من “الصحوة” إلى “الرؤية”

محمد رضا نصرالله

في ندوة احتشدت في الرياض بأهم الخبراء السعوديين والعالميين؛ قال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قبل عامين، «كنا في السعودية نعيش حياة طبيعية قبل 1979، فالدين لم ينص على عباءة سوداء، ذلك اختيار للمرأة غطاء الرأس الأسود».

ثم في مقابلة تلفزيونية بعد ذلك على قناة (سي بي إس)، وكان متوجهًا في مارس ٢٠١٨ ، إلى أميركا في رحلة تاريخية مشهودة أضاف: «قطعنا شوطًا لمنح المرأة حقوقها ولم يبقَ الكثير، ونعمل على قانون مساواة راتب المرأة بالرجل قريبًا»، وتابع ولي العهد: «تم غزو المدارس في السعودية من العديد من عناصر جماعة الإخوان المسلمين»، مؤكدًا بكل عزم وصرامة : «لن نقبل أن يغزو التطرف نظامنا التعليمي، سوف نجتث ما تبقى من فكر جماعة الإخوان من مدارسنا».

لو رجعت إلى ما كتبته في صفحة (حروف وأفكار) في منتصف سنة 1979م في مقالتين متقاربتين الأولى بعنوان “لكي لا نخلع أسناننا” والثانية بعنوان: “نكون أولا نكون» وغيرهما. لوجدت ما قاله الأمير محمد بن سلمان غدا  في الصميم من تأزم عملية التغيير الاجتماعي، التي انطلقت محركة عجلاتها بقوة – وقتذاك – إثر تدفق العوائد النفطية التي حاولت الدولة استثمارها، منذ منتصف السبعينات الميلادية، في إشادة بنية تحتية لعملية التنمية، وفتح مجتمعنا السعودي أمام المتغيرات العالمية .. بعد حرب أكتوبر سنة 1973م.

أتذكر أيامها وقبلها حين قدمت للدراسة في جامعة الملك سعود، كيف كان المجتمع قاب قوسين، من مجريات التغيير العام في العالم العربي ، ممن سبقنا في تجربة التحديث.

صحيح كان للمجتمع المتعدد في الرياض أو جدة أو عنيزة أو القطيف، خصوصيته الثقافية المتوارثة، لكنه بدا بشكل عام متفاعلًا بسلاسة، مع ما يحدث من تطورات، في الوعي والثقافة من حوله، لتنعكس في تطور عاداته وسلوكه واختياراته. متماهيًا بتدرج مع ما يجري في العالم.

وقتذاك كنا شباناً يافعين يشدنا شارع الوزير، الذي كتبت عنه في جريدة الرياض مقالًا قديمًا، في أوائل السبعينات الميلادية بعنوان «الرصيف البلوري»، أشبه حركته المنسابة ، بما يجري في الشوارع العربية والعالمية، تمامًا كشارع فؤاد في القاهرة، أو الحمرا في بيروت، أو الشانزليزيه في باريس، ففي شارع الوزير تجد المطاعم و “البوتيكات” ومكاتب الصحف ووكالات الأنباء العربية والأجنبية.

كنا لا نمل من متعة التجوال اليومي فيه، خاصة عندما يأتي المساء، وعيوننا تتكحل برؤية أجمل الأزياء وأنوفنا تشم أروع العطور، والشارع يتدفق بتلك الوجوه السمراء الطافحة بالبِشْر والجمال.

غير أننا بعد هذا بدأنا نرى في كليات الجامعة، تطاول  البذور المسمومة لـ “صحوة ” الجماعة الإسلامية، عبر بعض الأساتذة السعوديين وطلابهم، تحت رعاية كادر من الإخوان المسلمين، تم استقدامه من مصر وسورية، لتسيير عمادة شؤون الطلاب، والإشراف على سكنهم الجامعي، وقد أتوا من كل أنحاء المملكة، وكانت ما زالت برامج الإذاعة – إذاك – تطن اسماعنا بإذاعة أفكار الإخوان، متمركزة حول سيد قطب، الذي كان موديلًا ثقافيًا حينها، قبالة موديلات ثقافية قومية وماركسية، محرمة في وسائل الإعلام والتداول الثقافي، إذ بدأت كليات جامعة الملك سعود، تقرر مادة الثقافة الإسلامية بمدرسيها المصريين، لينعكس ذلك الإلزام الأيدولوجي، على النشاط الثقافي الحر في كليات الجامعة، بينما كانت من قبل تعرض أروع الأفلام السينمائية، وأجمل الأعمال المسرحية (روميو وجولييت) مثلًا.

بعدما فتحت جامعة الملك سعود أبوابها أمام الطالبة السعودية – وقتذاك – آثرت الثقافة الإخوانية، حصر تدريسها  في الدائرة التلفزيونية المغلقة!!!، لتبدأ مسيرة التشدد الديني، محاولةً بكل أدواتها إيقاف دولاب التغيير الاجتماعي، الذي حتمه نهجنا الاقتصادي الحر، المتفاعل مع حركة الاقتصاد العالمي.

اليوم تعمل الدولة على فرض حقائق موضوعية جديدة، في المجتمع السعودي بقوة القرار السياسي، وهذا دأبها ، وفق  موازنة دقيقة، تراعي فيها بين  ثوابت المجتمع ومتغيراته وتعدديته، خارج مفهوم الكتلة التاريخية الايدولوجية الصماء، عبر رؤية 2030 وبرامج التحول الوطني، باستنهاض ذلك الزمن التغييري المتعثر، بأسلوب أسرع وتيرة، للحاق بركب الحضارة الكوكبية، والتجاوب مع استحقاقاتها في الحكم الرشيد، ومكافحة الفساد، ومحاربة الإرهاب، وإشاعة الرفاه المتوازن، وإخراج المرأة من الاستثناء العالمي بتمكينها فعلًا، للمشاركة مع الرجل في التساوي في الحقوق والواجبات الوطنية.

هنا هل علي الرجوع إلى ما تداولته في جريدة الرياض، قبل قرابة العقدين مطالبًا في أكثر من مقال، حل قضايا المرأة السعودية المتعثرة، بإنشاء “وزارة لشؤون للمرأة” في حين نراها اليوم تشق الصفوف في كل مجال؟

لن أعود إلى ما كتبت، فقد أصبح ما دعوت إلى تمكينها من قبل، حقيقة موضوعية ماثلة، حيث وصلت المرأة – مؤخرا – الى مرتبة نائب وزير، وكذلك إلى منصب  السفارة وملحقياتها. 

لهذا  أتمنى رؤيتها في القريب العاجل، عضوًا في مجلس الوزراء، بعدما دخلت مجلس الشورى، بنسبة عددية بارزة، وقد أبدعت في كل مجال دخلت فيه، من التدريس التعليمي والجامعي والإبداع الأدبي، والاستثمار الاقتصادي، والتخصص الطبي، والممارسة الحقوقية، مخلفة وراءها كل موروث أعاق حركتها، وهي تقود الآن  سيارتها، بل قل في الطريق الى ان تملك زمام امرها بيدها حرة طليقة، وهي تتجول بكل جرأة وثقة وثبات، في شوارع تفوقنا الوطني.

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×