الذعر والطمأنينة تجاه لقاح كورونا
جهاد عبد الإله الخنيزي
منذ ظهور الجائحة نسمع بين حين وآخر عن تحذيرات تصدر من جهات لا نعلم ما هي؟ وما مستواها العلمي. فيديوهات ومقالات وبروشورات عن مشروع عالمي لتدمير الإنسان (قتل ثلثي من على الكوكب من البشر) والتحكم بالثلث الآخر، وبمصادر الوعي، والإرادة، وصولا إلى أمواله في حكاية تشبه قصص ألف ليلة وليلة. والأدهى تنسب هذه المشروعات إلى شخصيات عالمية مثل بل غيتس، وأسر غنية ترتبط بالماسونية، وحكومات دول عالمية، عبر نسبة مقولات لها عن الذكاء الاصطناعي، والشريحة الذكية التي ستزرع فينا، والتلاعب بالجينات الوراثية، والتصرف في الحمض النووي للإنسان (DNA)، والسيطرة على المال وجعله أداة للتحكم في الإنسان.
كلنا سمعنا هذا ما جعلنا نتحدث عن المخطط الشيطاني الكامن خلفه بمقدار الفيروس، ثم اللقاح كآخر جزء من المخطط حيث يسقط الإنسان في كل كوكب الأرض أسيرا في يد الحكومات والمنظمات الدولية. وهذه الفلسفة تبشر بأن الإنسان الذي سيوجد في المستقبل يختلف عن هذا الإنسان في نواحي كثيرة أهمها فقدانه للإرادة الحرة ولحقوقه الشخصية.
لا توجد جهة علمية ظاهرة تتحدث عن هذا المشروع، ولا توجد جهة موثقة تحدثت عنه، كل ما يوجد شخصيات تنسب لنفسها درجات علمية بحثية، واطلاع واسع، ومعرفة بخطورة التكوين الطبي للقاحات التي ستعطى للإنسان. أما من هي، وكيف نتأكد منها فهذا لا يهم. إنها تعطيك تصورا دراميا تخويفيا يماثل الحروب الكونية، ويأخذك نحو بحر من التصورات عن خطر قادم يهددنا كلنا.
سأعيد التلخيص لفكرتي. في كل دولة هناك مؤسسات طبية راقية، ومؤسسات علمية، وسلطة سياسية تراقب كل الأحداث الكبرى، وكل دولة إنما تقوم أولا على وجود مواطنين لها على أرض، ولو خليت من الناس فلا يمكن تصورها كدولة. وهكذا فإن المشروع التخويفي يقول لنا بأن الدول تقوم بإفناء نفسها بنفسها عبر إفناء شعبها أو تقليل عدده وبالتالي ينهار اقتصادها وتنهار سياسيا. ولكنه لا يقول لك بأن انهيار الدول هو انهيار للاقتصاد العالمي برمته المترابط. لنذهب بعيدا أكثر، ماذا سيكون شكل الأمم المتحدة والمنظمات الدولية التي أنشأتها الدول لحماية الجنس البشري والتنوع البيئي والمناخي والغذاء والصحة العامة والحد من انتشار الأسلحة النووية والكيميائية وغيرها. كل هذه الاتفاقيات والمعاهدات ستسقط. أي يسقط النظام الدولي القديم. تسقط حقوق الإنسان.
وهكذا فنحن لا نقف عند ذعر شخصي يبث بل تخويف نوعي يسيطر على أذهاننا ونتناقله بيننا كمعلومة دون أن ننتبه إلى أثره في بنية الوعي العميقة، وفي وعي الناشئة من البنين والبنات. أما الحقيقة العلمية فهي مخفية وخائفة ومشكك فيها دائما وهي أن أسس بناء هذا اللقاح لا يختلف عن أسس بناء أي لحقات سابقة.
ونعود قريبا إلى ذاتنا. بالنسبة لي كيف لا أثق في دولتي وفي وزارة الصحة. لدي دولة منذ البداية اهتمت بحمايتنا من هذه الجائحة، وكانت على مستوى الجدارة العالية، واستطاعت أن تحد من أضرارها الصحية والاقتصادية والاجتماعية. ولدينا وزارة في حالة استنفار شديد، وطواقم طبية تعمل ليل نهار سقط منهم شهداء الواجب. ومن حمى الوطن والمواطنين في ظروف حالكة كيف يتخلى عنهم فجأة. كيف يتخلى عن اقتصاده واستثماره في الإنسان كركيزة لاقتصاد مستقبلي قوي. أين المنطق في هذا؟ إن ثقتنا بكل أجهزة الدولة هي جزء من وعينا بمن نكون في وطن. ورغم أني لا أدعو أحدا لأن يأخذ اللقاح ولكني أقول بكل يقين بأن حملة التذعير تنطلق من أسس واهية لا علمية، وبحسب قراءاتي التي جهدت أن أتعرف على كل شيء وجدت المخطط الشيطاني مجرد وهم، وفلم درامي في دماغ البعض يُسوق له ولم أجد ما يثبت لي قيمة هذه الشخصيات علميا. لا أدعوك لأن تقول ليس هناك مؤامرة ضد الدول لنشر الفيروس، ولا أقول لك بأن الدول لم تتضرر منه، لقد كان هذا أمرا حقيقيا فهو هدد اقتصاديات دول عبر تهديد الإنسان. ولكن أدعوك لأن تعرف بأن في دولتك جهاز يقيم كل شيء بما فيه صلاحية اللقاح، وأمانه، وكما قاد عملية مراقبة الجائحة سيقودك نحو الحماية. وعلينا أن نحفظ في ذاكرتنا هذه التجربة لو حدث في المستقبل أن جاءت جائحة من نوع آخر. وإن شاء الله لا تكون.