السماعيل.. “شرقاوي” نقد الحياة بالمسرح والمسرح بالصحافة
حبيب محمود |
في عام 1975 أدّى أدواره الأولى على خشبة مسرح مدرسته الابتدائية، وبعد تلك الأدوار البسيطة بـ 36 سنة؛ وجد نفسه مديراً عاماً للجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون التي حاول أن يؤدّي دوره فيها، على الرغم من المرحلة الصعبة التي كانت عليها طيلة سنوات. قدم عبدالعزيز السماعيل ما أُمكنه تقديمه عبر هذه المؤسسة الثقافية، قبل أن يعود إلى صفوف المسرحيين مجدداً.
ولأكثر من أربعين سنة؛ أدّى عبدالعزيز السماعيل أدواراً متعدّدة، ومثـّل شخصيات كثيرة، على خشبة المسرح وخلف كواليسه، وأمام الكاميرا وخلفها، وتقمّص حالات الفرح والإحباط، والتفاؤل والحزن، واختلط بمحيطه الشعبي والإنساني قبل الثقافي ليكون هذا الوجه “الشرقاويّ” ممثلاً واعياً وكاتباً مثقفاً.
لكنّ التمثيل لم يكن حرفته الوحيدة، فبعيداً عن الخشبة والكاميرا؛ ناقش المسرح والدراما، ونقد الأعمال وفحصها وحـُكـِّم في نصوصها، وأدار ندوات، وفوق ذلك تخصّص صحافياً في المسرح والدراما والموسيقى، وضمن فريق شكـّله الصحفيّ شاكر الشيخ، عمل في القسم الثقافيّ في صحيفة “اليوم” إلى جانب صديقه مبارك الحمود والشعراء الراحل حسن السبع وأحمد الملا وغسان الخنيزي، والتشكيليّ عبدالرحمن السليمان، والروائيّ حسن الشيخ، والناقدين سمير الفيل وأحمد سماحة.
كان ذلك في تسعينيات القرن الماضي، حين كان السماعيل يخرج من مقرّ عمله بـ “الهاتف السعودي” وقتها إلى الدور الثالث من مبنى الصحيفة القديم في حيّ البادية بالدمام. وعبر ذلك الفريق المتجانس/ المتنافر في آن كان لسان السماعيل كثير “النكتة”، وصوته مفعماً بجهورية مؤثرة لا تختلف كثيراً عن أدائه حين يمثـّل دوراً تاريخياً بلغة فصيحة. يدخل المكتب وينكب على أوراقه وقهوته التركية وسجائره، ويبقى كذلك حتى يسلّم صفحاته، ومن ثم يحمل بقية يومه إلى مقرّ فرع جمعية الثقافة والفنون بالدمام. وهناك يعلو صراخه وتتناثر “نكاته” في وجوه المنغمسين، مثله، في المسرح والتشكيل والفلكلور، وهموم “الحداثة” التي كانت جمعية الثقافة والفنون تمثّل جناحها الثقافيّ تقريباً في المنطقة الشرقية، مقابل “المحافظة” التي كان يمثل جناحها النادي الأدبيّ.
ميّز عقد التسعينيات جمهور “الجمعية” عن جمهور “النادي” بوضوح، فالذين يذهبون إلى الجمعية نادراً ما يحضرون مناسبات النادي، والعكس يُمكن أن يكون صحيحاً. وكان السماعيل جزءاً من الجمعية التي تضمّ مسرحيين وموسيقيين وتشكيليين، في الوقت الذي لم يكن “وقار” النادي يسمح بغير الأدب.
روح ناقدة
لم يكن خليط الاهتمامات، لدى السماعيل، إلا تعبيراً متنامياً عن الروح الناقدة في داخله. على خشبة المسرح كان ينقد المجتمع ويعبّر عنه. ومنذ وقوفه الأول على مسرح “ابتدائية الفتح” قدّم الحكمة الشعبية البسيطة في مسرحيات “اللي ما يطيع يضيع” و “من قاس ما غاص” و “العزوبية” و “العقارات” وجميعها من تأليف وإخراج عبد الله المجحم. وهي أعمال مسرحية خرجت من إيحاءات مرحلة الطفرة الاقتصادية التي داهمت المجتمع السعودي منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي. والروح الناقدة ذاتها برزت في مسرحيات “هكذا النهاية” و “دكان بو سلطان” و “يوم لك ويوم عليك” و “أمل الانتظار”، وكلها صافحت الحياة بالتعبير عنها، وعن فلكلورها، وعن إنسانية الحياة وتأثير تغيراتها.
هذه الروح تجسدت في الأعمال التلفزيونية التي أوقفته أمام الكاميرا عشرات المرات، في “حلقات النافذة الصغيرة” و “عيال بو كلج” و “خزنة” و “الضياع” و “شقة الحرية”. وإلى جانب ذلك مزج التوعية والتثقيف بالدراما عبر أدوار تمثيلية، من بينها برنامج “مشكلة ورأي” وبرنامج “سلامتك”.
نقد الناقد
وحين يتوقف “نقد” عبدالعزيز السماعيل للمجتمع على الخشبة و أمام الكاميرا، فإنه يذهب إلى صفحات جريدة “اليوم” لينقد المسرح والدراما والسينما والموسيقى، ويُبقي على حسّ الناقد المتنوّر يقظاً ومشاغباً طيلة الوقت، وكأنه أراد أن يمارس نقداً للحياة عبر الفن، ونقداً للفن عبر الصحافة.
غير أنه لم يقنع بتقمّص الأدوار التي يريدها المؤلفون والمخرجون. أراد أيضاً أن يصنع الأدوار بنفسه مسرحاً وتلفازاً، فألف للمسرح “الصرام” و “موت المغني فرج” و “الحافة” و “طرفة على الجسر” و “بعد شنهو” و”الطائر” و”آباء للبيع أو للإيجار” و”سهرة مع الشيخ أحمد” و “أبو الطواقي” و”خليلوه”.. عدا أعماله الأخرى؛ مثل “غربة علي بن المقرب” و “ضاعت الطاسة” و “كيس الورق” وغيرها، واستخدم في مسرحياته لغتين فصيحة ودارجة كتعبير عن مقدراته اللغوية المتعددة.
وإلى جانب صناعة الأدوار تأليفاً صنع الأدوار إخراجاً أيضاً، ولكن على نحو أقلّ من التمثيل والتأليف، وله من المسرحيات المخرجة “بعض من حكاية ما جرى” و “شقة السلام” و “حرك تبلش”.
ومثلما ألّف للمسرح؛ ألف للدراما مسلسلات “القرار” “مجاديف الأمل” وأعد سيناريوات وحوارات حلقات من المسلسل الكوميدي “طاش ما طاش” ومسلسل “شعبان في رمضان”. وشارك في ميداني التوعية والتثقيف مراراً.
أعباء مالية
بعد 36 سنة من رحلته الطويلة؛ وجد عبدالعزيز السماعيل اسمه على رأس هرم الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، وحين تسلمها؛ لم تكن كما كانت حجماً ونوعاً، فحين حمل بطاقة العضوية الأولى في فرع الدمام كان عدد الفروع في المملكة أقلّ من أصابع اليد الواحدة، لكنها أصبحت 14 فرعاً، ينتمي إليها آلاف المواهب، وتعاني أعباء مالية لا يمكن تلبيتها بالميزانية الثابتة على رقم واحد منذ 30 سنة، ولذلك؛ فإن أول ما نقده السماعيل في الجمعية التي صار مديراً عاماً لها هو “الوضع المالي” الذي “لا يليق بمؤسسة تمثل ثقافة الوطن في عواصم العالم، وتسافر إلى كلّ بلاد الدنيا لتُبرز الثقافة السعودية بما تنطوي عليه من فنون وآداب وموروثات متنوّعة”.
السماعيل يعرف واقع الجمعية عن قرب شديد، ليس لأنه كان مديراً لأحد فروعها فحسب؛ بل لأنه مرّ، عبر عضويته الطويلة، بكل ما يُمكن أن تعانيه اللجان والأنشطة والفعاليات من “أزمات” وعراقيل مالية. وعلى هذه الخبرة؛ حاول البحث عن حلول عملية لمشكلة ضعف الدعم وقلة الموارد وكثرة الأعباء. كانت فروع الجمعية مذبوحة بالإيجارات، على الرغم من أن بعضها لديه أراضٍ يمكن استثمارها. هناك أفكار كثيرة يمكن تطبيقها، مثل البحث عن موارد تمويل وطلب الاستعانة بالقطاع الخاص وتفعيل الرعاة وغير ذلك.
واجه أزمة المخصصات السنوية للجمعية، وطالب بإعادة النظر فيها من قبل وزارة المالية ومجلس إدارة الجمعية نفسه. الجمعية مؤسسة ناجحة على مستوى الحضور ورعاية المواهب.. الجمعية يدخلها الأديب والموسيقي والتشكيلي والفلكلوري، وهي بحاجة إلى انتشار أوسع في المجتمع المحلي. هذا ما يراه.