نزيهتان وعفيفة نقلن مكياج فنانات مصر وأميرات بريطانيا إلى نساء القطيف أناملهن زينت آلاف العرائس في ليلة العمر وأسسن لقطاع التجميل قبل 50 عاماً

القطيف: ليلى العوامي

يُحسب لكل من نزيهه عبدالحي، نزيهه الصفواني وعفيفة الحداد أنهن أدخلن أحدث صيحات التجميل النسائي، من فنانات مصر وأميرات بريطانيا، إلى وجوه نساء القطيف، في زمن خلا من محال التجميل ومنتديات المكياج النسائية ومواقع التواصل الاجتماعي.

رغم مرور السنوات، إلا أن ذاكرة السيدات الثلاث تختزن عشرات القصص والمواقف التي تحكي البدايات، ورحلة إثبات الذات، وصولاً إلى النجاح في قطاع أقل ما يُوصف به آنذاك أنه “بِكر”.

فبين الهواية والاحتراف؛ سارت النساء الثلاث في طريق تأسيس قطاع التجميل والزينة في المحافظة قبل نحو نصف قرن، فاستحققن لقب “رئدات” هذا القطاع. بدأن من الصفر، بإمكانات محدودة، من داخل غُرف صغيرة، وكراجات منازلهن، ووضعن البذور الأولى للقطاع، ليأتي بعدهن جيل من “الكوافيرات” يحصد ما زرعن.

كانت المرأة القطيفية تتزين بعقد الريحان، تتعطر بزيت الورد والياسمين، تبخر منزلها بكسرة العود الخشبية، لأنها تعشق الجمال الظاهري والباطني في آن، حين لم تكن هناك صالونات تجميل، إلا محل “شروفنا” الذي اشتهر بتقديم أدوات التجميل، وكان مقصداً للنساء، ومنه برزت على ساحة التجميل نساء حملن على عاتقهن مسؤولية تزيين المرأة في القطيف، بدءاً من تصفيف الشعر وقصه، وحتى وضع المكياج. وما أن تشهد الساحة ظهور قصة شعر جديدة من فنانات مصر، مثل سعاد حسني، أو ميرفت أمين، أو الأميرة ديانا؛ حتى تهرع النساء إليهن، طالبات قص شعورهن بنفس الطريقة.

نزيهة عبدالحي حين كانت تتدرب على المكياج في أميركا.نزيهة عبدالحي (يمين) حين كانت تتدرب على المكياج في أميركا.

نزيهة عبدالحي

البداية كانت مع نزيهة عبدالله منصور عبدالحي، التي تحدثت بحنين لـ”الزمن الجميل”، تذكرت ضحكاتها أثناء جلسات تجميل النساء قبل نحو 5 عقود، مؤكدة إنها حرصت على إرضاء جميع النساء بيدها الناعمة، ولمساتها الخفيفة في زمن قلَّت فيه مراكز التجميل، فكان منزلها مركزاً، تستقبل فيه كل الفئات العمرية.

النشأة في القلعة

نزيهة أم لـ4 أولاد و3 بنات، يشكلون “ثمرة” حياتها، هي من مواليد القطيف، تحديداً القلعة. نشأت ودرست في القطيف حتى المرحلة المتوسطة، لتدخل بعدها ـ وفقاً لعادات المجتمع السائدة آنذاك ـ حياة الزوجية المُبكرة، منحها الله مواهب عدة، منها الطبخ والخياطة والتطريز وشغف التجميل.

تتذكر نزيهة نقطة انطلاقتها في عالم التجميل “بعد الزواج عام 1974؛ سافرت وزوجي إلى الولايات المتحدة الأميركية في بعثة دراسية له، هناك درست اللغة الانجليزية، وبعدها بدأت دراسة التجميل، لأصقل هذه الموهبة بطريقة علمية، كذلك فعلت مع الخياطة، حيث درست لاحقاً في معهد بالجبيل، بعد العودة إلى أرض الوطن عام 1984. كما مارست فن الطبخ والتي تعلمتها من خلال الكتب التي تعكس ثقافات الشعوب”.

نزيهة حين كانت تتدرب على المكياج في أميركا.

العودة إلى الوطن

بعد العودة إلى أرض الوطن، أقامت نزيهة في القاعدة البحرية بالجبيل، واتخذت من تزيين النساء مهنة لها، تمارسها في منزلها أيام الأسبوع، فكانت تقص الشعر وتجمل العرائس وتعمل التسريحات، وفي نهاية الأسبوع؛ تعود إلى القطيف، لزيارة والدتها (رحمها الله).

تقول “هذه المهنة جعلتني أكثر قرباً من مجتمع القطيف وضواحيها، والذي ابتعدت عنه لظروف السفر، كنت استقبل أكثر من عروس في الليلة الواحدة، وأقوم بأعمال التزيين بمفردي من دون مساعدة من أحد، ومازلت أتذكر جميع من تجَملن لدي، سواء من العرائس اللائي دخلن عش الزوجية، أو من حضرن المناسبات المختلفة”.

لا ترضى نزيهة إلا بإتقان عملها، تعتبر الجودة “مبدأً” لا تحيد عنه، تقول “الاتقان يكون في أداء المهنة، اختيار مستحضرات التجميل من النوعيات الممتازة، وفوق كل هذا؛ التعامل الراقي مع جميع النساء، وهذا سبب شهرتي، إذ تلقيت الكثير من العروض المغرية لافتتاح صالون تجميل تحت إشرافي وإدارتي، لكنني رفضتها كلها، وفضلت الهواية، وأيضاً بسبب رغبتي في عدم الانشغال بغير زوجي وأولادي، وهو مبدأ أتمسك به أيضاً”.

إلى جانب التجميل؛ تهوى نزيهة عبدالحي الطبخ.

الانتقال للبحرين

في العام 2001، انتقلت نزيهة للعيش في مملكة البحرين، بعد تقاعد زوجها، هناك اعتزلت العمل في زينة النساء، وأدارت بوصلة اهتمامها صوب المطبخ، تقول “أتقنت فنون طهي الطعام لأبنائي وأحفادي وضيوفي، وكان للزبائن نصيب مما أطهوه. كنت أطبخ الأطباق حسب الرغبة، وأوزعها في المناسبات حتى يومنا هذا، ومن وراء ذلك كونت صداقات جميلة في المجتمع البحريني، وكم تمنيت أن أنجز كتاباً خاصاً بي، عن فن الطبخ، ولكن لم يتحقق ذلك للانشغال بأعباء الحياة.

نزيهة عبدالحي تمارس هواية الصيد بعد تقاعدها من التجميل.
نزيهة عبدالحي تمارس هواية الصيد بعد تقاعدها من التجميل.

صيد الأسماك

إلى جانب الطبخ، تهوى نزيهة عبدالحي ممارسة المشي، تقول “مع جائحة كورونا، وما أحدثته من تداعيات في حياة الناس، من عزل وإقامة دائمة في المنازل، فضلت ممارسة المشي، وبجانبه كنت أعشق الزراعة، وأمارسها بشكل منتظم في المنزل وكذلك صيد الأسماك بين حين وآخر، إلى جانب هوايتي الدائمة؛ الأسفار للاطلاع على حياة الشعوب، وأعيش خلالها بقناعة تامة، مشاعر الحب والتسامح والتصالح مع الذات، والاستمتاع بما وهبنا الله إياه من نعم في هذه الحياة الجميلة”.

عفيفة الحداد.عفيفة الحداد بحرينية تزوجت قطيفياً وعملت في مجال التجميل.

عفيفة الحداد

عفيفة أحمد الحداد، أو “أم سيد جعفر”، كما تُحب أن يناديها الناس، تختزن ذكريات لا تنسى في عالم زينة نساء القطيف، مؤكدة أنها مازالت تسمع بعض هذه الذكريات ممن عملت على تجميلهن، واصفة  الماضي بـ”الزمن الجميل”.

تحكي عفيفة قصتها مع زينة النساء، التي تمتد لـ45 عاماً، كيف كافحت في هذه المهنة، منطلقة من كراج منزلها الصغير في حي البحر، لترضي طموح النساء في الحصول على مظهر جميل، في زمن ليس فيه سوى عارضات الأزياء والفنانات.

قدمت عفيفة إلى القطيف قبل 60 عاماً، من البحرين، على ظهر “لنج” خُصص لها فقط، ومن معها في يوم زفاف “مهيب”، وسط هدوء البحر وإشراقة الشمس اللامعة. كان عمرها 13 عامًا، هي من أصول بحرينية، تحديداً من مدينة المحرق، تزوجت السيد علوي السيد علي الجراش، من القديح، أنجبت منه أول أبنائها شريفة، حين كانت على أعتات الـ14 ربيعًا .

ورثت الحداد حب التجميل، وصناعة الخلطات العُشبية من جدتها  التي أهتمت بتربيتها بعد وفاة والدتها، فكانت جدتها تقوم بعلاج بشرة زوجات شيوخ البحرين، لذا اهتمت عفيفة بجانب الخلطات الشعبية، التجميل.

أنجبت عفيفة 3 بنات (شريفة، أمل وماجدة)، وأثناء حملها في ابنها جعفر، عادت إلى البحرين، وبقت فيها مدة، درست فيها التجميل في أحد المعاهد، لتعود إلى القطيف، لتُعين زوجها بعد خسارته في مجال المقاولات، كان عمرها آنذاك 18 سنة، واستمر عملها في مجال التجميل 40 عاماً.

أنجبت عفيفة أيضاً لاحقاً، من البنات: خلود، ريم ودعاء، والأولاد: جعفر، هشام وإبراهيم).

عرائس القطيف

تصف “أم جعفر” نفسها في مجال تجميل النساء بأنها “عصامية”، بعدما بدأت العمل من كراج منزلها، تقول “كنت أزين عرائس القطيف، وأقص الشعر، وأحف الحواجب، وأعمل المكياج، وسكنت منطقة البحر، وبعد سنوات من العمل في الكراج، دمجته مع شقة صغيرة في المنزل، وكبر المكان إلى ما يشبه المركز، وهو ما ساعدني على تقديم الدورات للفتيات في القطيف”.

تعتبر الحداد أول امرأة في المحافظة تفتتح مركز تدريب منزلي، دربت فيه نحو 13 ألف عاملة فلبينية في مجال التجميل، ما ساعدهن على العمل في المجال ذاته. ولم تكتف بتجميل نساء القطيف، إنما كانت تتعامل مع نساء من خارج المحافظة، مثل: النعيرية، الجبيل، الثقبة، الخبر، الدمام، جدة، الرياض والأحساء، تقول “دربت ابنتي خلود، وكان عمرها تسع سنوات آنذاك”.

قصة الكوافيرة خلود

تحكي الحداد قصة ابنتها خلود في عالم التجميل “سافرتُ إلى البحرين، وتركت خلود في القطيف، وجاءت عروس من البحاري إلى الصالون من دون حجز مسبق، فاستقبلتها خلود، وكان عمرها 11 عاماً، وأجلستها على الكرسي وبدأت في تزينها، كما لو كانت هي صاحبة المكان، وعندما عدتُ من البحرين، أخبروني أن خلود قامت بتزيين عروس، صرخت بصوت عال من هول المفاجأة: أي عروس؟ اختربت سمعتنا. وجلست أنتظر اياماً أن يتصل بي أحد من أهل العروس ليعاتبني، فلم يحدث. وبعد أسبوع؛ اتصلت بي نسوة، عرفت أنهن من أهل العروس التي قامت خلود بتزيينها، وطلبن أن تقوم ابنتي بتجميل ابنة خالة العروس، نظراً لمهارتها. ومنذ ذلك الوقت، وأصبحت خلود مطلوبة في القطيف، لوضع المكياج”.

خبرتي؛ شهادتي

تُقر عفيفة بأنها لم تواكب العصر في ظل الطفرة التي شهدتها القطيف في مراكز تجميل النساء لاحقاً، “بدأت تظهر موضة مراكز التجميل في المحافظة، كانت تتميز  عن محلي بالديكورات، وظهرت موديلات مختلفة، وشهادات الخبرة، بينما أنا لم أغير شيئاً، بقيت كما أنا، وانشغلت بالأطفال والبيت. ورغم ذلك؛ مازلت مستمرة، وابنتي تساعدني في المحل”، مضيفة “ليس لدي شهادات، ولكن خبرتي هي شهادتي”.

تتابع “مع ظهور صيحات الموضة؛ طلبت من خلود أن نذهب إلى لبنان، للحصول على شهادة تجميل، وسافرنا لبيروت، وحينما ذهبنا إلى المعهد الذي يقوم بالتدريب، أخبرت المسؤولين برغبتي في تدريب ابنتي على تصفيف الشعر والمكياج، وهناك تفاجأ المدرب بقدرتها الفائقة على التزيين وتصفيف الشعر وتجميله، وحصلت على شهادة تدريب، وعدنا إلى المملكة، واليوم تملك ابنتي خبرة في مجال التجميل تمتد لـ20 عامًا”.

تصف عفيفة، المرأة القطيفية بـ”الجميلة والنبيهة والمهتمة في نفسها”، تقول “رغم الإنغلاق قديماً، إلا أن القطيفية بدت أكثر ثقافة واهتماماً في نفسها، واليوم هناك تحول كبير حدث للمرأة القطيفية، إذ أصبحت تسابق الجميع في زينتها وأناقة نفسها وجمال إطلالتها”.

في ختام حديثها؛ نصحت عفيفة كل امرأة وفتاة “إذا أردت أن تتقدمي، لا تتوقفي عند نقطة، بل انتقلي لما بعدها، كوني صاحبة استراتيجية وطموح، واستعيني بالله، وكوني متسامحة، حتى تكسبي الآخرين وتجنبي أخطاءهم”.

أدوات نزيهة الصفوانيأدوات نزيهة الصفواني في التجميل.

نزيهة الصفواني

ثالثة النساء اللائي أسسن لفن التجميل في القطيف، نزيهة محمد الصفواني، التي عشقت هذا المجال، وأبدعت فيه، كما عشقت مزج الألوان، واستطاعت توظيفها على وجوه النساء. هي إحدى العريقات في مجال التجميل في العوامية.

قبل 20 عاماً، انطلقت نزيهة من مجلس في منزل أهلها، في حي الجميمة، اختارت أدواتها من الأسواق المعروفة آنذاك، وبحثت في كل مكان عن صيحات الموضة والجمال، ونلقتها إلى نساء القطيف.

اتخدت الصفواني من أخواتها وصديقاتها القريبات، محطة انطلاق في عالم التجميل، في وقت لم يكن هناك من يعمل هذا القطاع إلا الفلبينيات.

تقول “قدمت خدماتي لصديقاتي وأقربائي من دون مقابل، وكان لهن دوراً كبيراً في اتساع عملي”، مضيفة “المرأة العوامية خاصة، والقطيفية عموماً، ترى الجمال نعمة عظيمة لا بد أن تحافظ عليها”.

وتتابع “مركزي يكتظ بالزبائن، خصوصاً في المناسبات، وكثير من النساء يُردن تغيير مظهرهُن، ليظهرن في أبهى طلة”.

عشقت نزيهة صنع المكياج، وقصات الشعر الجديدة، ووضع الأصباغ، ومن شدة حبها لدمج الألوان منذ طفولتها؛ تسعى لإظهار ذلك في أصباغ الشعر، تقول “التفاصيل الصغيرة مهمة بالنسبة ليّ، ورضا الزبونة من أولوياتي، واهتم في إظهار النساء بأجمل مظهر”.

لم تكتف الصفواني بتزيين عرائس القطيف، إنما وصلت خدماتها إلى نساء الخبر والدمام.

في بداية مسيرتها التجميلية؛ واجهت نزيهة صعوبات ومعوقات، لكنها تخطتها بثقتها في نفسها، لتحقق طموحها. لم تتوقف عند حد معين، فمع تقدم السنوات؛ ازدادت خبرتها وتطور طموحها. تقول “أعشق عملي، لذا لم أتوقف عند حد معين، فأنا أتابع كل ما له علاقة في التجميل، ورغم وجودي منذ زمن في هذا القطاع، إلا أنني استمتع بكل ما هو جديد في عالم المرأة والجمال”.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×