هل “الخيرةُ” رسالةٌ من الله؟

فاضل الشعلة

 

“ماذا لو كان رئيس وزراء بريطانيا ورئيس كوريا الشمالية –مثلًا- مُسلمَين؟”.

“وماذا لو كانا على المذهبِ الشيعي؟”.

“وماذا لو كانا مِمَّنْ يؤمنانِ بالخيرةِ المتداولة؟”.

أسئلةٌ كان يطرحُها قاسم على سعيد الذي يؤمن بتلك الخيرة والذي أبدى استغرابَه من هذه التساؤلات مستفهمًا ما الذي سيحدث…

ابتسم قاسم طالبًا منه أن يستمعَ لحكايتِه المتخيَّلة:

 “مع كلِّ ما بذَله من جهدٍ مازال رئيسُ وزراء بريطانيا لا يستطيعُ أن يقرِّرَ بشأنِ “بريكست”، هل يخرجُ من الاتحادِ الأوروبيِّ أو يستمرُّ فيه.

استشار الخبراءَ فتعددتْ آراؤهم إلى حدِّ التناقض، شعبُه نصفُه “معَ” ونصفُه “ضدّ”.

شعر بالإرهاق، استأذن من الجميع، دخل مكتبه وجلس على كرسيِّه وبدأ يفكِّر ويفكِّر، وهو في عمق حيرتِهِ وترددهِ رأى أمامَه سبحتَه، استهلَّتْ أساريرُه، طلب مستشارَه الديني، لحظاتٌ وهو بين يديه.

أعطى الرئيسُ السبحةَ لمستشارِه وهو يعاتبُه: “الحلُّ كان لديك دون أن تُشيرَ به عليّ. أوليسَ الخيرةُ عند الحيرة؟ خذْ لي خيرة فإن بقيتْ حبةٌ واحدةٌ سنستمرُّ في “بريكست”، وإن بقيتْ حبتانِ سنُعلن الخروج”.

واصلَ قاسم حكايتَه: “بدتْ الحيرةُ على المستشار ولكنَّ إصرارَ الرئيس اضطره للبدءِ في طقوسِ الخيرة، ومعها واصل الرئيسُ حديثَه: “إذا كنَّا نؤمنُ بأنَّ الخيرةَ هي رسالةٌ من الله لترفعَ عنك التردد، فالسؤالُ المهمُ هو: هل هي خاصةٌ بالأمورِ الفرديةِ البسيطةِ فقط؟ أم حتى الأمور المصيرية كما نحن فيه الآن؟”.

وقبل أن يجيبَ المستشارُ واصل رئيسُ الوزراء: “فإنْ قلتَ فقط الأمور البسيطة سأقول لماذا تحددُ استخارتَك واستشارتَك لله بها فقط مع أنَّ من تستخيرُه هو الأعلمُ والأحكمُ والأقدر؟ فمِنْ بابِ أولى أن يُستخارَ في مثل هذه القضايا المصيريةِ وليس فقط في أمورٍ شخصيةٍ كزواجِ تشارلز من ديانا. ولو كنتُ مكانَك لشجعتكَ أن تترددَ وتحتارَ في كلِّ شيء!”.

هنا تساءل المستشارُ مستغربًا عن السببِ وهو مازال يحرِّكُ السبحةَ وفي قرارةِ نفسِه أنَّ “بريكست” أخرجتْ رئيسَ الوزراءِ عن طَورِه .

بهدوءٍ أجاب الرئيس: “لأنَّ الحيرةَ ستمنحك فرصةَ تحققِ شرطِ استخدامِ الخيرةِ وبالتالي ستصلك رسالةُ اللهِ عبرها.

فلو كان لديك -يافضيلةَ المستشارِ- خيارانِ كالتالي:

الأول: أن تكونَ مقتنعًا برأيك أو برأي مستشاريك وبالتالي لن تحتاجَ إلى الخيرة.

الثاني: أن تكونَ مترددًا وبالتالي بإمكانك استخارة الله.

فأيّ الخيارين ستختارُ فضيلتَكم؟”.

يواصلُ الرئيسُ حديثَه وعينه على الأصابع التي اقتربتْ من الوصول إلى حبّات السبحة الأخيرة ومعها القرارُ المصيري.

“بالنسبةِ لي -فضيلتَكم- سأختارُ الخيارَ الثاني لأنَّ الأولَّ مهما بلغتْ قناعتي برأيي وبرأي من أشار إليّ فاحتمالُ الخطأِ واردٌ جدًّا لأنَّ العواقبَ لا يعلمُها إلا اللهُ وهذا ما يجعلُني أتبنَّى الخيارَ الثاني “خيارَ الخيرة”، وسأكونُ معذورًا في تذرّعي بالترددِ دائمًا لأنني بالفعلِ لا أعلمُ ماذا يخبِّئُ لي المستقبل”.

ومع توقفِ أصابعِ المستشار ووصول الرئيس إلى القرار، تدَّخلَ سعيد -المؤمن بالخيرة- مخبرًا قاسمًا بأنَّ رئيسَ الوزراء كان مخطئًا لأن الخيرة َ-كما يقولُ بعضُ علمائِنا- لا تكشفُ عن المستقبلِ والغيب، وبالتالي هي ليستْ رسالةٌ من الله بل هي فقط إحدى وسائل إزالةِ الترددِ وهذا هو هدفي تمامًا من أخذي الخيرة.

وهنا ابتسم قاسم قائلا: “وهذا ما أؤمنُ به بأن الخيرة ليست رسالةً من الله ولو كانت منه سبحانه لما أجاز العلماء إمكانية أن تخالفها؛ ولأنّها كذلك- ليستْ من الله- ستفقد قيمتَها، فما فائدة أن تزيلَ عني الترددَ ولكنَّها في الوقتِ نفسِه من المحتملِ أن ترشدَني إلى الخيارِ الخاطئ؟! لذلك سأكتفي بأن أرفعَ يدي إلى اللهِ طالبًا منه الخير”.

وقبل أنْ ينصرفَ قاسم سأله سعيد: “ولكنك لم تجبني ماذا لو كان رئيسُ كوريا الشمالية مؤمنًا بها كرئيس وزراء بريطانيا؟”.

اتّسعتْ ابتسامةُ قاسم وهو يكملُ طريقَه :”ماذا لو حرَّك حبَّاتِ سبحتِه وأمامه صواريخه النووية؟!”.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×