[ميناء القطيف 32] صور: خيرات الأسماك.. حـِتْ.. وقَصيب.. وادغي وقُمبار
[من أوراقي 32]
ميناء القطيف
مسيرة شعر وتاريخ
عدنان السيد محمد العوامي
الأسماك
(1)
وَهُوَ الَّذِيْ سَخَّرَ اْلْبَحْرَ لِتَأْكُلُوْاْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِليَةً تَلْبَسُوْنَهَا، وَتَرَى اْلْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيْهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُوْنَ}. النحل: ١٤.
حديث اللؤلؤ انتهى بخيره وشره، بأفراحه وأكداره، وبقيت ذكرياته، وسفنه تمخر العباب ذاهبةً آيبة موسقة بأقوات الناس، وهي الأهمُّ من اللؤلؤ والصدف، والمرجان، فتلك حِلِيُّ ترف، وزينة بطر ورفاه، وأما عملها بعده فضرورة عيش وغذاء حياة، ومن نِعم الله على هذا الساحل، أن وهبه الماء عذبَه وأجاجه، فمن العذب ريُّ وغذاءِ، ومن الأجاج حُلًى وطعاما. فسبحانه جلت قدرته، وشكرانه على ما وهب وأنعم.
أصناف السمك وأسماؤه
لأهل القطيف تصنيفات عدة للأسماك،
فالصغير منها يسمونه: “حِتّْ”،
والكبير في عرفهم قَصيب، لأنه يقصب، أي يقطَّع،
وما يصطاد بالحبل يسمونه “ادغى”، وما يصطاد بالمشعل والصاخوب يسمونه كمبار (قمبار)، وهكذا، كما سنفصله لاحقًا عند الحديث عن وسائل الصيد.
أولاً – القصيب
فرش
ارتبطت حياة أبناء الخليج والسمك، برباط وثيق، استحكم في وجدانهم، فدخل موروثهم الأدبي والفولوكلوري، فمدحوه وذموه، وضربوه في أمثالهم، فقالوا: “عوماية، ميكوله ومذمومة”أي يأكلونها ويذمونها، أما آخر الأصناف المذكورة في هذه القائمة، وهي السبيطية، فقد دخلت براحة الأدب من أوسع أبوابها، منذ تطاولت معتدية على أشهر شعراء الخليج في وقته الشيخ جعفر الخطي، وشجت وجنته اليمنى، فهجاها هجاء لم يهج قبلها ولا بعدها من الحوت بمثله.
برغم العوالي والمهنَّدة البُتْر
دماء أسالتها سُبيطية البحر
ألا قد جنى بحر البلاد وتوبلي
عليَّ بما ضاقت به ساحة البرِّ
فويلُ بني شنِّ بن أفصى وما الذي
رمتهم به أيدي الحوادث من وِتْر
دمٌ لم يُرَق من عهد نوحٍ ولا جرى
على حدِّ نابٍ للعدوِّ، ولا ظفر
تحاشته أطراف القنا وتعرَّضت
له الحوت، يا بئس الحوادث والدَّهر
لعمر أب الأيام إن باء صرفها
بثأر امرئ من كل صالحةٍ مثري
فلا غروَ، فالأيام بين صروفها
وبين ذوي الأخطار حربُ إلى الحشر
ألا أبلغ الحيَّين بكرًا، وتغلِبًا
وما الغوثُ إلا عند تغلِب أو بكر
أيرضيكما أن أمرءًا من بنيكما
وأيَّ امرئ للخير يدعى وللشر
يراق على غير الظبى دم وجهه
ويُجرى على غير المثقَّفة السُّمر!
وتنبو نيوب الليث عنه وينثني
أخو الحوت عنه داميَ الفم والثغر
ليقضي امرؤٌ من قِصتي عجبًا فمن
يُرد شرح هذي الحال ينظر إلى شِعري
أنا الرجل المشهور ما من محلة
من الأرض إلا قد تخللها ذكري
فإن أُمسِ في قطر من الأرض إن لي
بريدَ اشتهار في مناكبها يسري
تولَّع بي صرف القضاء ولم تكن
لتجري صروفُ الدهر إلا على الحرِّ
توجّهَت من مِرِّي ضحىً فكأنما توجهت من مري، إلى العلقم المُرِّ
تلجَّجت خَوْر القريتين مشمِّرًا
وشبلي معي والماء في أول الجزْر
فما هو إلا أن فُجئت بطافرٍ
من الحوت في وجهي، ولا ضربة الفهر
لقد شقَّ يُمنى وجنتيَّ بنطحة
وقعت لها دامي المحيَّا على ظهري
فخُيِّل لي أن السماوات أطبقت
عليَّ، وأبصرت الكواكب في الظهر
وقمت كهدْي ندَّ من يد ذابحٍ
وقد بلغت سكِّينُه ثغرةَ النحر
يطوِّحني نزف الدماء كأنني
نزيف طُلا مالت به نشوة الخمر
فمن لامرء لا يلبس الوشيَ قد غدا
وراح موشَّى الجيب بالنقط الحمر
ووافيت بيتي ما رآني امرؤٌ ولم
يقل: أو هذا جاء من ملتقى الكرِّ؟
فها هو قد أبقى بوجهي علامةً
كما اعترضت بالطِّرس إعرابةُ الكسر
فإن يمحُ شيئًا من محيَّايَ أثْرُها
بمقدار أخذ المحو من صفحة البدر
فلا غرو، فالبيض الرقاق أدلهُّا
على العِتق ما لاحت به سِمَة الأثر
وقل– بعد هذا – للسبيطية أفخري
على سائر الشجعان بالفتكة البِكْر
وقل للظبى فيئي إليك عن الطُّلى
وللسُّمر لا تهززن يومًا إلى صدر
فلو همَّ غير الحوت بي لتواثبت
رجالٌ يخوضون الحِمام إلى نصري
فأما إذا ما عزَّ ذاك ولم أكن
لأدرك ثأري منه ما مدَّ عمري
فلست بمولى الشعر إن لم أزجَّه
بكل شَرود الذكر أعدى من العُرِّ
يُخاف على من يركب البحر شرُّها
وليس بمأمونٍ على سالك البرِّ
تجوس خلال البحر تطفح تارةً
وترسو رسوَّ الغيص في طلب الدر
تناولُ منه ما تعالى بسبحه
وتدرك – دون القعر – مبتدِر القعر
لعمر أبي الخطي إن بات ثأره
لدى غير كفء وهو نادرة العصر
فثأر علي بات عند ابن مُلجمٍ
وأعقبه ثأر الحسين لدى شِمْر
* * *
يُتبع