[مواهب] هاشم الغاوي.. أكبر من طفل.. أكثر من قاريء أمير القراءة بدأ بالقرآن.. ويتابع الروايات.. ويحلم بأن يكون كاتباً
القطيف: معصومة الزاهر
بين القراءة الحرة، والاطلاع المُثمر، قرر الصغير هاشم عبدالله الغاوي أن يقضي ساعات يومه مع الكتب في كل العلوم والمعارف، وصولاً إلى القصص والروايات، يُبحر بين صفحاتها، ويستزيد من أسرارها، رافضاً أن يهدر وقته فيما لا يفيد كما يفعل عالبية الأطفال.
حب هاشم للقراءة تجاوز كل الحدود برغبة صادقة منه، واقتناع بأن للقراءة متعة كبيرة وعظيمة، لا ينبغي تفويتها مهما كانت الظروف، إلى أن آمن بأن ما يختبئ خلف سطور الكتب من جمال، لا تدركه العيون بل تبصره العقول وتألفه الأرواح.. وتتجسد أحلام الفتي الصغير اليوم، في الاشتراك في مسابقة “تحدي القراءة”، والفوز بأحد المراكز المتقدمة فيها، وأن يصبح كاتباً وروائياً، ومثله الأعلى الدكتور نبيل فاروق.
الابن البكر
ولد هاشم عام ١٤٣٣ وهو الابن البكر لوالديه، وأثرت بيئته التربوية المحيطة به في تنشئته على العادات الجميلة، فكان والداه قارئين شغوفين بمطالعة الكتب واقتنائها، وكانا يبحثان عن كل ما هو جديد في الكتب ويلاحقانها في المعارض وعلى أرفف المكتبات، فتأثر الصغير بهما، وسار على ضربهما.
البداية كانت في سن الثالثة، عندما ربط هاشم الأحرف العربية ببعضها، رغم أنه لم يتلق أي دروس تعليمية آنذاك، فحرص والده على تعليمه مبكراً، وصقل مواهبه الغضة، عبر حثه على قراءة القرآن الكريم، وتشجيعه على حفظ سوره، وكان لهذا الأمر تأثيره الكبير في ارتباطه الوثيق بعالم القراءة، ومن هنا انطلق هاشم في عالم المعرفة.
في سن الرابعة، التحق بالروضة الإعدادية، ونبغ بين أقرانه، ووصل هذا النبوغ إلى إدارة الروضة، ما دفعها لتكريمه ببعض الجوائز، وتوج بلقب “أمير القراءة”.
وانطلقت رحلته الحقيقية مع القراءة والتجول في عالم القصص القصيرة والكتب المسلية المناسبة لسنه، التي تم توفيرها له في المنزل.
الدقائق والساعات
كان هاشم يعد الدقائق والساعات، متلهفاً لموعد صدور “ماجد” المجلة التي تصدرها شركة أبو ظبي للإعلام كل أربعاء، وتستهدف بها الأطفال، وكانت “ماجد” من أعز المطبوعات لدى هاشم، وتحتل مكانه خاصة في قلبه، فقرر أن يشترك فيها، حتى تصله بانتظام، فيهرول لها مسرعاً، ويختطفها من صندوق الاشتراك الخاص به عند باب منزله، فيتنقل بين مواضيعها الشائقة وحكاياتها المصورة ومعلوماتها المفيدة.
بعد اجتيازه، اختبار موهبة العام الماضي، تم انتقاله إلى مدرسة ضرار بن الأزور بصفوى، لكونها بيئة تعليمية خصبة، تهتم برعاية الموهوبين بشكل أكبر على مستوى القطيف، وأكمل فيها السنة الدراسية الرابعة في المرحلة الابتدائية، منتقلاً من مدرسة البخاري الابتدائية في العوامية، وهناك اهتم به المعلمون وآمنوا بشغفه في القراءة، وتم احتضانه كموهوب وله تجربة فريدة ورائعة مع استاذه عبدالإله الزاهر، بداية من الصف الأول الابتدائي، حين غمره برعايته الكبيرة، فكان عرّابه الأول ووالده الثاني والمقرب إلى قلبه.
الدروس المقررة
اكتشف الزاهر أن حاجة هاشم للمعرفة والاطلاع تتجاوز حدود المناهج الدراسية والكتب المقررة، فأدرك حينها أن اقتصار الطالب على تلقي الدروس المقررة، لن يرضي غروره، كما أنه هو استنزاف لوقته الطويل بين جدران الفصل، وهدر لقدراته وتعطيل لتميزه، وهذا ما دفعه للتعامل معه بشكل خاص، بعد الاتفاق مع قائد المدرسة، ليترك المجال مفتوحًا للطالب أثناء الحصص، يقرأ فيها ما يشاء من كتب معرفية أخرى، كان يستعيرها من مكتبة المدرسة أو كان يجلبها معه من مكتبة المنزل، فيقضي وقته معها دون ملل أو كلل حتى في وقت الفسحة.
إلقاء الشعر
من إحدى ثمرات شغفه بالقراءة واطلاعه المعرفي، كانت طلاقته البارعة في إلقاء الشعر والكلمات بأداء لافت وجميل، اكتسبه بمحض الفطرة، ليشتهر في محطيه المدرسي عريفاً مميزاً ومنشداً للشعر عبر نافذة الإذاعة المدرسية، التي كان يلقي من خلالها بعض القصائد والأشعار من قريحة والده، وكان يحظى على إثرها بإعجاب كبير وتصفيق واسع، وهذا ما دفعه حينها للمشاركة في بعض مسابقات المنطقة في إلقاء الشعر، ومنها مسابقة “الأمير البليغ” السنوية، ولم يتوقف عند هذا الحد، فتعلم بحور الشعر، وحفظ أوزانها والتغني بمفاتيحها بكل خفة وبراعة.
تحدي القراءة
كانت الحماسة والدهشة تفيض من عينيه، بعد مشاهدته لحظات فوز طفل في مثل عمره بالمركز الأول في الحفل الختامي لبرنامج تحدي القراءة العربي في عام سابق، وهي إحدى المبادرات الثقافية الكبيرة التي أطلقها حاكم دبي الأمير محمد بن راشد آل مكتوم قبل سنوات على مستوى الوطن العربي، وتهدف إلى رفع مستوى الوعي في الأجيال القادمة من خلال القراءة، حيث يتقدم لها نخبة من أفضل الطلاب في المدارس بعد مراحل متقدمة من التصفيات بينهم، ما أثار ذلك رغبته العارمة وحماسه الشديد في خوض التجربة في السنوات القادمة كأحد الطموحات التي يسعى لتحقيقها.
الفتى النبيل
وها هو الآن، بعد أن اشتد عوده في بساتين القراءة، وتفرعت أغصانه بين رياض الكتب، فصار هاشم يحلق فوق السطور، ويبحر بين الكلمات، ويتجول بين العناوين، مستمتعاً بكل لحظة تمر عليه، وبين يديه كتاب يشرع فيه بالقراءة لساعات طويلة، يلجأ للاستئناس به كصديق يسعد بصحبته يومياً، ولا يشعر بالملل تجاهه، بل يضطر لاصطحابه معه أحياناً أثناء خروجه من المنزل للنزهة أو أثناء وجوده في السيارة، ووقت السفر كنوع من اقتناص الفرص واستثمار الوقت، حتى وصلت به الحماسة مؤخراً لقراءة رواية “الفتى النبيل” التي تصل صفحاتها لـ٢٥٠ صفحة خلال يوم واحد، معتبرها تجربة ممتعة جديدة، يضيفها كإنجاز آخر من إنجازاته.
مكتبة خاصة
كان من الطبيعي أن يؤسس هاشم لنفسه مكتبة خاصة في أحد أركان غرفته، يملأها بالكتب التي ينتقيها معه والده، أثناء زيارتهما للمكتبات الخاصة الكبرى، متمنياً أن يكون له مكتبة كبيرة، تشبه مكتبة جده الشيخ صادق البحراني الذي تجاوز عدد كتبها الآلاف.
جزيرة الكنز
اليوم تتنوع قراءات هاشم بين مختلف الاتجاهات والمواضيع، كالكتب التاريخية والدينية والأدبية والعلمية، فيتذوقها كما يتذوق مختلف الفواكه اللذيذة، يقرأ ويقرأ حيناً إشباعاً لفضوله الكبير في معرفة أسرار الكون، وما يحويه من عوالم ومعلومات لا تنتهي، وحيناً يستظل تحت كتب الروايات الغربية المترجمة، ليعرف كيف يكتب الغربيون مؤلفاتهم، ولعل آخر رواية مترجمة قرأها هي “جزيرة الكنز” وقبلها “صاحب الظل الطويل” وغيرهما، كما تعلق برويات الرجل المستحيل للدكتور نبيل فاروق – رحمه الله -، ويحلم هاشم أن يكون راوياً بارعاً مثله في يومٍ من الأيام.
توجيه النصائح
ولا ينسى هاشم أن يوجز نصائحه لجميع الأطفال بأن يحبوا القراءة والاطلاع، مؤكداً لهم أن هذه الهواية فيها فوائد كثيرة في إيجاد إنسان مثقف وواعٍ. ومن نصائح هاشم البدء بالقصص القصيرة المصورة قبل النوم، الاشتراك ببعض المجلات الشهرية أو الأسبوعية كمجلة ماجد، وتخصيص مبلغ مالي بسيط من المصروف اليومي لشراء الكتب الجميلة، مرافقة الأبوين للمكتبات أثناء اقتناء الكتب، ومشاركتهم تجربة تصفح واختيار الكتب الجذابة، وأخيراً صنع مكتبة خاصة في المنزل، تكبر معنا مع مرور الأيام والسنوات، والأهم من ذلك تخصيص وقت يومي للقراءة الحرة بحسب حماس القارئ، على أن يزيد هذا الوقت كلما زاد تعلق الطفل بالكتاب.