حينما يخطف الموت الصديق
ليلى العوامي
هناء أم عبدالله.. هكذا أحتفظ باسمها في مفكرة الأرقام عندي، وفي كل مكان، عرفتها منذ ٢٠ عاماً، كانت جارة وأصبحت أختاً، فرقتنا الأيام ولكن قلوبنا لم تفترق، سكنت حي الشاطي وسكنت في التركيا.
أتذكر تلك العمارة وشققنا المتقابلة، أتذكر وقفتنا على ذلك الباب لنتبادل الحديث سريعاً، أتذكر رائحة طبخها التي تملأ المكان وطعمه الذي لابد أن أتذوقه حال عودتي من عملي.
ضحكتها تشبعك بالحياة، حديثها يطول ولا تمل منه، لا تشتكي شيئا من مصاعب الحياة، “الحمد لله” كانت لازمة في لسانها. قبل يوم من وفاتها كانت تضحك وتقول “كورونا بتقتلنا قبل لا تروح”.
حينما نتحدث عن أبنائنا يطول بنا الحديث، وحينما نناقش مشاكلنا نتبادل الضحكات.
أتذكر الكثير من مواقفنا معاً، أول المعرفة بيني وبينها كانت بسبب الخضروات؛ نقصتني بعضها ذات يوم، وكانت شقتها هي الشقة الوحيدة قبال شقتي في تلك العمارة، ذلك الوقت في حي المزروع، طرقت بابها ففتحت لي الباب وقلبها معا “هلا غناتي آمري”
قلت لها جارتك الجديدة، عرفتني رغم أن أشكالنا تغيرت بحكم الزمن، وتذكرتها فقد كنا نعرف بعضنا قديماً، عادت الذكريات سريعا، أخذت منها ما أردت وعدت لها بعد ساعة بكمية من الشوربة، ضحكت ضحكة جميلة “حصّلت ليي خوش جاره”.
كان بابها مفتوح لي وبابي مفتوح لها، نتسامر بعض الليالي معا،
كرمها لا يوصف ما إن تذهب للزيارة إلا وتعود لي بالهدايا، ولا تمر مناسبة إلا والهدية عندي، أو على بابي إن لم أكن موجودة في البيت، وإذا لم تستطع وضعها على الباب تبقى الهدية محفوظة لي لعدة أشهر حتى تصلني، هكذا كانت؛ كريمة، طيبة النفس والحديث، وضحكتها لاتفارق وجهها حتى وهي في قمة ألمها.
قبل يومين من رحيلها تحدثنا معاً عن أفكارها ومشاريعها القادمة بعدما تقاعد زوجها أبو عبدالله فؤاد أمان، كانت تقول “أخيراً بيرتاح من عمل البنوك، تعب فؤاد”، كانت تحلم أن ترى عبدالله في أعلى المراتب وتدعو له بالتوفيق في كل مرة تحدثني، وتكرر “إدعي لأولادي بالتوفيق أبغاهم يتفوقوا ويعيشوا حياة مريحة”.
حبيبة قلبها شهد التي كانت كالشهد على لسان أمها، ونور التي كانت تخاف عليها كثيراً، وريما المدللة الصغيرة التي كانت تفتخر بموهبتها وتفوقها الدراسي، وتحاول جاهدة حمايتها، وذاك المدلل (حماده وحمودي وأحمد) بكل الأسماء كانت تناديه.
كيف ستكون حياتك حبيبي أحمد بدون أمك أنت وأخوتك.
حبيبتي
حينما أصبتِ بفايروس كورونا، كان صوتك متغيراً كثيرا، أتذكر كيف كنت تضحكين على عبدالله الذي خرج من المنزل وذهب لمزرعة والده خائفاً من العدوى، كنت تضحكين ضحكات مازلتُ أسمعها في أذني.
هناء.. لم تكن ممن يعشقون الحياة، بل كانت امرأة مؤمنة متعلقة بالآخرة، دأبت على زيارة الأربعين، كانت تدّخر المال لزيارة أهل البيت عليهم السلام، ولم أسمعها يوما تقول ذهبت لشراء هذا وذاك، وإنما كان كلامها “ذهبت لذاك المجلس وجلست استمع لهذا الدعاء”.
الحياة يا هناء قصيرة جداً، ومفاجأة الخبر كانت مدوية في أذناي، قرأت اسمك مرة ومرتين وأيقنت حينما رأيت أسماء أبنائك أنه أنت، مررت على مكان الحادث وظللت أنظر لتفاصيل ذلك الدوار الحزين الذي أخذك منا/ من أولادك وزوجك الفاقد وأهلك ومني.
كنت ذاهبة لرؤية والدتك يا صديقتي فلم تصلي؛ بل وصلتي للسماء، ولم تطمئني عليها كنت خائفة وجلة، ويلهج لسانك بالدعاء لها ولوالدك ولكن وجلك كان هو انتظار هذا اليوم دون أن تعلمي.
للتو عرفت وأيقنت أن الحزن الذي مررتُ به الأيام الماضية هو بسبب الخوف من سماع هذا الخبر المفجع في عصر هذا اليوم، وحرارته هاهي عميقا هنا، في القلب قبل كل شيء.
يالغرابة القدر.. اليوم بالذات ولأول مرة أسمع بحادث قد وقع فأحاول جاهدة أن أعرف ماذا حدث وما تفاصيله، وكأني عرفت ولم أعرف، حتى أني قمت بالاتصال بالغالية حكيمه الجنوبي كونها هي المسؤولة عن أخذ معلومات المتوفيين وأثناء ذلك وأنا أحدثها جاءني صوت من خلفي “ماما المتوفاه اسمها هناء الضبيكي” سقط جوالي من يدي وأدرت رأسي ماذا تقولين من هذه، قالت “اسمها هناء وزوجها فؤاد” أوقف زوجي السيارة وارتفع صوت البكاء والنحيب وكأن بناتي غاب عنهم من هي هناء فأيقنوا بعد ذلك أنها صديقة ماما التي لا تدخل المنزل إلا بهداياها وكرمها الفائض.
اللهم ألبس أبناءها وزوجها وأهلها ومحبيها لباس الصبر يارب.
هناء أيتها الغالية رحيلك فجعني اليوم كما فُجعت قبل عامين برحيل خليصي وحبيبي محمد.
حبيبتي ليلى كلماتكِ لامست مشاعرنا وعشنا تفاصيل علاقتكِ بأختكِ وصديقتكِ الراحلة لايسعنا إلأ أن ندعو لها بالرحمة والمعفرة ولكم بالصبر هكذا هم الطيبون لايلبثوا أن يرحلو سريعًا ليتركو جمرة فراقهم نارًا تستعر في قلوبنا فإنا لله وإن إليه راجعون
ام عبدالله،، خبر رحيلك مفجع لنا وكسر ظهورنا ، قد لانكون اخوانك من والديك ولكنك كنت الأخت التي لم تلده امي ،،
ماهي غير دموع مكتومه وكسره في القلوب
لا ننسى كل الاوقات التي قضيناها معك
لا انسى ان بهجة نفسك وروحك عند دخولك بيتنا
لا انسى اياً من المواقف المضحكة معك
لم يكن ليي اي موقف معك به خلاف ام زعل
انا لله وانا اليه راجعون
عظم الله أجرك حبيبتي و أختي العزيزة أم باسل
مشاعرك ألهبت أعماقي
فتناثرت دموعي الحارة دون توقف و مازالت تنهمر.
نبرة صوتك الحزينة لم اعتد عليها ، لقد سرت آلامها في أعماق قلبي ، ذكرتني بلحظة مرة المذاق ، لحظة فراق حبيب روحك محمد رحمه الله.
عزيزتي
أعانك الله
على لوعة الفراق .
عملة نادرة هم الأصدقاء الأوفياء ، بل هم صمام الأمان الذي يحتوينا في أوقات ضعفنا و قوتنا ، هم أخوتنا الصادقون الذين يتناسون أنفسهم و غاية طموحاتهم أن نبتسم.
يضحون برغباتهم في أحلك المواقف لأنهم يجدون سعادتهم في فرحتنا.
رحم الله الروح الطاهرة جوهرة الخلق النبيل برحمته الواسعة و أسبغ على فاقديها و أبنائها و أحبتها حلل الصبر و الإيمان.
عاشت معطاءة
مخلصة في مودتها
يتمت محبيها
قبل أن تيتم أولادها
حقًا فقد الأحبة
غربة لا تنتهي
تعزي يا نور عيني بعزاء الصابرين
سنلتقي يومًا بمن أخلصوا
لنا و ستغمرهم سعادة
إخلاصنا لهم و رعايتنا
لفلذات أكبادهم
سيصلهم عبير مودتنا
دعاء و قرآنا
و صدقة و إحسانًا
و لو بعد حين سنتجمع بهم -بمشيئة الله – في مقعد صدق عند مليك مقتدر
فإنّا لله و إنّا إليه راجعون.