الكوس في البارح عجب

حسن دعبل

الله واكبر يا بحر، سمحان يطبع وعبرة الچواي تسلم!

تلك لم تكن غير صرخة “السردال” راشد بن فاضل البنعلي. عجباً وتعجباً، من الضربة أو السايبة التي هبّت فجأة، وطبّعت محامل البحر في بنادرها.
أما السايبة فقد دارت حولها الأقاويل، والتأويلات، والغضب الإلهي…!

و السردال الذي دوت صرخته؛ فهو أعلم بالسوايب والضربات وهبوبها في البحار، وأعلم بأنوائها، وحركة كواكبها والنجوم، ومجراها. وهو أعلم بهبوب البوارح وشمالها، والكوس البحرية. كيف لا؛ وهو صاحب النايله. أو ما يسمونها بـ “مجاري الهداية” البحرية، لنواخذة المحامل، والسفن الشراعية في إبحارهم، ولأهل الغوص، والطواويش. في الإبحار بين المغاصات ومجاريها، وبنادر أسفارهم.

الصرخة بسمحان تأسفاً، أخذتْ بالتندر، قبل أن تُرحّل أبعد من الأسياف، ويأخذها التأويل بنزعات المهن، غير العارفة بالنايله، ولو بالمعنى الدارج البسيط في القياس، والخرائط الملفوفة، بالكمال والفرجار والمسطرة، والدَيره بـ “المطلع والمغيب”. حتى أن أهل الغوص يذهبون بالمعاني: لكل بحر وبندر نايله.

والنايله أيضاً صُحفت في اللّسان الكويتي ونواخذته، وهم من خبر الهيرات والبنادر والأشرعة حسب الهبوب والسوايب، فأسموها: النالية.

تقدمت اللّام على الياء، ولكن بقيت قياساتها في الخرائط. وفي تلك الأوقات التي دوت صرختها، كانت المحامل أو خشب الغوص، تأتمر بسردالها إيذاناً ببدء موسم الغوص، وانتهاءً بـ “گـُـفّـاله”.

فـ “السردال ” ـ أو أمير الغوص ـ لايتم اختياره غفلة وصدفة، بل لدرايته البحرية، ومقامه بين نواخذة الغوص والخشب. لكن أسفه وحيرته لسنبوكه الذي خطف به وطرح وسانا، وشونه بعد الكِلفات، ورفع نَشْره عالياً في الأسفار. ألم يكن هو العارف بأسرار البحار ومجاري هدايتها، ولججها في الغَبيب.

ألم يقل في مقدمة مجاري الهداية، النايله: “أيها المريدون لدفترنا مجاري الهداية، سأنبئكم عن مصطلحه، والغاية أنه لا بد لكل سالك في لجج البحر من بداية ونهاية”.

فما بين مخطوطة النايله، وطبعة سمحان، هبوب ورياح، وأشرعة خطفت وطرحت مُبندرة في دوحاتٍ موحشة، بلا يزوة ومريد؛ مُتلهفة لبشارة ونَشر، ومدفع السردال شارة: الگفالّ.

النايلة أو النالية:
ما يطلق عليه بالخرائط البحرية. وهو دليل و مخطوط بحري للابحار بالسفن الشراعية بين البنادر و المجاري و القياس؛ و وما يتضمنه من حركة الرياح وهبوبها، ومجاري الماء. كما تتضمن بعص من الرسومات أو علامات مميزة في البنادر للسفن.

السردال راشد بن فاضل البنعلي:

السردال تعني عند أهل البحر والخليج، أمير الغوص الذي يّعيّن من قبل الحاكم؛ وراشد بن فاضل البنعلي، مؤرخ ونسابه، وشاعر، ونوخذا؛ ويُعد أحد أعلام أسرة البنعلي الكرام في الخليج؛ ولد في الحِد ، وتوفي في دارين، وله عدد من المؤلفات.

سمحان:

سنبوك السردال، وصاحب النايله: راشد بن فاضل البنعلي.

عبرة الچواي:

عبرة أو جالبوت، من مُسميات الخشب والمحامل، تعود للنوخذا علي بن علي الچواي. وسمحان وعبرة الچواي، يوم هبّت السايبة مبندرة في بندر لِرفيعه التاريخي. والبندر كان ملاذاً لسنيارات الغوص، القريبة من الهيرات المعروفة للغاصة، أو ما يعرف بدوحة الهيرات، وقت عِباطهم، أو أيام الأعياد والمناسبات الدينية، لوفرة الماء والتمر وقربه من محامل أهل دارين و السنابس، وعين باشا وحمامها في تاروت.

سميتْ البوارح، لأنها تبرح التراب و تذهب به لجفافها وكثرة الغبار المتطاير معها. أما الكوس فهي رياح شرقية جنوبية رطبة، وعند أهل البحر حسب الديره نوعان : “كوس مطلع” تهب من جهة مطلع الشمس، و”كوس قطب ” وتهب بين القطب الجنوبي. لذا شاع هذا المثل عند أهل البحر للتعحب: الكوس في البارح عجب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×