وقفة مع كتاب الطفل

حسين آل ناصر*

 

لكل مرحلة من مراحل حياة الإنسان خصائص وميزات تميزها عن الأخرى، وليس ذلك فحسب بل إن لكل مرحلة تقسيمات فرعية صغيرة لابد من معرفتها وفهمها من أجل التعامل الفعال معها.

اعتنى علم نفس النمو بدراسة الإنسان في مراحل حياته المختلفة واهتم بدراسة تغيراته الجسمية والمعرفية، بالإضافة للتغيرات الاجتماعية والانفعالية، وقد قدم بذلك غزارة نظرية تتكئ عليها بقية الفروع الأخرى من علم النفس.

ومن المراحل التي حظيت باهتمام وافر من قبل العلماء والمختصين مرحلة الطفولة حيث تتصف بتغيرات كثيرة ومتعددة، بسيطة ومركبة، مبكرة، متوسطة ومتأخرة.

ولأجل تلك الأسباب وغيرها انبثقت أهمية مخاطبة الطفل بلغة سلسة يفهمها وتؤثر فيه، وإن أحد أهم أشكال التواصل معه عن طريق الكتابة له.

وجد أدب الطفل ضالته وحدد مساره سالكا الطابع المهني منذ ثمانين عاما تقريبا، وفي القرن التاسع عشر ازدهر إنتاج الكتاب الموجه للطفل وألفت مؤلفات متعددة في ذلك.

تختلف الكتابة للطفل اختلافا جوهريا عن غيرها من صنوف الكتابة، بل ويختلف كُتابها أيضا، لأنهم سيخاطبون عقل الطفل وقلبه ووجدانه وحواسه، وهذا ما يجعل الكتابة للطفل همّا، ولذا يؤكد علماء النفس أن القصة التي تغذي الجوانب النفسية للطفل تدفعه لاستمرار القراءة والشغف بها من دون شك.    

يهتم كاتب الطفل الحذق بأدق التفاصيل حين يعد كتابه الموجه للطفل و يراعي نقاط كثيرة منها أن يكون الكتاب مشوقا، ملونا، فيه رسومات، ويتميز بالجاذبية والتبسيط، مع إمكانية المشاركة الفعالة للطفل فيه وليس مجرد القراءة، بالإضافة إلى أنه مناسب من حيث  المحتوى والطرح لعمر الطفل ومرحلته النمائية، لذا حري بالكاتب أن يضع معايير تتعلق بالسن في مقدمة الكتاب، فجمهور الأطفال ليسوا متجانسين، فالكتاب المناسب لطفل الرابعة لا يناسب طفل التاسعة وهكذا.

ينصح الخبراء أن تكون القصة الموجهة للطفل في مرحلة الطفولة المبكرة (من عمر الثالثة حتى السادسة) محتوية على حدث بسيط مبني على علاقة واحدة بشكل بعيد عن التركيب والتعقيد، بينما في الطفولة المتوسطة (من السابعة حتى التاسعة) يمكن تقديم قصص أسطورية تنمي حب الاستطلاع لديه، ولأن خياله يكون خصبا في الطفولة المتأخرة (من التاسعة حتى الثانية عشرة) يمكن تقديم قصص المغامرات الخطيرة له.

علاوة على ذلك يؤكد الخبراء على أن تكون الشخصيات واقعية في الكتابات الموجهة للطفل، من دون تكلف مبالغ فيه في الوصف إلا إذا استدعى الأمر ذلك كوصف مكان ما في قصة، ويجب أن تكون القصة هي العنصر الرئيس وليس شيئا آخر.

يستثمر الكاتب الموهوب القصة الموجهة للطفل من أجل بناء قيم وتثبيت مفاهيم جميلة تغرس فيه، وفي عمقها مفاهيم نفسية وتربوية وأخرى اجتماعية وأخلاقية، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال المزج  بين النظرية والخبرة.

مما يؤسف له حقا غياب المعايير التي بناء عليها يكتب للطفل، وتلك ثغرة للعبث بعقل الطفل وروحه، فالكتابة للطفل عمل فني في المقام الأول، ومع هذا لا توجد جهة تتبنى أدب الطفل، حتى يتقن العمل وتكون النتائج أفضل والمخرجات أكثر دقة.

ولأن الأطفال يقرؤون من أجل القصة وحبكتها، على الكاتب الجيد عندما يشرع في الكتابة، أن يبحث عما يثير اهتمامات طفل عصره، وكيف له أن يواصل في سرد قصته بسلاسة تناسبه وتجذبه للمتابعة، وقبل كل ذلك على الكاتب أن يسأل نفسه هل سأكتب للطفل أو عن الطفل؟.. وشتان بينهما.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×