إشكالية في طرح المنبر الفكري.. ثنائية “نحن” و “هم”.. !
حسن سلمان الحاجي
كثير إن لم يكن معظم محاضرات المنبر الفكري لعام ١٤٤٢هـ ركزت على المقارنة بين (الأيديولوجية) و(المنظومة الأخلاقية) في الأنظمة الغربية والأنظمة الإسلامية، “نحن” عندنا كذا و “هم” عندهم كذا.
والهدف من هذه المقارنة المجحفة والمبتورة في إظهار مساوئ الغرب ومحاسن دين الجماعة هو المحافظة على الهوية الدينية الموروثة بإبقائها كما هي.
هذه المقارنة لم تـتسم بالإنصاف، وإنما طغت عليها (الانحيازات التوكيدية) التي تجتزأ وتفلتر المعلومات عن المنظومة الغربية كي تُعطي صورة سلبية عن المفهوم الذي يُراد مناقشته، كالحرية والديموقراطية والمساواة والحقوق والكرامة والعدالة والاقتصاد وغيرها. ولكي يؤكد خطباء المنبر الفكري هذا التنميط الذهني المشوه عن الغرب يتم الاستشهاد بكتب ومقالات وتصريحات من علماء ومفكرين غربيـين ينتقدون هذه المفاهيم ويظهرون مساوئها، وكأنّ الخطيب يقول “وشهد شاهد من أهلها”، فإذا الغربيون ينتقدون آيديولوجيتهم فلماذا نهرول نحن وراءها؟
بعدها يُعرّج الخطيب على المنظومة الدينية، وباستخدام الأسلوب نفسه (الانحيازات التوكيدية) في فلترة المعلومات، يستخرج النصوص والأحكام الفقهية وبعض الشواهد والوقائع التاريخية التي تدعم فكرته المُعدّة مسبقا كي تعكس صورة نقية وناصعة عن الآيديولوجية الدينية، وبذلك تظهر مثالب المنظومة الغربية من جهة ومحاسن المنظومة الدينية من جهة أخرى،
وهكذا يخرج المستمع وهو يشعر بالتفوق والاعتداد بالذات بعدما نُسج في ذهنه نمطان في معالجة القضايا الحياتية الكبرى، نمط الآيديولوجية الغربية الفاشلة ونمط الآيديولوجية الدينية الفائزة.
هذا الأسلوب في الطرح خطير جداً لأنه يخلق تنافراً معرفياً عند المتلقي، وبالتالي قد يُعطي نتائج عكسية مستقبلاً، لربما تدفعه إلى التشكيك بالمنظومة الدينية بأجمعها. فعندما يصطدم بالواقع ويكتشف أن الصورة الذهنية التي رسمها عن المنظومة الغربية ليست متطابقة، وأنه تم تشويه تلك الصورة كي تصبح نظيرتها الدينية أكثر نقاءً وصفاءً، وعندما يطلع على التراث الديني الذي تم إخفاؤه والتستر عليه كي لا تنكشف مساوئه مقابل المنظومة الغربية فهذا يثير عنده التساؤل والشكوك حول ما تلقاه.
إنه لمن الإنصاف أن يتم طرح أي موضوع عبر التأصيل له، وتبيان الفروقات حتى في المنظومة الغربية نفسها، فمفهوم الحرية مثلاً ليس مفهوماً واحداً متفق عليه في الفكر الغربي. نعم هناك مشتركات وهناك اختلافات، وهناك إيجابيات وسلبيات للحرية، وأن مفهوم الحرية ليس ثابتاً وباقياً على ما نظّر له علماء وفلاسفة التنوير الأوروبي قبل قرون، بل هو متحرك ومتطور، فلا يمكن الاستشهاد بجميع ما قاله جون ستوارت ميل أو إيمانول كانت أو توماس هوبز أو جون جاك روسو وإسقاطه على المنظومة الغربية الحالية بالكامل.
وأما انتقاد علماء وفلاسفة الغرب للأنظمة الفكرية الغربية لا يعكس عدم إيمانهم بها، فالنقد عندهم عملية مستمرة وجزء من المنظومة نفسها، وبيان المثالب والفجوات فيها هو من أجل تحسينها وتطويرها، لا من أجل اسقاطها وتبديلها، فهذه المفاهيم الفكرية ليست ثابتة وإنما متحركة مع تطور المجتمعات عبر الزمن.
من ناحية أخرى إن كان هدف المنبر الفكري هو التطوير والارتقاء بمستوى الوعي عند المتلقي وتثبيت الهوية الدينية كي لا تتأثر وتتبدل كثيراً في خضم الصراع الفكري والتغيرات والتحولات التي يمر بها المجتمع العالمي فيتوجب على الخطيب طرح الموضوع الفكري من الزاوية الدينية بجميع ما ورد في التراث الديني من إيجابيات وسلبيات، ومن ثمّ معالجتها، وعدم الاكتفاء بذكر المحاسن عبر سرد بعض الروايات والقصص الإيجابية، وإغفال الروايات والأحكام والعقائد والحوادث التي لا تتماشى مع النتائج العلمية المثبتة أو التي تخالف التوجهات والحقوق الإنسانية ولم تعد صالحة لهذا الزمن.
المقارنة بين المنظومة الغربية والمنظومة الدينية ينبغي أن تتحلى بالأمانة العلمية وبعيدة عن العواطف، لذلك لابد أن تكون شاملة ومتكاملة ودقيقة في نقل المعلومة، وعدم التستر على أي جزء منها لكلا الطرفين.
معظم ما يطرح على المنابر عاطفي بخت
لو اسقطته على عقل او منطق أسقط سقوطا مدويا..
.
.
صراع غير متكافئ بين منظومة علم في الغرب وشعارات رنانه