حتى لا تكون فتنة “أمّيّة”…!

حبيب محمود

الفرنسيون مصرّون على حماية حرّية التعبير عندهم، من زاوية إصرارهم على حماية الرسوم المسيئة.

مسلمو العالم مصرّون على حماية مقدّساتهم، بالرفض القاطع للإساءة إلى مقام النبي (ص) بالرسوم الشائنة.

الفرنسيون مُصرُّون، أيضاً، على رفض الإرهاب، ومُصرّون، كذلك، على إلصاق القتلة بـ “الإسلام”، ونكايةً بهم يُفعّلون نشاطاً أمنياً واسع النطاق وغير مسبوق منذ أحداث صحيفة “شارلي إيبدو”، قبل أكثر من 15 سنة. ومُصرُّون، بلا تردد، في تكرار نشر الرسوم.

مسلمو العالم؛ متبرّؤون من إجلاس القتلة على كرسيّ مفاهيم الدين الإسلامي، ورسميّاً سجّلت حكومات ومؤسسات إسلامية دولية موقفها من “ناشر الرسوم” ومن “القاتل”، دونما مواربة أو تبرير..!

عقلية الغرب ـ والفرنسيين عيناً ـ لا يشغل بالها مفهوم “المقدس” في الأديان، لا دين المسلمين ولا دين غيرهم. حرّية التعبير ـ في العقلية الغربية ـ فوق كلّ اعتبار.

هل يبدو أننا أمام شكل من أشكال ما يُسمّى “صراع الحضارات”..؟ حضارة المقدس وحضارة التعبير..؟!

حضارة قائمة على إجلال أنبياء الأديان السماوية فيما قدّموا للبشرية، وحضارة أخرى قائمة على إجلال “الفرد” فيما يُعبّر عنه من رأي..؟

صحيح إن المسلمين ـ إجمالاً ـ رفضوا الإرهاب والقتل على خلفية معضلة الرسوم المُسيئة، بيد أنهم لن يقفوا على الحياد من إنتاج الرسوم المُسيئة وإعادة إنتاجها.

المسلمون ـ إجمالاً ـ رفضوا الرسوم، ورفضوا ترتيب أي عمل عنفيّ بسببها.

والعقلية الغربية ـ الفرنسية عيناً ـ لن تُقدّم خطوة نحو تفهّمها لطبيعة العقلية الشرقية وتفاهمها مع المسألة الدينية. العقلية الشرقية ترفض المساس حتى بالنبي عيسى، والنبي موسى، وسائر الأنبياء المحسوبين على الديانات السماوية. ولو صدرت إساءة في إحدى بلدانها لأيّ من الأنبياء؛ فسوف تُعمل كل تشريعاتها وإجراءاتها لمواجهة المتورط فيها.

وبالتأكيد؛ فإن إجراء أي دولة إسلامية لا يُعجب “الأمة الفرنسية” ـ والغربية ـ ولسوف تسمح لمؤسساتها الحقوقية أن تحرّك ميكنتها ضدّ سياسة أي دولة إسلامية تتصرّف على هذا الأساس.

لكنّ المغيَّب في هذه المساجلات “الأممية”؛ هو صرف نظر العالمين الأول والثاني عن مبدأ حقوقيّ تبنّته فرنسا، ومعها الدول الأربع التي أسّست الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية. هذا المبدأ وضعته الدول المنتصرة فيما سمّته “الشرعة الدولية” لحقوق الإنسان. وجعلت من “الحقوق الاجتماعية والثقافية” أساساً لرؤيتها وفحصها وتعاملها مع الحكومات.

الحقوق الاجتماعية والثقافية تشمل الأديان والعادات والتقاليد، بل تشمل حتى الطقوس التي لا يؤمن بها العالم الغربي. وتدافع المؤسسات الحقوقية الدولية عن هذه الحزمة بحثّ الحكومات على احترامها وإعطاء الأقليات حقّها في ممارسة شعائرها الخاصة.

لكن دول حقوق الإنسان؛ لم تُحرّك تشريعاً واحداً يؤمّن للأقليات الاحترام الكافي لما تحمله من عقيدة.

هذا البين البائن؛ يدعو إلى التساؤل عن مغزى حرية التعبير في بلاد تحترم حرية التعبير، وتؤمن بالحقوق الاجتماعية والثقافية في الوقت عينه، على النحو الذي لا يتعرض فيه مسلمون إلى إهانة ممثلة في مقدّسهم البشري الأعظم.. النبي..!

إنها فتنة أمّية ـ بمعنى أُممية ـ بذلت الحكومات الإسلامية من أجل تحاشيها كلّ ما في وسعها لفرز الإرهاب عن الإسلام، لكنّ الفرنسيين ما زالوا واقفين عند خطوتهم الأولى، خطوة “تقديس” فرد يُريد أن يُعبّر عن رايه…!

فماذا عن حقوق المسلمين الاجتماعية والثقافية.. وهم أمّة، جزءٌ منهم يعيشون على أرض فرنسا..؟

الإرهاب والعنف مرفوضان، مهما كان السبب.. لكنّ جرح كرامة أمة ليس شأناً هامشياً.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×