ثقة الملوك والعلماء
سراج أبو السعود
خاطبه المؤسس المغفور له الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن آل سعود بالمكرم الأفخم، وخاطبه المرجع السيد محسن الحكيم بجناب الكامل المهذب، كما خاطبه الزعيم الشيخ علي أبو عبدالكريم بجناب الأفخم الأكرم، الإمام الشيخ علي أبو حسن أفقه العلماء المتأخرين في القطيف يخاطبه بالأمجد الأفخم ويوقع رسائله له بالمحب، ويصعد السيد ماجد العوامي ثلاثة طوابق لمجلسه مهنئاً له بالعيد على الرغم من كبر سنه وما يعانيه من ألم رجله، رجل يقف خلفه مدير شرطة القطيف أسعد مقادمي وهو جالسٌ مكلل بهيبة المجد والفخار زعيما وهب مهجته وماله من أجل أن تبقى القطيف دائما عالية القدر كما تستحق، زعيما وهب نفسه لخدمة دينه ووطنه، وحينما يغلب عادةً على أصحاب المال والجاه الحياة المترفة بعيدا عن هموم مجتمعهم، والاستغراق في ملذات الدنيا بعيدا عن الحدود الشرعية، كان الحاج عبدالله بن نصر الله سليل المجد والثراء أخاً لكبير القوم، أباً لأبنائه، عطوفاً على فقراءه وأيتامه، عنوانا عظيما من عناوين الفضيلة والورع والسخاء، وعنوانا أعظم من عناوين عمل الخير والسعي في قضاء حوائج الناس والوقوف معهم في آلامهم ومشاكلهم، فكان أن لم يتوان يوما عن الدفاع عن حقوقهم، كل ذلك رغما عن الألسن الحاقدة التي كانت ولا زالت تستمرئ التقليل من شأن كل عمل طيب وإعابة أصحابه.
الشيخ علي الجشي قدس الله نفسه، هذا المجتهد الفقيه، كان للحاج عبدالله بن نصرالله اليد الطولى بعد توفيق الله في تثبيته في منصب القضاء بتوجيه مباشر من مراجع النجف حينذاك للشيعة السيد محسن الحكيم والشيخ محمد رضا آل ياسين والشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء، وقد رفع في هذا الأمر خطاب إلى الملك عبدالعزيز الذي رد عليه بجواب الموافقة، وحينما تم توليه المنصب وقف مؤازراً له في وقت رُفعت فيه أسنان العداء له، وهل من خير وتوفيقٍ أعظم من أن يكون لرجل فضل الوقوف والمؤازرة لهذا العلم الكبير الذي لا شك هو احد مصاديق البيت:
بابٌ لبابِ مدينةِ العلمِ الذي
مِنْ غَيرهِ لا يُقبلُ الإيتاءُ
وكذا ما كان يتلوه الشيخ فرج العمران قدس الله نفسه حينما يمر على مسجده فيقول: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) مؤكدا من خلالها أحقيته بمنصب القضاء، منددا بمن يمس قدره ويشكك في حكمه.
ومما يقال في تدين الحاج عبدالله بن نصر الله ما عُرف عنه من قراءته لمجلس استشهاد الإمام الحسين عليه السلام بنفسه حيث يرقى المنبر ليلة العاشر من المحرم بعد خطيب العلماء وعالم الخطباء الشيخ ميرزا حسين البريكي قدس الله نفسه ليقرأ المصيبة بصوتٍ شجي حزين، هكذا كان تعلقه بأئمته الأطهار ظاهرا لا يخفى على أحد، وقد ظهرت نزاهته التامة.
إن استيفاء حياة هذا الزعيم الوطني الخالد لا تكفيه بضع كلمات ٱليتُ على نفسي ألا أزيدها في أي مقال تحاشيا لإدخال الملل على القارئ، وإنني هنا حينما ألفت النظر لهذه الشخصية الكريمة فلكي يعلم الجميع لا سيما أبناء القطيف شيئاً من أياديه البيضاء على المجتمع، والذي لم يزل ينعم بأثار تلك الأعمال حتى اليوم، وما أحسن وأجود ما مدحه به السيد حسن بن السيد أبي القاسم الحلي حين قال:
أسليل نصـر الله أنت لنا نـصرُ
لذاك حلا في مدحك اللفُ والنشرُ
تجـود على العافين قبل سؤالهم
مخافـة أن يمسسهم البؤس والفقرُ
أبـوك قبيل اليوم كان ذخيرةً
كما أنت في هذا الـزمان لنا ذخرُ
قطعنا فجاج البيد ترقل عيسنا
عـشيَّة قد جئنا يجـدُّ بنـا السيرُ
سمـاح ندى كفيك كان دليلنا
ونـورٌ تجلَّى في جبينـك يا بـدرُ
وجدناك لما أن أتيناك ساحبًا
ذيـول المـعالي والمعـالي لها إثْـر
وقد ألقت الدنيا إليك زمامها
لك النهي في ما شئتـه ولك الأمر
جنود الندى حفت بك اليومَ مثلما
بجودك جند البخل والبخل قد فرُّوا
ولا فيك لؤم يدنس العرض مشمتًا
عدوًّا وخلاًّ فيه يصحبـه الكـدر
تدرُّ يداك التبر للوفد مثلما
يدرُّ إذا ما غصتُ درًّا ليَ البحـر