“ماما” سميحة تلحق بأمها.. مخلفة 520 يتيماً في تاروت عانت مرضاً غامضاً طوال الأشهر الخمسة الأخيرة

القطيف: ليلى العوامي

بعد 24 ساعة على وفاتها، حرصت زميلات المربية سميحة سعيد سلمان الصفار، اليوم (الثلاثاء) على إلقاء نظرة عن مكتبها الخالي منها في الروضة النموذجية التابعة لجمعية تاروت الخيرية، ما جدد أحزانهم، داعين الله لها بالرحمة والمغفرة، نظير عطائها الإنساني والاجتماعي والعلمي.

سميحة لم تكن مجرد معلمة عادية في الروضة، تداوم 8 ساعات، ثم تذهب إلى بيتها، “كانت كل شيء في المكان؛ الأخت والأم والصديقة للجميع”، فضلاً عن كونها “صانعة البسمة والفرح والسعادة في الروضة”.

وقع الفجيعة قد يكون أكبر على 520 طفلة وطفلة يدرسون في الروضة، فلقد “رحلت ماما سميحة”.

كانت سميحة تنعم بالصحة والعافية، حتى ما قبل 4 سنوات، إذ عانت من مرض “غامض” لم يُعرف له سبب، وقبل 150 يوماً، زادت معاناتها مع المرض، إلى أن اختارها الله إلى جواره، ورحلت آمنة مطمئنة أمس (الاثنين).

 

إنسانة نادرة

نائب محمد سعيد الصفار شقيق الفقيدة، رئيس جمعية تاروت، أخفى آلامه وشعوره بالحزن، وهو يتحدث لـ”صُبرة” عن مسيرتها وحياتها، قائلاً “تخرجت سميحة من جامعة الملك سعود في الرياض عام 1417هـ، حاملة بكالوريوس علم اجتماع، والتحقت في جمعية تاروت الخيرية متطوعة بعد 3 أشهر من التخرج، لتصبح مربية في روضة الطفل السعيد (الروضة النموذجية لاحقاً) قبل 25 عاماً، حيث بدأت مربية للأطفال، ثم وكيلة، ثم مديرة للروضة النموذجية، وحصلت على دورات عدة داخل الجمعية وخارجها، وكانت تشرف على معهد الجودة التعليمي في المنزل. تركيزها انصب على الناحية الفكرية”، مضيفاً “تميزت الراحلة بخصال قد تكون نادرة جداً هذه الأيام”.

وتابع الصفار “سميحة امرأة عطوفة وحنونة، تمد يديها بالخير إلى الجميع، إذ كانت تتفقد أصحاب الحاجات من الأسر الصغيرة والكبيرة، والأسر الفقيرة والمحتاجة بشكل عام، وتتواصل معي في هذا الشأن”.

وقال “كانت أختي بارة بوالدتنا المُقعدة، وترعى شؤونها بكل رحابة صدر من غير كلل أو ملل، إلى درجة أنني كنت أطلب منها أن تذهب معنا في رحلة ترفيهيه لساعات، وكانت تعتذر لأنها لا تستطيع ترك الوالدة حتى لو كانت معها العاملة المنزلية، وفي المستشفى، كانت سميحة لا تدع أحدًا يرافق أمنا غيرها، حتى بعد وفاة أمي، لم تترك زيارة قبرها يوماً واحداً”. 

وأضاف “اهتمت سميحة بصلة الرحم كثيراً، ولم تقاطع أحداً، وإن لم تزره، فكانت تتصل به هاتفياً، ملتزمة رعاية وشؤون المجلس الحسيني النسوي في المنزل على مدار العام، وكانت هي من تنسق لجميع أفراد العائلة وتجمعهم”.

سعيد الصفار شقيق المتوفاة.

قنوعة بارة

استرجعت ابنة عمتها ورود حسن الصفار ذكرياتها معها، وبدأت برثائها “يقف التفكير أمام هذا المصاب الجلل، لا نعرف من أين نبدأ أو ماذا نقول، رحلت الغالية على قلوبنا وفارقتنا بسمتها التي ملأت حياتنا، فهي مربية فاضلة بأخلاقها العالية وطيبة قلبها، كانت ابتسامتها مشرقة، لم تفارق محياها أبداً، وكانت ونعم البنت مع أمها، تحملت الكثير والكثير في رعايتها، حتى توفى الله الأم، وقبل أن يمر العام، لحقت سميحة بأمها، وكأنها لم تستطع أن تفارقها في الدنيا والآخرة”.

وأضافت ورود “أحبها الصغير والكبير، أمهات أطفال الروضة أمس بكين على رحيلها، كما تبكي الأخت عى رحيل أختها، أو الأم على ابنتها، لا لسبب سوى أنها كانت تساعد كل الناس، وأتذكر أنها كانت تفتح منزلها لتعليم الأطفال ممن ليس لديهم فصل دراسي”.

حب الأطفال

وحرصت مديرة الروضة المتقاعدة حميدة المعاتيق، على الحديث عن سميحة “الإنسانة والمربية والإدارية”، وقالت “عملنا معنا حوالى 23 عامًا، هي شخصية خفيفة الظل، مرحة، بشوشة، محبة للحياة، متفائلة، تتميز بحبها للأطفال وحب الأطفال لها، فهي وجهتهم صباحًا، حيث يمرون على مكتبها لأخذ القبلات والأحضان الدافئة، وينتظرون آخر الدوام بشوق كبير لسماع صوتها وبرنامجها التي اعتادت على تقديمه، وهو برنامج التحايا، وجملتها التي يعشقها الاطفال “تحية لأطفال فصل ذات همة عالية”.

تضيف “تعودت منها الاحترام والتقدير طوال فترة عملي معها، ملتزمة أوقات الدوام، وكانت قدوة في ذلك،  لا تحب التأخير أو الغياب حتى في أصعب أيامها، وأعني فترة مرضها، عاشت يتيمة الأب، لم أكن أراها مجرد موظفة وإدارية في فترة عملي معها، بل كانت أُختاً غالية على قلبي، وصديقة صدوقة، بل كنت اعتبرها ابنتي، وأسعد لسعادتها وأحزن لحزنها”.

تتابع حميدة “كنتُ اعتمد عليها، وأسند لها مهاماً لمساعدتي في إنجازها خارج أوقات العمل، وكانت تنجزها بإمتياز ودقة عالية، فضلاً عن كونها إحدى الاداريات الخمس المميزات في مجموعتنا التي ضمتنا، وعندما تريد ممازحتي أحيانًا، تناديني باسمي “حميدة”، حيث تخجل الموظفات من مناداتي به”، وكنت أحب سماع اسمي بصوتها، كما انني تعودت سماعها وهو تناديني بـ”مديرتي الفاضلة”.

تطرقت حميدة إلى فترة مرض سميحة “كُتب لي وأخواتي الإداريات أن نزورها خلال فترة مرضها، كنا كلما زرناها، اشتقنا أكثر لزيارتها مرة أخرى، فقد امتحنها الله بالمرض، وما هي إلا رسائل حب لمن يحبه الله ويهيؤه للقائه، فكانت أهلًا لهذا الامتحان”.

واختتمت حميدة حديثها قائلة “فقدت الروضة برحيلها مربية وإدارية لا تُعوض، يحزن القلب وتبكي العين عليكِ ياسميحة”.

فقدت أختاً

أما كيلة الروضة عقيلة السيد حيدر آل درويش، فقالت “تمتاز الفقيدة الحبيبة سميحة بشخصية مرحة محبوبة من الجميع، تتصف بخفة الدم، قريبة جدًا من الأطفال ومحبوبة منهم، جمعتني معها علاقة أخوية لأكثر من 20 سنة في العمل وخارجه، لا أستطيع ان أقول إلا أنني فقدتُ اختًا في زمن تقل فيه الاخوات”.

سميحة الروح

بصداقة ممتدة لـ17 عاماً، ربطت بين الفقيدة سميحة الصفار، وغالية آل قمبر المربية في إحدى الروضات الأهلية، قالت الأخيرة “نحن صديقتان، تعرفنا على بعضنا في الروضة، إذ كنت متطوعة وسميحة إدارية، لفت نظري إخلاصها في العمل، وروحها المعطاءة، كانت مثل النحلة، تتنقل بين الزهور، يحبها الجميع، توثقت صداقتنا عند الإمام الرضا عليه السلام، كانت ذكرى جميلة لنا، فعلاقتي بها مزيج مختصر لجمال الصداقة، نحلق دائماً بروحينا نحو أهل البيت عليهم السلام، تمنينا دائماً أن نسافر سوياً، ولكن لم يكتب لنا ذلك”.

وتابعت “سميحة قلب نابض بالحب والحنان، رقيقة حساسة، كنا نتنافس لمحبتنا لبعض، فكانت تقول لي مازحة ومداعبة: أنا أحبك أكثر، بيكون قصري في الجنه أكبر”. حتى مع آلالامها وتعبها، كانت معطاءة، صبورة بمعنى الكلمة، تخفي ألمها عمن حولها”.

تسعد الصغار

تسترجع هدى العلق مشرفة المنهج، ذكرياتها مع الراحلة “سميحه كانت قريبة إلى نفسي، وحينما كنت أناديها أقول لها “سمّوح”، فهي اختي ورفيقة دربي في العمل والحياة، هي نعم الأخت الحنونة التي تقف معك وقت الشدة، وتساعدك وقت الحاجة، كما أنها مزيج من القوة والحنان في تعاملها، وكانت تسعد الجميع بحضورها، تتواصل مع الجميع، تشاركهم أفراحهم وأحزانهم”.

وتضيف هدي “سميحة إدرايه مرحة، تسعد الأطفال بتحياها اليومية، وكان صوتها يومياً يعلو بترديد دعاء الحجة مع الاطفال، تسعد الصغار في رحلاتهم حتى يعودوا منها فرحين، ويهرعون لها ليعانقوها، كانت صديقة للأطفال، واستثمرت ذلك في معالجة سلوكياتهم الخاطئة، كانت تركض وراءهم وتحتويهم وتحبهم وتسمع لهم، وكانوا يحبونها ويستجيبوا لها.

وتختتم هدى حديثها قائلة “كانت الفقيدة مؤمنة قريبة من ربها، لا تترك الدعاء أبداً، حتى في الحافلة التي كانت تقلنا الى الروضة، كانت مشغولة بذكر الله وقراءة القرآن، حاولت جاهدة الالتحاق بالكثير من دورات القرآن، وهي خادمة للزهراء وأبناءها سلام الله عليهم، ورغم تعب العمل، كانت تعود إلى منزلها لتجهيز مأتم والدتها بكل احتياجاته، ورغم مرضها، لم تتوقف عن خدمة أهل البيت، سلام الله عليهم، وأتذكر أنها التحقت بدورات خطابة لتخدم الحسين بصوتها المبحوح، فهي إنسانة تحب الجمال والأناقة، وتعشق الزهور، وتهتم بالنباتات، هي شمعه إضاءت حياتنا، وفراشة تتطايرت حولنا  بحبها وعطائها”.

الرثاء شعراً

ولم تشأ الشاعرة وفاء حبيل أن تتحدث عن سيرة سميحة الصفار كمن سبقوها، ورأت أن ترثيها بأبيات شعر قالت فيها:

ياصباحَ الحزنِ عذرًا، قِف، تمهّل

هل صحيح ماسمعنا أم مُمَثّل؟

كيف خَطْفُ الموتِ للأزهارِ؟ قلْ لي

كيف سهم الموتِ يختارُ المفضّل؟

أفجعَ المحتومُ جمهورًا غفيرًا

وانتقى تاجًا أميريًّا مكلّل

دع لنا من صوتِها المبحوحِ شيئًا

ثم من بسْماتِها دعْ ماتهلّل

(سوسنُ)البستان سبقٌ (لسميحٍ)

إي خِفاف الظلِّ و النّعت المُرتّل

رحمةً ربي ونورًا في قبورٍ

تضمرُ الأحبابَ والجنةُ أجمل

 

اقرأ أيضاً:

[تحديث] تاروت تودع ابتسامة حسين.. مسرح سوسن.. نصائح علي والمربية سميحة

تعليق واحد

  1. إنا لله و إنا إليه راجعون
    رحمها الله بواسع رحمته و أسكنها الفسيح من جنانه مع النبي محمد وآله
    عظم الله لكم الأجر و الثواب وخلف عليها بالجنان في الفردوس الأعلى
    عظم الله لك الأجر أبو محمد و العائلة الكريمة
    الفاتحة لروحها الطاهرة و لأرواح المؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×