صناعة الخوصيات في القطيف.. إرث مهدَّد بالتلاشي النخلة رافقت الإنسان "من المهد إلى اللّحد".. وأمدّت نمط الحياة بالوسائل

السّفّة الأولى.. 3 خُوصات.. شريط.. أسلوب حياة

شوكة مؤلمة تنبت في سعفة.. تتحوّل إلى زنبيل.. أو قفّة.. أو قلّة.. أو لعبة طفل

خبرة القرون درّبت الأجيال على اختيار كلّ خوصة ومن أي سعَفة ومن أي نخلة

القطيف: صُبرة

بين زُرقة الخليج وخُضرة النخيل؛ تشكّلت هوية الإنسان في القطيف؛ الواحات المترامية شرقيّ المملكة العربية السعودية، وأقدم حاضرة تاريخية مأهولة على ضفافه. في هذه الواحات؛ عرف الإنسان كيف يكيّف حياته مع الصيد والغوص والزراعة، وكيف يؤمّن معيشته ويحافظ على استقراره واستمراره، وكيف يبتكر وسائل تسهيل الحياة من البيئة المحيطة به. فكانت النخلة؛ من أهمّ مصادر هذه الوسائل.

يُمكن القول إن النخلة؛ هي أم الإنسان ورفيقته في القطيف؛ “من المهد إلى اللحد”؛ حرفيّاً. ذلك أنها لم تكن مصدر غذاءٍ فحسب؛ بل تغلغلت في تفاصيل حياته؛ ووهبته كلَّ شيءٍ فيها، كلَّ شيءٍ بلا استثناء، ليتغذّى، ويسكن، ويؤثث بيته، ويلعب، ويطبخ، ويتدفأ، ويستظلّ، ويحفظ أشياءه، بحيث تمنحه منها ما يُعينه على تسهيل حياته.

.. إلى اللّحد

وما دامت سامقة حيّة؛ فإنها تُعطيه من ثمرها، وسعفها، وليفها، وشوكها، وعراجينها. وحين تموتُ؛ تُعطيه ما تبقّى منها، وأول ذلك قلبها اللذيذ الطعم “الجُمّار”، وآخره جذعها الصلب الذي يتحوّل إلى مادة بناءٍ، وطبخ، وتدفئة، ورفيق موت..!

حين يموت الإنسان؛ لم تكن النخلة لتتركه ينتقل إلى الدار الأخرى وحده، كان بعضها يرافقه؛ سقفاً للحده، وشاهداً على قبره..!

بالتأكيد؛ لم تنضج هذه العلاقة، إلى هذا الحدّ من الالتحام، بين عام وأشهره؛ إنها إرثٌ ضاربٌ في الوجود. خبرات ومهارات بشرية عابرة للقرون المتلاحقة. صحيح إن كثيراً من الحرف اليدوية المتصلة بالنخلة متشابهة في مواطن النخيل في المملكة والعراق والمنطقة الخليجية ومصر وشمال أفريقيا؛ إلا أن عُمق الهوية يبدو أكثر وضوحاً في علاقة الإنسان في القطيف؛ خاصة في كونها الحاضرة النخلية الوحيدة التي تفرّدت فيها النخلة برفقة الإنسان بعد موته..!

الخوصة.. أصلها شوكة..!

لا يُعرف متى بدأ الإنسان، في أي مكان، الاستفادة من النخلة في غير ثمرها. لكننا نعرف، اليوم، المدى الذي وصل إليه في هذا الصدد. وتأتي الصناعات الخُوصيّة في مقدمة الأدلة على عُمق التجربة البشرية في حواضر النخيل إجمالاً، والقطيف على نحو خاص.

الخُوص هو ورق النخيل، يصطفّ بشكل مائل في السعفة التي تمثّل الغُصن. وكلّ سعفة تنبت في رأس النخلة، وتنتشر السعفات في شكل قبّة. كلّ خوصة تبدأ شوكةً قصيرة صلبة في السعفة، ثم تكبر الشوكة شيئاً فشيئاً، حتى تلين أخيراً وتأخذ طولها النهائي. وهذه الخوصة هي المادة الأولية للحرفة التي تُعرف بـ “السَّفّ”. يُقطع الخوص من السعف، ويتمّ إعداده لعملية عقد الخوص بعضه ببعض بشكل خاصّ؛ وهو ما يُعرف بـ “السّف”. وهي كلمة فصيحة جداً عرفها أسلافنا العرب، ودوّنوها في المعاجم. ويقولون: سفّ، يسفّ، سفّاً، ومسفوفة، وسفيفة، لكلّ ما يُسَفّ من خوص النخيل.

السّف والمسفوفات

العملية الأولية هي “السّف”، التي يُعقد بها الخوص، ونتاج ذلك الحصول على أشرطة طولية. ثم يتمّ ربط الأشرطة بعضها ببعض أياَ، حسب المنتج المطلوب، ويتمّ ثنيها وإعدادها بطريقة فنية خاصة. وحتى يمّ ذلك؛ لا بدّ من اختيار نوع الخوص المناسب للمنتج، إذا ليس كلُّ الخوص متساوياً في نسيجه وتكوينه.

منتجات نفعية

الأخوان منصور وحسن المدن، من أشهر الناشطين في إحياء صناعة الخوصيات في محافظة القطيف السعودية. وقد ورثا الحرفة عن أسرتهما الريفية في بلدة الجارودية. واستمرّا على ممارستها في موقع زراعي جنوب البلدة. وهما اليوم من المرجعيات التراثية في المحافظة، ويزورهما مهتمون وباحثون في الحرف الريفية وموثقون ومدونون، إضافة إلى وفود من الطلاب، وهواة السفّ.

ويُشير الأخ الأصغر، منصور، إلى ما كانت تعنيه صناعة الخوصيات قبل النفط للسكان. إنها منتجات نفعية، تُصنع للاستخدام اليومي في المنازل والبساتين. ويمكن القول إنها مهنة نسائية موازية للمهن الزراعية الأخرى، لإمداد الفلّاحين وربّات البيوت باحتياجات أساسية وكمالية أيضاً.

في البستان

يحتاج الفلّاح، سنوياً، إلى تعبئة التمور، فتُصنَع له أكياس خوصية تُعرف بـ “قلّات” و “قِلال”، والواحدة منها “قلّة”. وتُسمى أيضاً “ظرف”. هذه الأكياس يُكنز فيها ما يُعادل “منّين” من التمر، أي 32 كيلوغرام. وبعدها تُشحن القلال إلى مخازن كبيرة، قبل نقلها إلى الميناء وتصديرها إلى الخارج.

وقبل ذلك؛ يحتاج الفلاح إلى نشر التمر حتى يجف على بُسط كبيرة وسميكة. وتُعرف بـ “السِّمّة”، وتُجمع على “سميم”. لكنّه أيضاً يحتاج إلى أدوات أخرى مثل أوعية نقل التمر المفتوحة، مثل ما يُعرف بـ “الزبيل”، و “المرحلة”، وغيرها. وهكذا يتوجب على صانعي الخوصيات تأمين هذه الاحتياجات للفلاح في عمله.

في المنزل

وبالطبع؛ فإن هناك احتياجات منزلية، وهي الأكثر تنوعاً، ولكلّ منتج خوصي خصائصه، ونوع الخوص الذي يناسبه، وهنا يأتي دور الخبرة، في اختيار ـ أولاً ـ صنف النخيل الذي يؤخذ منه السعف، ثم ـ ثانياً ـ موقع كلّ سعفة من النخلة، و ـ ثالثاً ـ طريقة التعامل مع خوصها.

يقول المدن إن أفضل الخوص هو ما يؤخذ من سعف صنف “الخلاص”، وبالذات النخيل الصغيرة منه. يعني بذلك الشجرة التي تقع بين مرحلة “الفسيلة” ومرحلة “النخلة”. نخل الخلاص هو الأفضل، ثم يأتي بعدها أصناف الذكور من النخيل، “الفحّال”، ثم صنف الخنيزي، والأهم ـ حسب المدن ـ أن تكون الخوصة طويلة وعريضة.

خوص القِلْب

أما أنواع السعف التي يؤخذ منها الخوص؛ فأفضلها هو سعف “القِلْب”، أي النابت من الجُمّار مباشرة. لونه فاتح، وملمسه ناعم، وفيه رطوبة أعلى. وهذا الخوص لا يحتاج إلى تلوين، وتُعد منه القطع الناعمة، مثل السفرة، والقفة، والزنبيل، والمهفّة، والحصير الصغير، والسجادة الخفيفة.

خوص الخوافي

أي الخوص المأخوذ من “الخافية”، وهي السعفة الداخلية في رأس النخلة بعد موقع الجُمّار، وهذا الخوص لا يُلوّن أيضاً. وهو قوي وكبير ولونه أخضر فاتح، وتُصنع منه أدوات قوية نسبياً، مثل الزنبيل الكبير، والمرحلة ذات المقابض الليفية، والحصير الكبير، والمعلّق، (زنبيل كبير بجريد في القاعدة ومقابض). كما تُصنع منه “الملّالة”، وهي وعاء تُحفظ فيه الأغذية بشكل معلق حتى لا تصل إليه القوارض.

خوص الخَضَرة

طويل وصلب، ويتمّ سفّه كما هو بعد تحضيره. وعادة ما تُصنع منه المنتجات ذات الصلابة، مثل السّمّة الضخمة التي تُستخدم لنشر التمر وأسقف العِشش والُعرائش، وكذلك الحصير الكبير جداً.

وتُصنع من قلال التمر لتحمّل كمية بوزن 32 كيلو غرام. وكذلك يُصنع منها ما يُعرف بـ “الدوخلة” و “السعنّة”، وألعاب الأكفال، مثل الفرارة، والكرّوز.

كماليات

مع تحولات الحياة، بعد النفط، انتفت الحاجة إلى هذه المنتجات النفعية، وفقد “السفّافون” جدوى حرفتهم، كما هو الحال مع أكثر الحرف الريفية والبحرية. باتت منتجات الخوص جزءاً من التاريخ من الناحية العملية، إذ لا أحد يتناول غداءه أو عشاءه على “سفرة” من الخوص. ينسحب ذلك على كلّ المنتجات الأخرى. لذلك تحوّلت هذه المنتجات إلى “كماليات” تُعامل كموروثٍ له رمزيته في الثقافة المحلية.

ومع التراجع السريع لأعداد “السفّافين”؛ حافظ بعضهم على الممارسة كولعٍ خاصّ بحرفة الأجداد والجدّات. وهم يجدون من يشجّعهم على الاستمرار. خاصة في عرض منتجاتهم في الفعّاليات الشعبية ذات الطابع الريفيّ. وأغلب الممارسين كبارٌ في السنّ، أو في أواخر الشباب. ويسعى بعض أبناء الجيل الجديد إلى اكتساب مهارة “السفّ” كهوايةٍ ذات مدلول ثقافي واجتماعي.

مصنوعات خوصية

  • سفرة
  • حصير خصّافي
  • حصير منصوف
  • خصفة (قلة، قاعودة)
  • مروحة (المهفة)
  • زنبيل
  • قفة
  • سَرّود
  • مرحلة (لمعلق)
  • ملالة
  • خلة
  • سمّة
  • خوصة (سجدة)
  • سجادة
  • مسقط
  • دوخلة (سعنة)
  • مغطاة
  • قابوعة (قبعة)
  • فرّارة (لعبة)
  • كرّوز (لعبة)

آخر السفّافين

في محافظة القطيف أفراد كثيرون يمارسون السفّ، لإنتاج مشغولاتٍ تقليدية يُقبل الناس على اقتنائها. وأغلبهم من النساء، ويتركزون في الجزء الريفي من مدينة عنك، والبلدات الغربية الجنوبية من محافظة القطيف، وبالذات الجارودية والخويلدية والتوبي.

ولأسباب اجتماعية بحتة، جمعنا القائمة التالية، بالكُنى والأسماء التي يعرفها الناس عنهم:

عنك

  • ام اسماعيل المشهد وبناتها
  • ام علي الجشي
  • ام محمد عايش
  • ام علي اليوسف
  • ام حسين المشهد
  • ام مصطفى المشهد
  • ام حسين الفضل
  • ام ابراهيم النصيف
  • ام مبارك الفضل
  • ام ابراهيم ال مشهد
  • علي ابراهيم ال مشهد
  • محمد ابراهيم ال مشهد

الجارودية

  • منصور المدن
  • رمضان جعفر المدن
  • ام عبادي
  • ام حسين السنان
  • ام موسى المدن
  • ام محسن الأصيل
  • ام يحيا ال خليف
  • ام رضا حسن الرمضان

الملاحة

  • ام هاني الخواهر
  • ام علي العلي
  • ام حسين درويش
  • ام مؤيد درويش
  • ام خليل الراضي
  • ام ادريس الصائغ
  • ام حسين العلي
  • ام محمد مبيريك

صفوى

  • معصومة الحمدان
  • فاطمة علي حسين ال دهيم
  • امنة صالح ال حمدان
  • نصرى صالح ال حمدان
  • ام حسين الطويل
  • ام علي عوامي
  • ام جاسم سندي
  • ام علي ال دهيم
  • ام جعفر ال دهيم
  • ام علي الكاظم

التوبي

  • أم حسين شهاب
  • أم ميرزا
  • أم جهاد الجارودي
  • أبو جهاد الجارودي
  • أم حسين الجارودي
  • أم عبدالله الجارودي
  • أم هاني الجارودي
  • أم علي الميلاد
  • أم ماجد الجارودي
  • أم أحمد حنابي
  • أم ميرزا حنابي
  • أم مؤيد حنابي
  • بيت الحلوى
  • أم سامي الحداد
  • أم حسين البقيعي
  • أم حسين الجارودي
  • بيت محيميد
  • أم حسين الميلاد
  • بيت حيا
  • بيت رجب عبدالواحد
  • أم هاشم شهاب

الشويكة

  • أم يحيى الغانم
  • أم حسين الغرقان
  • أم سعيد السالم
  • أم عبدالله خليفة
  • أم رضي بزبوز
  • أم حسين شهاب

العوامية

  • بيت اللباد
  • أم حسين لباد

القديح

  • بيت الجبيلي
  • ام علي العوازم
  • ام علي الفرج
  • ام سعيد الحميدي
  • زهراء سلمان العبدالعلي
  • ام خليل درويش

الخويلدية

  • ام محمد سويكت
  • ام ابراهيم عطيه
  • ام حسين سويكت
  • ام عباس مياد
  • ام علي عطية
  • ام سيد منير العلوي
  • ام إبراهيم الأمرد
  • ام علي حسن الرشيد

المصدر: منصور المدن، معصومة حمدان

التقرير برعاية

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com