الصغير فارس يمسك “البلابل” بـ”اللهيب المستعر”.. ويد مشلولة خضع لـ5 عمليات جراحية في 3 دول ويحلم ببطولة العرب في "بي بليد"

سيهات: شذى المرزوق

هل تستطيع أن تصطاد البلابل؟ فارس عبدالعزيز الناصر يستطيع، وبأصبعين فقط، في نهاية يده اليُمنى “المشلولة”.

إن كان هذا الطفل “عنيداً”، لكنه ليس قاسي القلب ليصطاد بُلبُلاً من على شجرة أو جدار، بل من خلال لعبة اشتهرت عالمياً وعربياً اسمها “إطلاق البلابل”، تعتمد على مهارات التحكم في اليد و”البُلبُل”، ونالت شهرة واسعة بعدما بثتها قناة موجهة للأطفال.

فارس يتلقى التأهيل.

شلل دماغي

فارس طفل (9 أعوام)، مصاب بشلل دماغي، يعاني من صعوبة في استخدام يده اليُمنى، وكذلك رجله اليُمنى، فهو يتنقل على كرسي مُتحرك، لكن ذلك لم يمنعه من تعلم اللعبة، بل إتقانها، والتفوق فيها، ويحلم أن يصبح “بطل العرب” في هذه اللعبة.

يملك هذا الصغير إرادة وعزم وتصميم لا يلين، فلم يقتصر الأمر على اتقانه اللعبة، بعد تنمية مهاراته في استخدام يده بعدما درب أنامله الصغيرة على إمساك وإطلاق بلبله المفضل “اللهيب المستعر”، واضعاً كل ثقله على اصبعين فقط من يده اليمنى التي يعاني صعوبة في التعامل بها، بل تجاوز ذلك إلى تطوير مقبض الإطلاق.

ومع أن الفكرة لم تتجاوز جدران منزله، ومسامع والديه؛ إلا أنه نال الدعم والتأييد منهما أولاً، ومحيطه لاحقاً، وشارك في مسابقة “بطل العرب لأفضل إطلاق بلابل” (بي بليد)، بطموح وحماس لتحقيق حلمه في صنع اختراع صغير باسمه.

درة تدفع الكرسي المتحرك لشقيقها فارس.

فارس يُعرف بنفسه

بنبرة واثقة، ومخارج حروف واضحة، وعفوية طفل متحمس؛ يُعرف فارس عن نفسه، قائلاً لـ”صبرة”، “أنا فارس عبدالعزيز الناصر، عمري 9 سنوات، أدرس في الصف الرابع الابتدائي في مدرسة أبو تمام بسيهات، لديّ اخت صغيرة اسمها درة، أحب أن اتعلم وأجرب كل شيء”.

فارس الفخور بوالده؛ أضاف “سأحاول أن اكون فناناً مثل البابا، فقد شاركته هوايته؛ النجارة، وقمت بمحاولات عدة للرسم”.

يمارس هوايته “البي بليد”.

الهواية التي يعشق

تعرف فارس على لعبة “البي بليد” أثناء رحلة علاجية في مدينة الأمير سلطان الطبية بالرياض، حرص بعدها على متابعة حلقات المسلسل الكرتوني في “يوتيوب”. وأضاف لذلك متابعته البرامج التي تشرح عمل “البلابل”، وما تعنيه كل قطعة.

بخيال واسع وسرعة بديهة وثقة في النفس، استخلص فارس مجموعة أفكاره، التي تتمحور حول هوايته التي يمارسها بإصرار، متحدياً ظروفه الصحية التي تعيق حركته، وتوصل إلى فكرة تطوير المقبض الذي كان يُفلت من يده خلال المحاولات المتكررة، حتى تمكن منه أخيراً.

عبدالعزيز والد فارس بعد عملية جراحية.

4 عمليات جراحية

جسد فارس النحيل خضع لأربع عمليات جراحية حتى الآن، كانت أولها وهو رضيع قبل أن يكمل عامه الأول. تقول والدته زهرة المسكين، وهي خريجة صيدلة، وموظفة في شركة أدوية، “العمليات الجراحية التي خضع لها فارس كانت لعلاج خلع في الورك، وأخرى لتطويل اوتار اليد”.

تضيف المسكين “كل هذه العمليات كانت لتحسين وضعه الصحي، ليصل إلى مرحلة يترك فيها الكرسي المُتحرك، ويعتمد على نفسه”.

كل ما كان يزعج فارس هو “الألم، الألم والألم، فبعد كل مرحلة عمرية، هناك فترة علاج جديدة، وما علينا الا تهدئته وتخيل مستقبله بلا كرسي، كنا نسليه بأنه يمكن أن يمشي ويركض ويلعب. وكان هذا أحد الدوافع الأساسية التي عملنا عليها ليكون مسكن ألم له”، وفقاً لما قالته أم فارس.

أثناء التأهيل العلاجي.

من البحرين للهند فمدن سعودية

بدأت رحلة علاج فارس من مركز بحريني، انتقل بعدها إلى الهند حين كان في الخامسة، هناك خضع لعملية جراحية. تابع علاجه لاحقاً في مركز الأمير نايف لتأهيل الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة بالظهران، مع الاخصائية كريمة.

تنقل الصغير بعدها بين مراكز علاج في: سيهات، القطيف، الدمام، الرياض، والخبر في مستشفى سعد التخصصي (قبل إغلاقه)، حيث استكمل علاجه، وخضع لعملية أخرى في مدينة الأمير سلطان بالرياض، وسيخضع لأخرى بعد شهرين.

اهتمام كبير يحظى به فارس من إدارة ومدرسي وزملاء المدرسة.

اهتمام مدرسة وحب زملاء

العمليات الجراحية المتعاقبة، والتنقل بين الدول والمدن، لم تُثن هذا الصغير عن الدراسة، تقول أمه زهرة المسكين “فارس طفل محبوب، حظي بحب واهتمام معلميه الذين تابعوا معنا رحلاته العلاجية بتفاصيلها، وله أصدقاء كُثر”.

مع أن فارس رُفض من مدرستين، بحجة وضعه الصحي، إلا أن أمه تحمد الله أن تم قبوله في مدرسة أبو تمام الابتدائية في سيهات، تقول “تم احتضان ابني من الإدارة والمعلمين والزملاء في المدرسة، الذين يتسابقون لمساعدته، فهذا يُسارع لمناولته طعامه، وآخر يُبادر لاستخراج كتبه من الحقيبة، وثالث يُقبل مسرعاُ للجلوس بجانبه، ما جعله شغوفاً في المدرسة وأصحابه فيها”.

خارج المدرسة؛ لدى فارس أصدقاء من مناطق سعودية عدة، كوّن علاقات معهم خلال فترة علاجه في الرياض، بعضهم يشاركه هواياته واهتماماته.

طيف واسع من الصداقات يملكها فارس.

حساس لكنه طموح

يشيد عبدالعزيز الناصر، والد فارس، بطموح ابنه “الذي لا يعرف الاستسلام”، لكنه يصفه بـ”حساس الشعور، والمُبادر لتكوين صداقات والمُحب للسؤال والاستكشاف، إضافة إلى تفضيله الحديث مع الكبار”.

يكمل الأب حديثه لـ”صُبرة” “بالتشجيع المستمر، وتوفير الاحتياجات والمساندة والدعم؛ استطاع فارس أن ينمي مهاراته بشكل لافت، ما يجعله مصدر فخرنا واعتزازنا”.

فارس مع والده عبدالعزيز وشقيقته دره.

مشجعون من كل مكان

تشجيع فارس لا يقتصر على الأهل، إذ لاقاه من مدرسيه، ومن أهالي منطقته، ومتابعيه في “يوتيوب” أيضاً من خارج المنطقة، إذ حظي خلال الأيام الثلاثة الأولى بعد تدشين قناته، بمشاهدات وصلت إلى 2273، فضلاً عن 758 إعجاباً، و231 مشتركاً، و135 تعليق مُحفز له.

يقول والده “لكم أن تتخيلوا مدى سعادة فارس بالتعليقات والدعم الجميل الذي ناله”، مستعرضاً صور التحفيز التي لقيها ابنه خلال مشاركاته في الأنشطة الرياضية المدرسية التي أولاه فيها مدرس الرياضة البدنية كل الاهتمام، عبر مساعدته في المشاركة بما يتناسب مع وضعه.

 

في أحد التمارين.

 

مع اخته درة.
يمارس هواياته.
تأهيل علاجي.
شهادات تفوق نالها فارس.
يقرأ القرآن الكريم.
يشارك زملاءه الطلاب الاحتفال باليوم الوطني العام الماضي.
يتريض في الكورنيش.
يراقب والده وهو يمارس هوايته؛ النجارة.
في سنواته الأولى.

‫6 تعليقات

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×