في ذكرى وفاته.. حسن السبع.. خسر تجاعيده.. بابتسامته [17] بستان السيحة وسمر في الذاكرة
في مثل هذا الأسبوع من عام 2017؛ وتحديداً في مثل يوم أمس؛ واصلت صحته تدهورها، وفاضت روحه إلى بارئها عن 72 عاماً عاشها باسماً بشوشاً شاعراً كاتباً.. إنساناً فيه غمرة من اللطف والذوق والأناقة.. ومعها البساطة. حسن إبراهيم السبع، الشاعر السعودي المولِع بالفكاهة والجد معاً. وهذه الحلقة التي أعدّها الأستاذ عدنان العوامي؛ إكرامٌ لذكراه.. رحمه الله.
حسن إبراهيم السبع:
ابتسموا فإنكم لن تخسروا سوى تجاعيدكم
من لم يطربْه العود وأوتارُه، والربيعُ وأطياره، فذلك فاسد المزاج، يحتاج إلى علاج
أبو حامد الغزالي
قال السماء كئيبة! وتجهَّما
قلت: ابتسمْ، يكفي التجهُّم في السما
قال: الصِّبا ولَّى! فقلت له: ابتــسم
لن يُرجِع الأسفُ الصبا المتصرِّما
قال: التي كانت سمائي في الهوى
صارت لنفسي في الغرام جــهنَّما
خانت عــــهوديَ بعدما ملَّكـتُها
قلبي , فكيف أُطيق أن أتبسـَّـما؟
قلـــت: ابتسم، واطرب، فلو قارنْتَها
لقضيتَ عــــمرَك كــلَّه متألما
إيليا أبو ماضي
فِيَّ انقِباضٌ وحشمَةٌ فإذا
لا قَيتُ أَهلَ الوَفَاءِ وَالكَرَمِ
أَرسَلتُ نَفسي عَلى سَجِيَّتِها
وقُلتُ ما قُلتُ غَيرَ مُحتَشِمِ
ابن كناسة محمد بن عبد الله المازني الأسدي
إياك أن تحسِب هذه المُلَحَ المرحةَ الضحوك صادرةً من سفهاءَ أو مُجَّانٍ عديمي الأدب والحياء، بل هم علماءُ ذوو سموٍّ، وأدباء ذوو مكانة، إنما عندهم (لكل ساعة لبوس، وللجِد أوقات وللمرح ساعات)، فقد روي عن النبي محمد (صلى الله عليه وآله) قوله: روِّحُوا القلوبَ ساعةً بعد ساعة، فإنَّ القلوب تَكِلُّ، فإذا كلَّت عميت، وفي حكاية الصحابيين نعيمانَ وسويبط – وهما بدريَّان، كما لا يخفى- ما يكفينا عظةً في حكم المرح والدُّعابة.
وفي التراث مئات المؤلفات والكشاكيل الزاخرة بحكايات الملَح والمرح، وقصص الهزَل، والنكت والطرائف، ومع ما عرف عن علماء الدين من حشمة ووقار تصلان حدَّ التزمُّت، فلهم حكايات ضاحكة مضحكة، لم يأنفوا منها، وفيهم مراجعُ تقليد، وبعض مؤلفاتهم تدرَّس لطلبة العلوم الدينية في الحوزات العلمية، مثل كتاب (الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة)، للشيخ يوسف بن أحمد بن إبراهيم آل عصفور الدرازي البحراني صاحب هذا المؤلف الجليل ترك – إلى جانب مؤلفاته العلمية الأخرى، كلؤلؤة البحرين – كشكولا أسماه (أنيس المسافر، وجليس الخاطر)، وهو يعلل سبب تأليفه له بجملتين أقصر ما تكون الجمل: (حيث إن المسافر – مع الوحدة – يحتاج إلى الأنيس، والخاطر – مع فقد المسامر – يضطرُّ إلى الجليس)، ومن هذا التعريف للكتاب نفهم محتواه، ومثله كشكول الشيخ بهاء الدين العملي، والسيد نعمة الله الجزائري (زهر الربيع)، على سبيل التمثيل لا الحصر، وقد أدركنا من العلماء من امتاز بالدعابة وسرعة البديهة، حتى اشتهر بهما؛ كفضيلة الشيخ ميرزا حسين البريكي، والملا صادق المرهون. رحمهما الله تعالى.
مع ذلك لا يعدم الباحث في التراث من المبرطمين، المتجهمين ممن يردعك عند أدنى بادرة للفرح، ألم تقرأ نصائح ابن الوردي؟:
اعتزلْ ذكرَ الأغاني والغزلْ
وقلِ الفصلَ وجانبْ مَنْ هزَلْ
ودعِ الذكرى لأيامِ الصِّبا
فلأيامِ الصِّبا نجمٌ أفلْ
إنَّ أحلى عيشةٍ قضيتُها
ذهبتْ لذاتُها والإثمُ حلْ
وأيُّ إثمٍ أكبر من هذه السوداوية القاتمة القانطة, يا ابن الوردي؟
السبع.. الوقور الباسم
الحقيقة أن سميرَ هذه الحلقة لم يكن من سُمَّار بستان (السيحة) سنة 1370هـ، 1951م، فتاريخ مولده سنة 1367هـ، 1948م، فيكون عمرُه آذاك ثلاث سنين، ومما سنقف عليه من مراحل تعليمه نعلم أنَّه أدخل المدرسة وعمره 7 سنين، فإدراجه في سماره ليس لأنه من أعلام تلك الحقبة، لكن لسبب آخر يجعل تجاوزه – عند أي تعرُّض للمشهد الأدبي في المملكة بقادمتيه: الشعر والنثر – جريرةً، وأي جريرة. ذلك السبب هو امتيازه بمنقبة فريدة بين أعلام تلك الحِقبة، ألا وهو ظاهرة المرح التي طغت على مجمل ما ترك من أثر، ما نشر منه، وما لم ينشر.
شعاره
وصية ابن النقيب:
إِنتخبْ للنَديم كلَّ حديثٍ
من قِصار الفصول داني القُطافِ
يَتمَّنى الجليسُ عُمْرَ معاذٍ
لِتَلقِّي معاده الشفّاف
وتنقل من الدُعابة للجدِّ
وخيّمْ حيث المعاني اللّطاف
ابتسم، كلمة لا تفارق فمَه أبدًا، بل هي ملازمة للبشاشة المتلألئة في قسمات وجهه، وبريق عينيه حين تلتقيه، وفي نبرات صوته حين يهاتفك، أو تهاتفه، إنها تجبرك على الابتسام حتى وأنت في أحلك لحظات الغمِّ والأسى.
كان من عادته (رحمه الله) أن يتَّصلَ بي ليطمئن على أنني قرأت مقالته في جريدة اليوم، ومرَّة اقترح عليَّ أن يفاتح رئيس التحرير في أن أنضمَّ إليهم في الجريدة، قلت له: فيكم الخير والبركة، يا سبع، أنا عوَّامي، ما “أرهم” معكم، وظننت أنني ظفرت بتسجيل نقطة في شبكته، وإذا به يفاجئني بالضربة القاضية: (نحذف حرفين من اسمك، فنكمِّل الحديقة)، يعني بحذف الحرفين؛ الألف والنون، فيصبح اسمي: عَدَن، وهو نوع من الحشائش، والحديقة: الغرفة التي تضمُّه وزميليه عبد الرؤوف الغزال وأحمد بوقري.
السيرة
- البطاقة الشخصية: حسن إبراهيم السبع
- تاريخ الميلاد: 1367هـ، 1948م.
- مكان الميلاد: سيهات، القطيف، المنطقة الشرقية، المملكة العربية السعودية.
تعليمه قبل الجامعي:
لم أقف على كيفية أو مكان تعليمه في المراحل السابقة للجامعة، لكن بالتكهُّن يمكن افتراض أنه درسها في سيهات والدمام، فميلاده عام 1948يعني أن عمره يقبر من سبع سنين حين افتتحت أول مدرسة بسيهات عام 1955، حسب ما ذكر الأستاذ جعفر النصر، (سمير الحلقة 14).
تحصيله العلمي:
بكالوريوس الآداب من قسم التاريخ بجامعة الملك سعود بالرياض 1972.
دبلوم العلوم البريدية والمالية من مدينة تولوز بفرنسا 1978.
ماجستير في الإدارة العامة من جامعة إنديانا 1984.
حياته العملية
مساعد المدير العام لبريد المنطقة الشرقية.
تجربته الأدبية
امتلك ناصية الشعر بجميع أشكاله وقوالبه، المقفَّى، والتفعيلي، وما اصطلح على تسميته بقصيدة النثر، وفي النثر كتب المقالة الأدبية والاجتماعية، والفكاهية.
مشاركاته ونشاطه
نشر نتاجه الشعري والنثري في الصحف المحلية والعربية، وتولى الإشراف على الصفحة الثقافية بجريدة اليوم من 1987 – 2000م، وفيها نشر جل نتاجه، وهو عضو أسرة مجلة تحرير النص الجديد، وشارك في عديد من المنتديات الثقافية والأمسيات الشعرية داخل وخارج المملكة.
عضويات
عضو في نادي المنطقة الشرقية الأدبي.
التكريم
كرم من نادي الخليج بسيهات مساء الاثنين، ليلة الثلاثاء 8/ 6/1438هـ، 6/3/2017م، بصالة الأمير فيصل بن فهد للمناسبات بنادي الخليج بسيهات.
إصداراته الشعرية والنثرية
الدواوين: “زيتها.. وسهر القناديل” – “حديقة الزمن الآتي” – “، بوصلة للحب والدهشة، ركلات ترجيح.
النثر: ليالي الناطفي، طبع تحتى عنوان: ليالي عنان، توق الفراشة إلى النجمة.
كتابات لم أجدها في المنشور من كتبه
إطلالة على الأدب الضاحك. مجلة القافلة، شعبان 1412هـ، قول آخر، شرق وغرب، الكتابة الساخرة، يوليو – أغسطس، 2003م.
ديوان الأمس – ديوان اليوم، زوجات لم يرقن لشيطان الشعر. نوفمبر – ديسمبر، 2004م.
الكتب هدية، مايو – يونيو 2005م.
أرامكو وعالمها في الأدب المحلي، يوليو – أغسطس، 2008م.
دراسات وقراءات في أدبه:
- الماء مسرح اللحظة”، حلمي سالم، شئون أدبية: العدد 27/28، 1993
• ثنائيات التشتت”، سمير الفيل، عكاظ: العدد 9726، في 22/9/1413هـ
• في ظلال الشعر”، د. علوي الهاشمي، الرياض: العدد 10405، 19/12/1996
• تحرير القلق في بناء القصيدة”، خالد زغريت، الرياض: العدد 11546، 3/2/2000
•حسن السبع في حديقة الزمن الآتي”، عبد الطيف الأرناؤوط، الرياض: العدد 12015، 17/5/2001
• تجليات المحو ـ الحداثة الشعرية”، غالية خوجة، علامات، ربيع الآخر 1425هـ
• قراءة في تجربة حسن السبع الشعرية”، أشرف الخريبي، جريدة الرياض، 2004
• التعالق النصي مع آثار فنية غير عربية في ديوان: حديقة الزمن الآتي”، د. عائشة الشماخي، 2010.
نموذج من نثره
سراب
(اختلف القوم فاقتتلوا أربعين سنة، ثم صاغوا من الحماقة التاريخية مثلاً فقالوا: “أشأم من سراب”، ولم تكن سرابُ إلا ناقةً بريئة لا حول لها ولا طول، رأت العُشب أخضر يمسِّد صفحة النسيم، ويغري أريجُه الأنوف، فسال منها اللعاب، وطفقت ترتع منه بلا حساب، إلى أن رماها فارسٌ مغوار بسهم في ضَرْعها، ولم تكن منظمات حقوق الإنسان ولا الحيوان قد وجدت بعد، فولَّت – كما يقول ابن الأثير – ولها عجيجٌ، حتى بركت بفناء صاحبها.
– ثم ماذا؟
– ثم صاحت البسوس، واذلاَّه! ثم، مسكونًا بمفردات العزَّة والأنفَة والشهامة والنخوة عالج فارسٌ مغوار آخر الحماقة بحماقة أخرى، فثأر للناقة من قاتلها.
– كأنك تستهين بتلك القيم؟!
– أيَّ القيم عنيت؟
– العزَّة، والأنفة، والشهامة، والنخوة.
– لا يمكن لأي إنسانٍ سويٍّ أن يستهين بالقيم الجميلة، لكني أستهين بالتفسير الانفعالي للقيم، التفسير الذي يحول القيمة إلى كارثة.
– وما هو التفسير الانفعالي؟
– التفسير الانفعالي يلخِّصه ابن الأثير، دون قصد، في هذه العبارة: “إذا شُتِموا لطَموا مَن شتمهم، وإذا لُطِموا قتلوا من شتمهم . .”.
– أي إنهم يكيلون الصاع صاعين.
– أجل، يكيلون الصاع صاعين.
– هل أنت مع (كليب)، أم مع (جساس)، وقد كال الصاعين صاعين؟
– أنا مع الضحايا الأبرياء، أنا مع الناقة، مع سراب.
– إذا كنت مع (سراب) فهذا يعني أنك مع جساس ومع البسوس.
– هذا تفسير خاطئ. أنا مع الناقة وحدها، فهي ضحية بريئة بكل ما تعنيه البراءة من معنى.
– هل هناك ضحايا آخرون؟
– أجل، فضحايا (السراب) في التاريخ كثيرون. إنهم أولئك الأبرياء، وقود التاريخ الذين يصح عليهم قول الحرث بن عباد:
لم أكن من جُناتِها علم اللّٰـ
ـهُ وإني بحرِّها اليوم صالي)[1].
نعم، يا أبا نزار. ولكن السراب وكليب وجساس، والبسوس ما زالوا، وسوف يبقون حتى يشاء الله، يضرمون نيران الحروب لكن المصطلي بها هم أولئك الأبرياء. أهو قدر البشرية، وشيم الحمقى؟ سؤال لا أملك له جوابًا.
نموج من شعره
اخترت من شعره مقطوعة لم أجدها في دواوينه من شعر دعوات الزواج، شاملة لكل المعلومات المطلوب بيانها من ألفها إلى يائها تُغني المدعوَّ عن تطبيق (جي بي أس)، نظمها في الدعوة لزواج نعمات ابنة ابن خاله تركي بن إبراهيم السبع (17/12/1409هـ، 20/7/1989م):
من دواعي سرورنا والحبور
أن تلبوا رجاءنا بالحضور
فتعالَوا زفاف نعمات إنا
نتلقاكم بكل سرور
شرفونا يوم الخميس مساءً
وتعشوا في بيتنا المعمور
ومساء الخميس سابع عشر
ضمن ذي الحجة اكتمال الشهور
بيتنا في الخصاب ليس بعيدًا
في جوار البيات وابن نصير
واقبلوا في الختام أحلى الأماني
وسلاماً من العزيز القدير
قبل أسبوع من وفاته تدهورت صحته، فأدخل أحد مشافي المنطقة الشرقية، فتوفي فيه في يوم الخميس غُرة المحرم سنة 1439هـ، 21 سبتمبر 2017م. تغمده الله بواسع رحمته، وأسكنه فسيح جناته.
الصور: من حفل تكريمه في نادي الخليج:
————
([1])جريدة اليوم، العدد: 9019ـ الاثنين، 26 شوال 1418هـ، فبراير (شباط) 1998م.