من الأضلاع قيثارة الجوى
وأسرجت لحنا في جوانحنا شبَّا
لذاتك مرأى الشمعدان ، كم احتوى
شموعا من الذكرى ، تضيء بها العقبى
لأنك تهوى الفاتحين حقائقا
رأيناك بالعرفان تستخرج اللبا
تروح على رجع الضمير وتغتدي
فترضى بما يرضى وتأبى الذي يأبى
شفاءيك ، إن تتعب خطاك من السرى
فكل نخيل ( الخط ) مجهدة تعبى
محاولة مسربة |
علي مكي الشيخ |
سأعبر وجهي..
ولن أبرحك
أغافل
موتي
لكي ألمحك..
أهندم أزرار
لون المدى
وأرتشف الظل مذ أرجحك
كفاصلة..
في مرايا المجاز
تحاول بالمحو أن تقدحك
تعال..
بحجم انكسار الصدى..
وقل للقصيدة
أن تجرحك
تراودك الريح
عن نفسها..!!
وعنقود إغرائها سرحك
تنفست أسبابها
عاريا..
سوى من فم كاد..
أن يفضحك
سأقترح الآن..
موت الكلام..
وأندس في الصمت
كي أشرحك
***
حاولت.. لكن موتي
فجأة صمتا..
وقبل أن…
فوق تعري نسجه نبتا
على أصابعه..
كالنقش يسرقه
دلوا..على بعد بئر
حبله انفلتا
يسير..
هدهده المذبوح
كان..معي
وقال لي عن غياب
قبله..نحتا
حاولت..
رغم انزياحي..
رأب ذاكرتي..بالمستحيل
فبش الضوء
والتفتا
وقال قولا..
على أطرافه سهر
من ليلتين غزاها الوهم
فارتوتا
كن الدليل..لألحان
مسربة..
فإن عينيك..نحو الرقص
لوحتا
تمثال كأنَّ |
سيد أحمد الماجد |
عبد الكريم الزرع مشروع “كأن” لبناء تمثالها
اكشف صبايا اللونِ واستر جدوله
فعساك تقنعها بغرفِ الأسئلة
ويكفُّ شلالٌ عن النحوِ القديمِ
مُسَرِّبًا للجاذبية مِقصلة
وقفتْ ولاداتٌ تقول هنا أقيم
العرسُ للمعنى وأسسَ مَنزلَه
وكناية الحجَرِ التي هرَّبتَها
للحِسِّ شادتْ معبدا للأمثلة
والأنجمُ الأخرى تقولُ استرجَلَتْ
فبدوتَ، لكن أنجمًا مسترجِلة!
تستجمعُ الأنواءُ وجهكَ شهقةً
لتردَّ للنفسِ العميق تأمُّله
رمقٌ يضيف لآخَرَينِ سقوطَهُ
من كل شيءٍ بالدلالة أذهله
يا حاديَ الآتين من عَرَقِ الخيال
لجبهة الأعماق يفرغُ محملَه
قممٌ شهيقك هل تكون رئاتها
إلا أحاديثَ الجبالِ المثقلة
أودعتَ ثوبَ المستحيلِ خزانةً
ولبست آخِرَ آنَ أنْ تستبدِله
ما زلت تمتحنُ الغزالة بابتداعِ
العشب من لغةٍ، تهيمُ لتأكله
وتواعدُ الماضي بأحدث نزهةٍ
غربَ الصدى شرقَ المعاني المهملة
الشعرُ يقبلُ أن تكون هديةً
لفتاتِهِ العذراء حبلى الأخيلة
شَرَفِ السؤالِ وفخرِ أحسابِ الرؤى
فافتح صناديقَ السنين المقفلة
سأعيد عدك لا بطياتِ السنين
وإنما بغدٍ طوى مستقبله
يا واقفا بين الرماد وجمره
متوسطا ثغرَ الشعاع ومَحفله
لك شمعةٌ ضلت طريق فتيلها
إذ آنستْ رجلا وغبتَ لتشعله
هيَ رغبة الكلمات أن تغدو لها
قدَرًا يناورُ، لا يطاوعُ أرجلَه
ثقةً بأن الريح أقدمُ من روى
حدثتها بفم تواتر سنبلة
نحتَتْ (كأنَّ) خطاك خامَ قيامةٍ
نُصبًا لذاكرةٍ تُعمِّدُ مرحلة
النابغونَ كما السرابِ توقفوا
طيفًا لتعبرَ ريشةً وتشيرَ له
وعيًا بأنك آخرُ الآياتِ
والإيحاءُ بعثرَ ما استطاعَ وسجله
وعيًا بأن نبوءةً من لوحها
ستفيقُ ما بين الكناية والصلة
خذها ضلالة صورةٍ مقلوبةٍ
لشتاتها شدت رحالَ البوصلة
شُرَفٌ بغيبك علقتْ أستارَها
لتراك من عرى البعيد وزمله
خذني على شفتَي حضورِك غِيبة
فأنا وأنت الكون يَسمع أوله
يا أنت كالأسماء كالألقاب كالصور
استعارت ظنها لتؤوله
خذ كل قافية إلى ميلادها
وأغرْ على ما قيل حتى تقتله
وامسح على المصباح واخرج شاعرا
من لمحِه يلقي المرايا القنبلة
الراحلون وأنت عدت قصيدةً
آبوا لتابوتِ المجاز لتنخله
سيغيب طرفُ الوقت عن ساعاته
عمرٌ أضل العقربين فأشغله
الشمسُ وهي تشيخُ تكمنُ طفلةً
بيديك تخفيها فتركضُ مقبلة
يا سيدي الخيَّالُ فوق قصيدتي
أثرٌ لفارسها يسابق أجمله
ما أفلتَ المضمار إلا من دمي
وأنا أصبُّ الوعي حتى أغسله
وأقربُ الشريانَ للغةِ التي
صارت عروقًا للجهاتِ المرسلة
مستقبلُ الأوراقِ أن قصيدةً
يتشابهُ القيثارُ فيها والوله
نجواك، يا أغنى لسانٍ بالحروف
يمر يشبع صورةً متسولة
ويخال لي عيسى القصيدة يعجن
العدمَ الشحيحَ لألف ألف قرنفلة
شطران إنسانان ثم يحين عرس
الرمز أنبل ما يكونُ وأمثله
ويكونُ أنك خلف نافذة الصدى
والكونُ لا يخفي عليك تطفله
يا هيبة القاموسِ متكئا على
الألفاظ، أولمَ للبديعِ ودلله
عبدَ الكريم وتلك أسنح فرصة
للماوراء لكي أعيدَ تنزُّله
عبدَ الكريم ولم أعد من غارِ
أنفاسي، فلاسمك مبعثان وبسملة
ويداك أنصعُ غربتين هما هنا
وهناك، إن الشعر يعرفُ فيصله
لك أن تكون حمامةً ولك الخيارُ
لأن تعود مجرةً مستعجَلة
ولنا بأن نلقي الدواوين الرخيصة
عند رسمك لمسةً متوسِّلة
غمضاك مقياسُ المسافةِ والمسافة
بؤبؤٌ سهر المسيرُ فأجله
اكتب فما كان التألق شاغرا
لسواك أو قل إن حجمك قلله
قف كي يراك المستحيلُ ويخبر
الكلمات أن شرود ظبيك أمهله
لك أن تصيرَ الكوكبَ الأنأى
وللأرصادِ أن لا تستطيع فتجهله
البحرُ يضحكُ، ما تنفس مرفأٌ
فبأي مجداف تداعب أطوله؟
غميضةٌ وتريةٌ وصداكَ ينكُتُ
في الفراغ عن الغناءِ ليصقلَه
لك من فَتاةِ الأبجدية عرقُها
مستوطنًا عصَبَ البيانِ ومِفصله
يا هادرا فوق المنصة ما يخبؤه
العزوفُ كأن غيبا بلله
ويقال إن قصاصةَ الأبد استراحت
تحت رسمك لوحةً متسللة
وصفَتْك للنرد احتمالاتٌ فأفلتَ
فنه رَجُلا وأفلتَ أرجله
والليل مل من التثاؤب فافترع
يا ناسكًا أحلامَه وتبتُّله
عندي مفاتيحٌ فأوصدْ فكرةَ الأبوابَ،
حولَ العقلِ كي تستعملِه
لك ألفُ ميقاتٍ هنا حجُّ الذرى
وبكلِّ شبرٍ كعبةٌ متوغلة
خذ زرقة وافلل خيوط سمائها
وامدد إلى ثوبِ الحقيقةِ مغزله
هيا انتشلنا من ضحالةِ قُعرِنا
لتغوصَ في عمقِ الدوائر منقلة
يا فكرةَ الأكوابِ عن إبريقها الكوني
أنكرهُ الوجودُ وعَلَّله
تتمخضُ الأنظارُ تولدُ صورةٌ
وتفرُّ من لمسٍ يراهنُ مَخمَله
لوِّح بعصفكَ كي تبوءَ غلالنا
للريحِ كم جهةٍ هناكَ معطلة
في النصِّ ضع سيارةً وشوارعًا
فبكل لفظٍ وقفةٌ متنقلة
فقد المجازُ سجاله فقد اتجاهكَ
مذ توسط غيبَه وتمثُّله
سقط العقالُ وصارَ يشبه شيخَه
هذا المجازُ وصار يشبه أجزله
أحلامُ شِعركَ لفظتانِ وشاعرٌ
بغيابِهِ اختصرَ الحضورَ وفصَّله
حذرا أبادلك السرابَ متى تفرسَ
في سرابٍ تُرجمانُكَ أبطله
عندي كلامُ الله عندي غيمةٌ
فاجلُ البعيدَ على وعاءِ الأُنملة
دعني من الأبعاد دع لي ثغرةً
ما زال لصُّ الوصف يجهلُ مَدخله
تحت الكساء رواية لم تكتمل
فهناك فعلُ صدىً يشاغبُ أفعَله
ولأنك السندُ المؤجل صائغًا
للمعدن الغيبي أصبح سلسلة
وأنا على البيت الأخيرِ مرابطٌ
بثغور خصبٍ كم يباغتُ منجله
وسأخبر القنديل ساعةَ نفيهِ
أن الرياحَ قصيدةٌ متجولة
سرٌّ سأودِعُه قنوتَ نبيةٍ
ستصير مقلتُها غطاءً لي وله
حلمًا سأغمض نجمتين وللدجى
أن يرصد الضوء الشقي ويكحله