نرجس قلب الإيثار
في لحظة من لحظات حياتي الدافئة بينما كانت حفيدتي نرجس تضع رأسها في حضني في أروع صورة من الحب والحنان ولا أدري هل أنا من كنت احتضنها أم هي من كانت تحتضنني حبًا وحنانًا ،وكم كنت أتوق لذلك الطفل الصغير بداخلي الذي مازال يعشق الأحضان وينام على أهازيج وترانيم أمه الحنونة . راحت يدي تطوف حول خصلات شعرها المجعدة ذات اللون البني الذهبي و تشتبك أصابعي بأطراف شعرها الطويل
وقد أغمضت عينيها وهدأت حواسها وكأنها تريد أن تعيش هذه اللحظة بكل كيانها كسرت صمتها وقلت لها: نرجس علينا أن نقصر شعرك لأنه يحتاج إلى عناية كبيرة خصوصًا مع هذه التجاعيد .
قاطعتني رافضة اقتراحي : لا لا أريد أن أقصه الآن سوف أتركه يطول أكثر وبعدها سوف أقصه وأتبرع به إلى الأطفال المصابين بالسرطان فهم يفقدون شعرهم أثناء علاجهم .
صُدمت من إجابتها ودمعت عيناي لهذا القلب الكبير الذي يعيش ماساة غيره مع صغر سنه . من علمها هذا العطاء ومن أين جاءت بهذه الثقة لتتخذ قرارًا مثل هذا ؟!إذ تتبرع بشعرها الذي هو جزء من جمالها بعد العناية به لصالح أطفال السرطان . عُقد لساني عن مدحها أو الثناء عليها ورحت أسألها من أين لها هذه الفكرة ومتى سوف تنفذها وكيف؟
وراحت تشرح لي بسعة صدر وحماس إنها سألت خالتها سلمى عن ذلك وأخبرتها عن بعض التفاصيل وقد قرأت عن ذلك وفِي نهاية حديثها التفتت لي وقالت : لا تقلقي( ماما عودة) لقد درست الموضوع .
لم أستطع أن أرد على جوابها سوى أن طبعت قبلة على جبينها وقلت في نفسي أنا لست قلقة عليك بل قلقة على نفسي إذ بلغت هذه السن ولَم أمتلك هذه الروح من العطاء
عطاء لايعرفه إلا تلك القلوب الكبيرة التي تملك ملكة الإيثار وهي من أفضل صفات الكمال الإنساني إذ يذكرها الله في قوله :
﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾ [الحشر .
الإيثار عطاء تتوفر فيه كل الكمالات ، الإنسانية والحب والإحتياج والتغلب على الرغبات الدنيوية فهنيئًا لقلب نرجس بهذا الإيثار وهذا العطاء .
واليوم فقط تحققت أمنية نرجس بعد سنة من حديثي معها ، إذ قَصَّت شعرها لتتبرع به لإحدى مؤسسات التبرع بالشعر لمرضى السرطان.
السيدة نرجس الخباز