[موروث] سمّك الميد وطرق صيده التقليدية المتنوعة سمك الفقراء أمس لا يشتريه إلا ميسورو اليوم

حسن دعبل

وقد دوّن الباحث الكويتي في التراث البحري الدكتور يعقوب الحجي، ووصف طريقة صيد الميد في كتابته، وكتابه عن الفولكلور البحري الكويتي:

ولقد استخدموا لصيد الميد – أي الصبيان – وسيلة بسيطة عبارة عن مشخالّ وقطعة قماش قديمة تغطي فوهة المصفاة، وبعد وضع قليل من الخبز الجاف أو الطحين أو التمر في داخلها، من خلال ثقب صغير في القماش الذي يغطيها، يغوص أحد الصبية ويضع المصفاة أو المشخالّ في قاع البحر، ليأتي الميد ويدخل بعضه داخل المصفاة فيقوم أحد الصبية بالغوص بهدوء ويضع يده فوق فتحة المصفاة ثم يرفعها فيخر الماء من خلالها وتبقى بعض أسماك الميد في هذه المصيدة البسيطة.

وما جاء في أخبار ووصف صيد الميد، مخالفة للدكتور يعقوب الحجي في طرقٍ أخرى، وفي نفس الجون والبيئة البحرية، وتقارب المهن وطرق الصيد. وأنّ ما ذكره الحجي ليس لصيد الميد وحده، وربما حتى الطريقة نفسها تحتاج إلى وصفٍ أكثر دِقة ودراية، بحيث أن ما ذكره يُسمى صيد “اللّگيّه”، وهي نفس الطريقة، وإنما لصيد سمچة “الحاسون”.

واللّگيه أيضاً صفة بيئية بحرية في الصيد، وربما بها من الغرابة في التفرد والتميز للمجتمعات البحرية، وبيئاتها  حتى في طريقة صيدها، وربما أكثر وصفاً وشرحاً لطريقة عملها أو تجهيزها لِما بها من الغرابة في الشرح والمواقيت.

ما عليك إلا العثور على مشخالٍ قديم، وتغطيه بخِرقة أو خِرجة قماش مرمية قبل أن تتحول إلى بيزٍ مسودّ، مغذّيها بالطحين أو العيش الخام، وتحفر حفرة بمقدار المِشخالّ، وقبل أن تسگي الماية. والعجب والغرابة أنّ “اللّگيه” يجب أن تدفن في الصباح مع الشروق، متساوية لمستوى الرمل البحري في السطوة والبياضة، فلو دُفنت بعد العصر، فلا يمكن أن تصيد شيئاً، ولا يدخلها حاسون أو ميده مسمّره.

وذاك هو سرّ وناموس في أسرار المهن البيئية وتوارثها.

وهذه أيضاً من عجائب الصيد بهذه الطريقة التقليدية المُتبعة. أما الميد فهناك طرق كثيرة، ومتعددة، وأكثر سهولة، لكثرة الميد في السطوات البحرية، وربما المتعارف عليه “سمّ الميد”. بحيث تُخلط المادة الغريبة التي نسميها “سمّ الميد” مع العيش الخام، ويُرمى في حالة المدّ أو سگي الماية ورشّتها. لينتشر بعد فترة مُطفحاً دائخاً من هذه المادة السّمية المخلوطة مرات “بالصِّل”.

ولسم الميد أعراف وتقاليد في حرفة الصيد، ولصاحب سم الميد الحق الشرعي البحري في أخذ ما يشبه المكوس أو الأتاوات، والجزية لمن اصطاد من سم ميده، وتُسمى “گمرگي”، وله الجرأة بأخذ ما تحمله يده من صيد الغير، وبكل طاعة ومن غير تذمر أو اعتراض.

أما الطرق الأخرى، فهي أن تضع بعض العيش الخام في كيس نايلون وتنصبه بحصاة صغيرة في فتحة الكيس، لتصطاد ما يصعب حمله من الميد.

أما الطريقة التي إحتلت وجداننا، وأبداننا، وأيدينا، فهي تلك الأغراش الطويلة الصغيرة، لبقايا ما فرغ من بهارات أرامكوية الغريبة والنفاذة الرائحة، توزعتْ في بيوت عمال الشركة، وكنا نتحايل في العثور عليها من تلك البيوت، ولها جاذبية في اصطياد الميد. ما عليك إلا أن تضع مدّة من العيش الخام، وتصفّها بإتجاه سگيّ الماية أو إنسيابيتها، فيدخل الميد مصيوداً، أسيراً، لابطاً.

وتبقى طريقة السالية والسبّاي، وبحارتها فهم الأكثر رميةً وحضوراً في الوعي والكتابة، والصورة المُتبعة حتى خارج بيئاتها البحرية، والأكثر شيوعاً في البحار.

تعددت الطرق في صيد الميد، إلى أن أصبح في عصر العولمة والسلمون، صعب المنال والأكل، واختفى كلياً من موائد الفقراء، وانتقل إلى موائد الطبقات الوسطى والميسورة، وغير الرثّة في الوصف  البحري لتلك الأيام، وشروق الشمس في الخيران والسطوات.

 

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×