الصلاة في مساجد المسلمين من المذاهب الأخرى.. ومساجد الـ “ضِّرار” قراءة في فكر السيد السيستاني المتسالم
الشيخ علي الفرج
قد ينفرد بعض مراجع الدين في أحكام وفتاوى عن بقية عموم المراجع الآخرين، ومن أولئك المراجع السيد السيستاني في مسألة استحباب الصلاة في عموم مساجد المسلمين، وذلك في (منهاج الصالحين) صفحة 187 مسألة 561 نقرأ:
(تستحب الصلاة في المساجد من غير فَرْقٍ بين مساجد فِرَقٍ المسلمين وطوائفهم. نعم، يخرج حكماً بل موضوعاً، المسجد المبني ضراراً أو تفريقاً بين المسلمين، فإنه لا تجوز الصلاة فيه، وأفضلها المسجد الحرام..).
هذه المسألة من المسائل التي اختص بها السيد السيستاني فلم يذكرها غيره في هذا الكتاب.
نعم، ذكر المراجع الذين وضعوا فتاواهم في منهاج الصالحين بصيغة مختلفة، مثال:
(تستحب الصلاة في المساجد، وأفضلها المسجد الحرام..).
[راجع: منهاج الصالحين، السيد الخوئي، ج1 ص147، والشيخ وحيد الخراساني، ج2 ص165، والسيد محمد الروحاني، ج1 ص159.
ويذكر السيد محمد سعيد الحكيم، ج1 ص182] في نفس الكتاب: (يستحب إيقاع الصلاة في المسجد، بل في بعض النصوص أن الصلاة في المسجد فرادى أفضل من الصلاة في غيره جماعة. وأفضل المساجد المسجد الحرام..)
ويُعدّ أول مسجدٍ بني على الأرض هو المسجد الحرام، ثم من بعده المسجد الأقصى، وقد كان هذان المسجدان العظيمان موجودين قبل حياة النبي (ص)، ثم بنى (صلى الله عليه وآله) مسجداً ثالثاً، هو مسجد قباء بأطراف المدينة، ثم أسس المنافقون مسجداً رابعاً بالقرب منه، وهو مسجد بُني لإضرار المسلمين، وسمي فيما بعد (مسجد ضرار)، وذكر في القرآن قوله تعالى:
{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ. لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}.
تعليق
- (ضِرَارًا) يعني إلحاق الضرر بالمسلمين، وكلمة الضرار تعني الإضرار العمدي.
- (وَكُفْرًا) أي بعض ما يفعله الرسول (ص) يعتقدون أنه كفر.
- (وتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي للتفريق بين المسلمين وشقّ صفوفهم، وقد ذكر بحسب الظاهر أنّ كلمة (المؤمنين) يقصد (المسلمين)، ولكن ليُخرج المنافقين الذين يتظاهرون بالإسلام، ويبطنون الكفر.
- (وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ) أي ترقباً في المستقبل بأن يكون مسجدهم المركز الأساسي لدحض المشاريع الإسلامية، وفي هذا محاربة لله ورسوله (ص).
وقد ألحق بعض العلماء بذلك ما يُبنى رياءً وسُمعةً، قال القرطبيّ:
(وكلّ مسجدٍ بُنِي على ضِرار، أو رياءٍ وسمعةٍ، فهو في حُكم مسجد الضِّرار؛ لا تجوز الصّلاة فيه). [ www.islamweb.net].
وعودة إلى مسألة السيد السيستاني: (نعم، يخرج حكماً بل موضوعاً المسجد المبني ضراراً أو تفريقاً بين المسلمين فإنه لا تجوز الصلاة فيه)، يعني الصلاة فيها حرام (حكماً)، بل لا نعتبر هذا المبنى مسجداً (موضوعاً)، أي لا يترتب عليه أحكام المساجد.
ولأنّ مسجد ضرار مثال للمسجد الذي يُفرّق بين المسلمين، ذكر السيد السيستاني (المسجد الذي يفرّق بين المسلمين) تأكيداً، ولأنا قد ابتلينا في الزمن الحالي بمثل هذه المساجد.
سؤال مهم وجواب
عندما يحتدم النقاش حول صحة مذهب الشيعة وبطلان مذهب السنة، أو بالعكس، فهل يعتبر هذا تفريقاً بين المسلمين؟
لا تخلو المناقشة حول هذه القضية من أحد مسارين:
المسار الأول:
أن تتم المناقشة بين الأطراف بموضوعية وأدلة علمية قائمة على مقارعة الحجة بالحجة في وسط يسوده الهدوء والاحترام والتقدير لجميع الأطراف، حتى نصل إلى الحق فنأخذ به، ويظهر الباطل فنتركه.
هذا المسار هو الذي ينبغي أن يكون، ولا شك أنّ كل طرف سيثاب على عمله بحسب نيّته.
المسار الثاني:
هو أن تتحول المناقشة بين الأطراف إلى هرج ومرج، فيقوم كلّ طرف بشتم الآخر ولعنه وتهييج جمهور الناس وتعبئتهم لكراهية الآخر وإقصائه وإخراجه من دائرة الدين إلى دائرة الفسق أو الكفر، بل البعض يجزم بأنّ مصيره النار في الآخرة.
مثل هذا الفرد أو الجماعة ينطبق عليها عنوان المفرّق بين المسلمين، وبسلوكه – قولاً وفعلاً – يكون قد ارتكب إثماً يتحمّل وزره.