[تعديل] فتنة الكوامل الصدقة أولى من الاعتماد على رواة مجهولين عند الفقهاء والمراجع وعلماء الرجال

الشيخ علي الفرج

واحدة من المفردات التي كثر حولها الجدل في الساحة الإسلامية، مفردة (الكوامل)، وهي سبعة أيام محددة من كلّ شهر، وفيها حذّر بعض طلبة العلم الفضلاء من إجراء عقود الزواج في الأيام النحسة؛ لأنّها تخلق الشؤم والفقر، والتفريق بين الزوجين، وكذلك يخشى عليهما من الموت في عامهم أو ارتكاب المرأة للزنا، أو إصابتها بالعقم، وغير ذلك مما ذكروه، وهذه بعض الليالي المحددة عندهم:

1- الكوامل، وهي: 3 – 5 – 13 – 16 – 21 – 24 – 25
2 – ليالي المحاق، وهي الليلتان أو الثلاث من آخر الشهر.
3- الليالي التي يكون القمر في العقرب، وقد تكون ليلتين أو ثلاث ليال.
4- الليالي التي تكون منازل القمر فيها شديدة النحوسة، حتى قيل: لا تندفع نحوستها بالصدقة، وقد تتضاعف إذا صادفت أياماً كوامل.

رأي وتعليق
وفي مقابل تحديد الليالي أو الأيام المذكورة في بعض الكتب، أودّ تسجيل بعض الملحوظات باختصار كثير، من واقع بحث وتتبّع في الكتب ذات العلاقة بموضوع الكوامل أو غيره من الأيام المنحوسة، فأقول:

(1) إنّ الروايات التي تناولت مفردة النحوسة، روايات مرسلة أو ضعيفة، كما أنّ أكثر رواتها مجهولون بحسب تصنيف علماء الرجال، فضلاً عن أنّ بعض رواة أمثال هذه الروايات لم ترد أسماؤهم في مصنفات علم الرجال أصلاً.
كما أننا لا نعلم من حدد أيام الكوامل بالخصوص.

وممن احتفل بمثل هذه الروايات، رضي الدين ابن طاووس (664هـ)، فأكثر كتبه تتضمن سرد الأدعية والأحراز وفضائل أهل البيت (ع)، وما يمكن إدراجه من موضوعات تحت هذه القائمة، فدونك، مثلاً، كتب:
– المهمّات والتتمات،
– كشف المحجة لثمرة المهجة،
– مصباح الزائر وجناح المسافر،
– الملهوف على قتلى الطفوف،
– مهج الدعوات ومنهج العبادات.
ومن ذلك أيضاً: (الدروع الواقية) و(الأمان) اللذان فيهما موضوعنا.
كما اهتم بها الطبرسي – من علماء القرن السادس الهجري – في كتاب (مكارم الأخلاق)، ونفهم من ذلك أنّ في زمن الشيخ الكليني (ت 329هـ) والشيخ الصدوق (ت 381هـ) والشيخ الطوسي (ت 460هـ) وكتبهم الأربعة الأصلية، لا نجد أثراً لأغلب هذه الروايات حول الكوامل والنحوسة، فلا يبعد أنّ أغلبها روايات مخترعة في زمن ابن طاووس أو قبله بقليل، وانتشرت في بداية ذلك الزمان.

(2) ذكر السيد ابن طاووس في كتابه الدروع الواقية مثالين من الرواية، وهو (الثالث عشر يوم نحس مستمر فاتقوا فيه جميع الأعمال)، كذلك (السادس عشر رديء مذموم لكلّ شيء)، وأمثال هذه التوصيات التي تجعل الإنسان كسولاً مشلولاً في أمثال هذه الأيام، ولا نتصور أنّ الدين يريد منّا ترسيخ مثل هذه الأحكام في أذهان متعبّديه.
كما أن مرويات الأيام المنحوسة بشكل عام متضاربة، مثال: عن أبي عبد الله (ع): اتق الخروج إلى السفر في اليوم الثالث من الشهر .. والخامس والعشرين منه. مكارم الأخلاق – الشيخ الطبرسي – الصفحة ٢٤١
وعن أبي عبد الله (ع): اليوم الخامس والعشرون من الشهر يوم جيد مبارك، فيه ضرب موسى البحر فانفلق، وهو صالح غير أن من تزوج فيه فرق بينهما كما فرق بين البحر. الدروع الواقية – السيد ابن طاووس – الصفحة ٢٦٥
(3) ذكر الفقهاء العظام (حفظهم الله) في كتبهم الفقهية وبالخصوص باب النكاح مسألة الكوامل مثل الشيخ محمد حسن النجفي في (جواهر الكلام)، والسيد اليزدي في كتابه العروة الوثقى، وما فيها من تعليقات الفقهاء الكبار، كما ذكر الامام الخميني ره في كتاب تحرير الوسيلة.
ولم يثبت عندهم كراهة عقد الزواج أو ليلة الزفاف في ليالي الكوامل بدليل ناهض، كما أنّها على فرض صحتها، تندفع بالدعاء والصدقة، وأنت تعلم أنّ الصدقة من العبادات المحبوبة عند الله في أيّ وقت، وقد تواترت الروايات بالحث عليها لدفع البلاء والأخطار وزيادة الرزق وطول العمر.
(4) توجد رواية صحيحة وحيدة عند بعض العلماء وهي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: “من سافر أو تزوج والقمر في العقرب لم يَرَ الحسنى” [الكافي ٨/ ٢٧٥]،
وعندنا بعض النقاط حول هذه الرواية وهي:
أولاً: مخالفتها للعقل السليم الذي يعتبر الكون كلّه وعاءً وظرفاً لا يتغيّر بعمل الإنسان، سواء أكان حسناً أو سيئاً، وقوله تعالى: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ) لم يعتبر النحوسة في الأيام ذاتها، بل إنّ النحوسة تلصق بعمل الإنسان نفسه، فربما في يوم واحد يكون يوم مبارك في قرية، وفي قرية أخرى يوم منحوس.

ثانياً: يمكن تخريج هذه الرواية بطريق آخر في قوله (لم يَرَ الحسنى) فكلمة (الحسنى) مبالغة في الحُسْن؛ لأنّ الحُسْنَى مؤَنَّث الأَحسن، فيمكن أن يرى الشيء الحسن وإن لم يبلغ الشيء الأحسن.

ثالثاً: إنّ الظاهر في كلمة (التزوج) في الرواية يعنى العقد، وهو الملازم لعدد من الأحكام الشرعية كترتب بداية الزوجية أو نفقة الزوجة.
وأغلب الناس إنّما يهتمون بالكوامل في ليالي الزّفاف، فلا يوجد دليل واضح على الكراهة في ليلة الزفاف.

(5) إنّما تساهل المراجع في مسألة النحوسة والكوامل؛ لقاعدة التسامح في أدلة السنن، قال السيد محمد الشيرازي: لم أجد به نصًّا في هذه العجالة، ولكنّ باب التسامح واسع .(تعليقة العروة، ج ٢، ص ٥٩٩).
بمعنى التساهل في الإفتاء في الأحكام غير الإلزامية، أي المستحبات والمكروهات، سواء ضعف سندها أو ضعف القرائن الموجبة لوثوق الخبر، كما توسع بعضهم بفضائل أهل البيت (ع) للكرامات والمعاجز وقصصهم التاريخية والأخلاق والمواعظ، ولكنّ كثيراً من العلماء الحداثيين المعاصرين يرون أنّ قاعدة التسامح في أدلة السنن لا تخلو من مشكلة وخلل علمي وعملي، بل إنّ من الفقهاء من خالف هذه القاعدة، فقد طرح صاحب الحدائق (قدّس سرّه) قوله: «والقول بأنّ أدلّة الاستحباب ممّا يتسامح فيها، ضعيف، وبذلك صرّح في المدارك» [الحدائق الناضرة 4/198]، ويقول المرحوم السيّد الحكيم (قدس سره) أيضاً: «أمّا قاعدة التسامح في أدلّة السنن فغير ثابتة» [مستمسك العروة الوثقى 7/171].

(6) وبفرض صحة روايات النحوسة وأيام الكوامل، فثمّة روايات معارضة لها، وهذه المرويات المعارضة أكثر انسجاماً مع مضامين الآيات القرآنية الشريفة ومعطيات العقل السليم، فمن ذلك رواية معتبرة عن أهل البيت (ع): “لا تسبّوا الرياح فإنّها مأمورة، ولا تسبّوا الجبال ولا الساعات ولا الأيام ولا الليالي فتأثموا وترجع عليكم) [علل الشرائع 2/264].
وعن عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال: تصدق واخرج أي يوم شئت. [مكارم الأخلاق ٢٤٣].
وعن ورّام ابن أبي فراس في كتاب (تنبيه الخواطر ونزهة النواظر)، قال: قال عليه السلام: “لا تسبّوا الدنيا، فنعم المطيّة الدنيا للمؤمن، عليها يبلغ الخير، وبها ينجو من الشّر، إنه إذا قال العبد: لعن الله الدنيا، قالت الدنيا: لعن الله أعصانا لربّه”. [جامع أحاديث الشيعة – السيد البروجردي ٦/ ٣٤٩].

ربّ مشهور
وأما المتعارف بين الناس من أنّ شهر صفر شهر نحس؛ فهذا ليس له أصل شرعي، نعم هناك رواية تقول إنّ يوم وفاة النبي في شهر صفر، فعمّت الأمة حالة نفسية من الحزن بوفاته صلى الله عليه وآله، فكان يوم نحس، لا أنّه يوم نحس تكويناً دون غيره من الأيام.

صفوة القول
ينبغي لعموم المؤمنين، وللشباب بصورة أخصّ، أن يكونوا على درجة من الوعي والفطنة، فلا نعمل بمضامين كلّ الروايات التي تطرق سمعنا من هنا وهناك، أو نطالعها في كتب لا نعلم شيئاً عن مؤلّفها أو جامعها، ولا عن الظرف الزمني الذي دوّنت فيه، فمهما علا شأن المؤلِّف – والاحترام والتقدير للجميع- فلن يخرج عن كونه بشراً يسري عليه قانون الخطأ والغفلة وعدم التحقق من صحة ما اعتمده في مؤلَّفه، لذا تبرز هنا أهميّة سؤال أهل العلم والمعرفة عن مضامين روايات أو إرشادات أخلاقية قبل العمل بها، ولا سيّما إذا كان في مضامينها ما يدعو إلى إعمال الفكر والبحث عن جواب لا يتعارض مع مسلّمات وبديهيات القرآن الكريم.

ثم يأتي أمر التوكل على الله قبل الشروع في أداء أيّ عمل، فإنه لا شيء يكون إلا بقدرة الله، فلا يعطّل الإنسان أو يسوّف في إنجاز أيّ عمل يرتقى به إلى مصافّ العاملين المنجزين الذين يتحقق بهم وبأعمالهم عنوان الاستخلاف في الأرض.

‫3 تعليقات

  1. وش المشكله لو عمل الناس بها هل تضر بهم وانت ذكرت انه يوجد روايه صحيحه ولا نحتاج الى عقل ناقص يحكم لنا ومايحتاج

  2. من أي رسالة حذفها السيد السيستاني دام ظله يا شيخ ؟ إن كان من المسائل المنتخبة أو منهاج الصالحين فالمسألة غير مذكورة فيهما أساساً ، وإن كان من العروة – حيث ذُكرت المسألة – فتعليقة السيد لم تشمل باب النكاح !! قليلاً من الدقة قبل إطلاق العناوين الفاقعة

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×