صوت جميل.. عقل مُعطل

منتظر الشيخ
بخلاف التيار، كتب أحدهم في إحدى وسائل التواصل الاجتماعي، مطالبًا الخطباء باستبدال المواضيع العلمية فوق المنبر الحسيني بمواضيع اجتماعية تلامس حياة الناس اليومية. تغريدة عابرة في ظاهرها، لولا أن صاحبها لا يُعرف عنه متابعة الخطباء المفكرين أو المهتمين بالبحث والمعرفة، بل ينتمي إلى جمهور يهيم بالخطيب ذي الصوت الحزين، والنغمة المؤثرة، والمشهد العاطفي المتقن.
هذا التناقض البسيط يفتح سؤالًا أعمق: ماذا ينتظر الناس من خطيب المنبر الحسيني؟ هل الأصل أن يكون الخطيب ذا مضمون علمي رصين، أم ذا أداء عاطفي مُبكٍ؟ من يصنع الخطيب: علمه أم صوته؟ فكرُه أم جمهوره؟ ما نلاحظه اليوم أن كثيرًا من الخطباء، حتى أولئك الذين تلقّوا تعليمًا حوزويًا، صاروا يستجيبون لتطلعات الجمهور لا لحاجات الفكر.
يعتني أحدهم باللحن المناسب، وبالطبقة الصوتية المؤثرة، وبطريقة سرد القصة المأساوية، أكثر مما يعتني بتركيب الفكرة، أو تحرير الرواية، أو دقة الاستدلال.
بهذا الشكل، يتحول المنبر من وسيلة وعي، إلى عرضٍ مسرحيّ ديني. تُصنع فيه الدموع كما تُصنع المشاعر في أغنية حزينة. ويُقاس نجاح الخطيب بعدد الباكين، لا بعدد المستيقظين.
وهنا لا بد من التوقف أمام دور المؤسسة الدينية. أليست هي المعنيّة بصناعة الخطيب وتأهيله؟ أين موقعها من التوجيه والرقابة؟ هل يكفي أن يدرس الطالب سنوات في الحوزة، ثم يُترك ليختبر صوته في مأتم؟ بأي معيار يُمنح لقب “خطيب”، فقط لأنه يمتلك حنجرة جميلة؟ وكيف تسكت المؤسسة على ظاهرة تفريغ المنبر من مضمونه، وتحويله إلى استعراض شعوري موسمي؟
الخطر لا يكمن فقط في هيمنة العاطفة على العقل، بل في تراجع مكانة الفكر الديني نفسه، حين يفضل الناس الخطيب الذي يُبكيهم على الذي يُفكرهم، فالمشكلة لا تختزل في الجمهور وحده، بل تمتد إلى المؤسسات التي لم تحمِ المنبر من التسليع والتطويع، وهكذا نجد أنفسنا أمام مشهد مأساوي مزدوج: جمهور لا يطلب من الخطيب سوى البكاء، وخطيب لا يرى نجاته إلا في إرضاء هذا الطلب. وفي هذا التواطؤ، تموت المعرفة، ويُقتل العقل، ويُختزل الحسين في دمعة لا تصنع وعيًا ولا تغيّر واقعًا.
يبقى السؤال المؤلم: من الذي يصنع الخطيب اليوم؟ وما المؤهلات الحقيقية لشَغل هذه الوظيفة؟وهل تملك المؤسسة الدينية الشجاعة والقدرة على مراجعة مسار المنبر قبل أن تفقده تمامًا؟ وقبل ذلك، هل نملك نحن—كمستمعين وكمجتمع—الوعي لنطلب من المنبر أكثر من مجرد دمعة؟
مقال رائع
عاب على مقالات الكاتب انه كلما جئت في سيرة الامام الحسين عليه جرده من اللقب أي أنه يذكره هكذا بدون لقب الامام ولا حتى يختم اسمه ب ( عليه السلام ) وهذا عيب اعتبره مؤثرًا على كمالية وجمالية المقال فالكاتب تفنن في كل شيء وابدع في سرد مقاله بكل كماله وتمامه وكان كريمًا وسخيًا وجوادًا في اظهار مقاله بالشكل الجميل لكنه كان بخيلا في اضافة ( الامام) و ( عليه السلام) لسبط النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا أدري لماذا لجأ الى هذا الاسلوب رغم انه غير مكلف وليس في العملية أي وزن زائد ..؟؟
وصف البكاء بأنه “دمعة لا تصنع وعياً” فيه تجاوز. البكاء على مظلومية الحسين (ع) استجابة روحية عميقة في الفكر الشيعي، وقد يكون بوابة للوعي إذا اقترن بفهم صحيح، وليس غاية في ذاته أو بديلاً عن الفكر.