ماذا تستفيد القطيف من جارتها الجديدة.. محافظة البيضاء…؟! مكاسب بيئية.. وفرص نموّ عمراني قريب من تجربة "بقيق" الناهضة من الرمال

محافظة البيضاء وُلدت فعلياً.. ومطار الملك فهد لم يعد في الدمام

القطيف: صُبرة (خاص)

فتح الإعلان الرسمي عن البحث عن مقرّ ليكون مقرّاً رسمياً لإدارة محافظة البيضاء؛ أسئلة كثيرة، حول موقعها الجغرافي وحدودها الإداريّة. وكثّف الأسئلة بحثٌ مطوّل من حلقتين نشره الباحث الاقتصادي الدكتور عبدالعزيز الجار الله في الزميلة صحيفة “الجزيرة”، في فبراير 2016.

والحقيقة؛ هي أن الحديث عن كيان إداري يحمل اسم “البيضاء” مرّ عليه قرابة 10 سنوات في الدوائر الرسمية والتخطيطية، وكانت البداية تسعى إلى تأسيس مركز إداريّ يرتبط به مطار الملك فهد، لكن سرعان ما توسّعت الدائرة ليتم التخطيط لإنشاء محافظة إدارية جديدة تتبع إمارة المنطقة الشرقية. وبقي على العمل على بلورة التصوّر؛ حتى اتضحت الرؤية أمام المسؤولين، بهدف إعداد خطة تنموية قابلة للتنفيذ. وبالفعل؛ بدأ العمل على وضع إطار إداري جديد تمهيداً لولادة المحافظة الثانية عشرة في المنطقة.. وجاء إعلان البحث عن مبنىٍ ليؤكّد وجود المحافظة على أرض الواقع.

مثل بقيق

فكرة تشكيل “محافظة البيضاء” الجديدة؛ تُشبه إلى حدّ بعيد فكرة تأسيس محافظة بقيق، مع اختلاف الظروف التاريخية والاقتصادية.

نشأت بقيق وسط رمال الصحراء على أساس اقتصادي كبير، هو موقعها وسط حقول نفط وغاز عملاقة. وجزء مهم من صحراء “البيضاء” يشبه بقيق في بعض الجوانب. فهي ستنهض من رمال الصحراء، على مساحة هائلة، وتُجهّز بُنيتها التحتية على مراحل تُراعي الجوانب البيئية والنموّ السكاني المستقبلي القريب منها، لتحتضن الفائض السكّاني المستقبلي، ضمن ما يُعرف بـ “النمو الأفقي” بين 4 محافظات قائمة، هي: بقيق، القطيف، راس تنورة، الجبيل.

نشأت مدينة بقيق من لا شيء، وأصبحت مدينة مستقبل، تتبعها مراكز حضرية كثيرة

موقع

هذا يعني أنها تقع غرب القطيف وراس تنورة، وجنوب الجبيل، وشمال شرق بقيق. وحتى الآن؛ لم تتّضح الحدود الإدارية الخاصة بها تماماً، ولا المراكز التابعة لها. لكنّ المؤكد أن سوف تؤدّي خدمات تنموية مستقبلية لجميع سكان هذه المحافظات الأربع، فضلاً عن سكان الدمام، والمراكز القريبة منها، لاستيعاب الاحتياجات العمرانية المتزايدة.

المؤشّرات الأولية للمحافظة الواعدة؛ تضعها شماليّ مطار الملك فهد، وغرب واحات القطيف، وبمحاذاة طريق “أبو حدرية”. هذا يعني ـ حتماً ـ أنها سوف تكون حلّاً استراتيجياً.

وإذا أصابت تحليلات الدكتور الجار الله التي فصّلها قبل أكثر من 4 سنوات؛ فإنها سوف تكون قطاعاً “له قيمة اقتصادية كبرى لأن أراضيه تُعد الخزان النفطي الوفير لوقوع حقل الغوار في أطرافها الجنوبية قرب بقيق الذي يُعد أكبر المكامن النفطية في العالم، كما تضم مكامن نفطية أخرى في السمين، الفاضلي، الجلادي، الخرسانية، أبو حدرية، الشرار”.

كما أنها “تتمتع بالمرتكزات البيئية الطبيعية فهي حيز بكري وغني بالمكونات الطبيعية من النباتات والموارد الطبيعية وخزانات المياه”. وهي ” تُعد الرابط ما بين مدن الساحل الموانئ والمرافئ على الخليج وبين النهايات الشرقية لهضبة نجد الغنية بالمعادن الفلزية واللا فلزية”.

هذا ما يُشير إليه الجار الله. إلا أن النظر من الزاوية السكانية من جهة محافظتي القطيف وراس تنورة تحديداً؛ يُضيف الكثير من المردودات المهمة.

توسع أفقي

من الناحية العمرانية؛ سيكون قرب “البيضاء” من “القطيف” فرصة لتوجيه الفائض السكّاني ـ في القطيف ـ إليها. إذ سوف توفّر المساحات الواسعة في المحافظة الجديدة فرصاً للحصول على عقارات بتكلفة أقلّ بكثير من التكلفة الحالية الباهظة في القطيف.

ومن التوقعات الوجيهة؛ هو وجود قطع أراضٍ للسكن بأسعار أقلّ بكثير من أسعار أراضي القطيف التي بالكاد يستطيعها جزءٌ يسير من أبناء الطبقة المتوسطة.

النموّ السكاني في القطيف سوف يُنتج نموّاً عمرانياً في البيضاء. وسيُساعد القرب على ذلك في المدى المتوسط والبعيد.

عانت البيئة البحرية في القطيف من جور بسبب التنمية العمرانية وأصبح من الضروري الحفاظ على ما تبقى منها (الصورة: من أرشيف أثير السادة)

بيئياً

ومن الناحية البيئية؛ ستخفف فرص العمران في البيضاء الضغط على البيئة في القطيف. وقد لا تروق هذه التوقعات للعاملين في سوق العقار في القطيف؛ لكنّ الإيجابيّ في الأمر؛ هو أن المساحات الزراعية الحالية التي تجري معاملاتها في الدوائر المختصة، من الزراعة، إلى التخطيط العمراني في أمانة الشرقية، إلى أرامكو السعودية؛ سوف تتأثر إجراءاتها، بفعل اتجاه جزء وازن من طالبي الأراضي إلى “البيضاء”.

ويجدر الانتباه إلى أن هذه توقّعات استراتيجية متوسطة المدى في الحدّ الأدنى، وليست ضمن المنظور القريب، خاصة أن “البيضاء” لن تنهض من الرمال وتتحول إلى مباني وشوارع وبُنية وتحتية بين ليلة وضحاها. ومع ذلك؛ فإن المحفّزات قائمة ومتوقعة وبقوة في اتجاه المستقبل السكاني والعمراني، والبيئي.

في القطيف، حالياً، عشرات المخططات الورقية المرسومة على مساحات زراعية، وتلعب شركة أرامكو السعودية دوراً واضحاً في إبطاء إجراءاتها. وذلك من الحسنات البيئية بالبديهة، وفي الوقت ذاته؛ من السلبيات العمرانية والسكانية، إذا فرضت محدودية المعروض النسبية ـ أو المفتعلة ـ للأراضي أسعاراً خيالية في سوق عقارات القطيف.

حماية ما تبقى من نخيل القطيف من المطالب الملحّة (الصورة: من أرشيف محمد الخراري)

المحافظة البعيدة

من معوّقات اتجاه الفائض السكاني في القطيف إلى جارتها محافظة البيضاء؛ هو البعد الجغرافي النسبي. إلا أن تجربة سكان القطيف، منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي حتى الآن، تُشير إلى وجود تبدّلات في مفاهيم الناس وتقديراتهم للمسافات. بدأ القلق البُعد الأول منذ خروج بعض السكان من أسوار قراهم إلى مواقع لا تبعد سوى بضع مئات من الأمتار. وبلغت تقديرات الابتعاد مداها حين نشأ حي الفتح (الدخل المحدود) الذي اعتُبر بعيداً جداً من القرى القائمة.

ثم أخذ هذه التقديرات تتبدل بنشوء أحياء على إثر أحياء. وفي الوقت الراهن وصل بعض سكان القطيف إلى ضاحية الملك فهد بالدمام، وخرجوا من مدنهم وقراهم إلى مسافات بعيدة جداً، بمقاييسهم السابقة. وأحياء الأوجام وما بعدها نموذج على تبدّل المفاهيم. ومحافظة البيضاء لن تكون بعيدة عن القطيف كثيراً، خاصة مع تبدّل مفاهيم المستقبل حول المسافات.

استراتيجية

تستمدّ “البيضاء” استراتيجيتها من موقعها المهم، فهي تقع وسط طرق سريعة، بعضها دولي، وفي قلب نطاق جغرافي قريب من عاصمة المنطقة الشرقية، الدمام، إضافة إلى قربها من مواقع حيوية اقتصادياً، بقيق، الجبيل، وكذلك واحات زراعية خضراء في القطيف.

والمزيد المفيد؛ هو أن نشأتها لن تخلّف تبعات بيئية باهظة في محيطها. لن يضطرّ الإسمنت والإسفلت إلى إلغاء مساحات خضراء، ولا إلى إتلاف شواطيء.

وكما هي تجربة “بقيق” التي وقفت وراءها 4 حقول نفط عملاقة؛ وشيّدتها وسط الصحراء، وتهيّأت لها بُنية تحتية ممتازة؛ فإن “البيضاء” مرشّحة لتكون نموذجاً نظيراً لها.

قد تكون “البيضاء” نموذجاً جديداً أكثر، أهميةً وتحدّياً من تجارب بقيق والنعيرية والقرية العليا وسكاكا التي لعب خط “التابلاين” دوراً في تأسيسها ونشأتها. لكنّها ـ بالتأكيد ـ سوف تكون واحدة من تجارب المستقبل العمراني في هذا الجزء من بلادنا.

اقرأ أيضاً

ولادة محافظة جديدة في الشرقية.. الإمارة تطلب استئجار مبنى لـ “البيضاء”

‫4 تعليقات

  1. ما الهدف من إنشاء محافظة جديدة تكلف الكثير والمنطقة في غنى عنها ؟ وما الذي يضمن نموها الاقتصادي والبشري على المدى المتوسط والبعيد ؟ بينما محافظة القطيف مازالت ينقصها الكثير من التطوير ،واقرب مثال على ذلك مدينة صفوى التي يمكن لها أن تتمدد من جميع الجهات إذا ما أزيلت المعوقات هذا من جانب، ومن جانب آخر بإمكان المخططات الجديدة على طريق المطار استيعاب الفائض السكاني في القطيف إذا ما تم تطويرها أسوة بباقي المحافظات إذا ما وجدت النية .

  2. أؤيد كلام الأخ محمد عبد الله الدمام والخبر لهم امتداد عمراني للغرب والجنوب عدا القطيف الاتجاه للشرق من خلال دفن البحر او الرقعة الزراعيه وهذا خطأ كبير فنتمنا ان يكون للقطيف امتداد حضري للغرب حالها كحال بقية المدن المجاوره فهذا يساهم في الحفاظ على البيئة

  3. بدلاً من أن تكون محافظة جديدة لم لا تكون امتداداً لمحافظة القطيف الحالية يستوعب فائضها السكاني و يساعد على التوسع العمراني المريح و إيجاد أراضٍ واسعة للمشاريع العملاقة التي تتطلبها القطيف، مع الحفاظ على الرقعة الزراعية و المعالم التراثية.

  4. الاستراتيجية لتأسيس جميع البنى التحتية لهذه المحافظة قبل وجودها بالإضافة إلى ربطها بسكة حديدية مع باقي المحافظات سيعطيها أهمية نوعية قد تساعد الناس في الاستثمار فيها كـ سكن أو كـ رافد اقتصادي.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×