سيرة طالب 116] قصة رمي العباس للماء

الشيخ علي الفرج

في هذه الأيام نحتفل بذكرى دمعة اجتماعية، وهو الحسين بن علي، الحسين لغةثانية – كما أبدع الشاعر جواد جميل في عنوان ديوانه -، الحسين وجه آخر للوجود يُقرأ بملامح الروح لا يُتلى باللسان، ويُحسّ بنبض القلب لا يُسمع بالأذن. نهضته ثورة لا تنطفئ، نبعٌ يفيض بالإنسانية لكل قلبٍ وعقل. يستلهم منه العلماء حكمتهم، والخطباء تأثير كلامهم، والشعراء قوافيهم، والقادة عزيمتهم، والبكاؤون دموعهم. إنه مركزٌ تتجلى فيه كل معاني الإنسانية السامية.

السيد كاظم الحائري

 

بين الوفاء والتاريخ

في يومٍ مبارك من أيام الحج، وعلى أرض مكة المكرمة، وفي جمعٍ من حجاج حملة قطيفية، أطلّ علينا المرجع الكبير السيد كاظم الحائري كضيفٍ عزيز. تحدث عن قمر بني هاشم، أبي الفضل العباس (عليه السلام)، بكلماتٍ حفرت في الذاكرة. قال: الأقرب أن العباس خُلق لإظهار الوفاء. كانت حياته، منذ طفولته وحتى شبابه، مقدمةً ليتجلى هذا الوفاء في ذروته بكربلاء. أما مركز الوفاء، وموقفه الأسمى، فكان في لحظة وصوله إلى نهر الفرات، وملأ القربة، ومدّ يده ليشرب. في تلك اللحظة الفارقة، تذكر عطش أخيه الحسين، فكانت تلك اللفتة الخالدة التي رمى فيها الماء من يده، قائلاً في نفسه:
يا نفسُ من بعد الحسين هُوني
وبعدَه لا كنتِ أن تكوني

 

الشيخ فاضل اللنكراني

لقد هزّني هذا الكلام بعمقه، وله وقعه الخاص لأنه صادرٌ من مرجعٍ جليل، لا من شخص عادي. وقد زاد هذا اليقين في نفسي حين سمعتُ في مقطعٍ على اليوتيوب المرجع الفقيد الشيخ الفاضل اللنكراني (رحمه الله) ينقل ما يقارب هذا المعنى. كما عزّز ذلك ما نقله لي السيد منير الخباز، مؤكداً أن قصة رمي الماء وتذكر عطش الحسين هي من المسلمات لدى العلماء الأعلام.

ملاحظاتٌ في دروب التحقيق
وعلى الرغم من عمق هذا التأثر، فإن هناك ملاحظتين تستحقان الوقوف عندهما:

1. إشكالٌ في الرواية:

كيف لنا أن نجزم بما دار في قلب العباس (عليه السلام) من تذكرٍ لعطش أخيه الحسين (عليه السلام) لحظة رميه الماء، فيكون هذا الفعل دليلاً على وفائه؟، وهذا اشكال يهز الفكرة.
قد يذهب البعض، كما أشار أحد المشايخ في معرض إجابته على هذا الإشكال، إلى أن مصدر هذه الرواية قد يكون الإمام المعصوم. لكن هذه التخريجات قد تبدو واهية ومهلهلة في كثيرٍ من الأحيان، وتفتقر إلى الواقعية لا الخيالية.

2. إشكالٌ في المصدر التاريخي:

يُعدّ كتاب المنتخب للشيخ فخر الدين الطريحي (979 هـ – 1085 هـ) أقدم مصدرٍ روى قصة رمي العباس الماء من يده. فبالتتبع في المصادر المتاحة بين أيدينا، سواء كانت معتبرة أو غير معتبرة، لا نجد لهذه الرواية أثراً فيما سبق من الكتب التاريخية. وقد أشرنا في كتابنا (العباس بن علي) إلى أن هناك زياداتٍ كثيرة وقعت في مصادر القرن العاشر وما تلاه، وهو ما يرجح عدم صحة الرواية. ذلك أن هذه الفترة الزمنية شهدت اختلاقَ كثيرٍ من الروايات التي لا تستند إلى أساسٍ تاريخي متين.

تنبيه:

هذه الأفكار ليست ميدانًا للمناقشة أو الجدال، بل هي نافذةٌ على ما خُطّ في سجلات التاريخ، وإنها شهادةٌ على الوثائق.

تعليق واحد

  1. ملاحظة جميلة، كيف عرف الراوي ما دار في قلب العباس، و كيف عرف ماجرى في خيمة ليلى و الاكبر، هناك الكثير من المشاهد المنقولة منبريا تشعر أن المخرج أضاف للنص لأغراض فنية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×