مأساة عائلة الشراح.. “كورونا” يختطف” مهدية الأم والحفيدة والأخ عبدالرسول الفيروس أصاب 8 من أفراد العائلة وتخلى عنهم قريبون الا عائلة الصنابير
القطيف: ليلى العوامي
عاشت عائلة الشراح معاناتها الخاصة مع فيروس كورونا المُستجد (كوفيد-19)، اختطف روح أمهم مهدية عبدالله علي زيد، وحفيدتها مهدية أحمد الشراح، قبل أن تبصر النور بيومين، آخر ضحاياه كان الأخ عبدالرسول (سعيد)، فيما نجا شقيقه عبدالمحسن من المصير ذاته، وإن كان الفيروس تسلل إلى جسده، وخمسة آخرين من العائلة، ليكون مجموع المصابين 8، منهم ثلاث نساء، وخمسة رجال، ونجا الصغار من براثنه.
رغم كل ما أصابها؛ تؤكد الأسرة المكلومة إيمانها بالقضاء والقدر، وتمسكها برحمة الله التي “وسعت هذا الكون وكل شيء فيه”، وبلسان الحال تردد “الحمد لله، الذي لا يحمد على مكروه سواه”، رافضة الجزع، متمسكة بحبال “الصبر والسلوان، سلاح المؤمن، الذي قد يأتي على هيئة صديق أو جار أو قريب”.
عائلة عيد الشراح لم تلق السند الذي كان تأمله أثناء محنتها وبعدها، “إلا من فئة قليلة جداً جداً”، فمن كانوا يتوقعون منهم أن يكونوا “مواسون” وجدوهم “مراقبون عن بعد”، يتساءلون “ماذا يحدث في بيت الشراح؟!”، لكن الأسرة تلتمس العذر لهم “قد يكون الخوف من أن يلقوا مصيرنا”.
البداية بإصابة 3 اخوة
يقول أحمد عيد إبراهيم الشراح لـ”صبرة” عن بداية تراجيديا العائلة “كانت بظهور أعراض كورونا على أخوتي عبدالرسول، وعبدالمحسن، ولا نعلم كيف وصل إليهما، ولكن قدر الله وما شاء فعل، حينها انتابتنا المخاوف بأن الوالدة قد تكون مصابة، وما خفنا منه حصل فعلاً”.
بدأت تداعيات الفيروس تنتشر في المنزل، يضيف أحمد “تعبت زوجتي سندس، وكانت حاملاً في الشهر التاسع، وكنا نظن أنها مصابة، ولكن نتيجة الفحص أظهرت سلامتها، ولأننا كنا نخشى أن ينتقل الفيروس لأبناء أخي؛ قررنا نقل العائلة لفندق في الدمام، لنكون في منطقة وسط بين أخي عبدالرسول في مستشفى القطيف المركزي، وأمي في مستشفى الخبر، فانتشر الفيروس كوباء في المنزل وأصيب به غالبية أفراد العائلة، من نساء وأطفال ورجال”.
رحلة الأم من الإصابة للوفاة
الحاجة مهدية عبدالله علي زيد، سيدة مكافحة من سيدات القطيف، عرفت بحبها، وطيبتها وشعبيتها بين الناس، أصيبت بالعدوى منتصف شهر شوال الماضي، وظهرت عليها الأعراض يوم الأربعاء 17 يونيو الماضي، ويوم الخميس تم تحويلها إلى مستشفى قوى الأمن، لإجراء المسحة، وجرى عزلها، للاشتباه بالحالة.
يقول ابنها أحمد “كنا نشك بأنها مصابة. ويوم الجمعة 19 يونيو الماضي، أجريت لها كل الفحوصات المخبرية التي أكدت أصابتها، وبعد ظهور النتائج، وفي 23 يونيو، تم نقلها إلى أحد المستشفيات الخاصة في الخبر، لمدة ثمانية أيام قضتها الوالدة هناك، أربعة منها في العزل، ويومان في العناية المركزة، وبعدها تحسنت حالها، وأخرجت من قسم العناية، ولكن القدر بيد الله سبحانه تعالى، الذي شاء أن تعود للعناية المركزة بعد يومان من خروجها منها، إلى أن توفاها الله يوم الخميس 25 من الشهر ذاته”.
يتسلم ابنها محمد دفة الحديث قائلاً “عند مراجعتنا المستشفى ظهراً، وهو الوقت الخاص بالمراجعة، تفاجئنا بخبر وفاتها صباحاً، وآخر ما سمعناه منها صوتها وهي تصرخ من شدة الألم، حينما حاولنا الاتصال بها عن طريق هاتف الاستقبال في المستشفى، ولكن قدر الله وما شاء فعل”.
مهدية الحفيدة تلحق بمهدية الجدة
سندس الصفار زوجة أحمد الشراح لم يكن حالها أفضل، فقد فقدت جنينها قبل ولادته بيومين ليكون مولودها البكر، حين كانت في الشهر التاسع الحمل، ابان وفاة أم زوجها، وكانت تعاني الألم، والتعب النفسي الذي عاشته وبقية أفراد العائلة؛ فهم يسكنون جميعاً في منزل واحد.
يصف محمد الشراح الموقف “كانت زوجة أخي حاملاً في الشهر التاسع، وتبقى يومان على الولادة، ولكن من كثرة الحزن والخوف، وعدم الشعور بالأمان الذي عشناه، وبعد ظهور أعراض الحرارة عليها؛ خشينا أن يكون الفيرس انتقل إليها، فذهب معها زوجها أخي أحمد إلى عيادة تطمن في المركز الرعاية الصحيية الأولية في العوامية، وبعد أن أن علم الكادر الصحي والتمريضي هناك بأنها حامل؛ أعلنوا حال الاستنفار، أخرجوا كل من في المركز من المرضى، في محاولة لأن يدخلوها، لكونها حاملاً، والحمد لله أن الفحص كان سلبياً (غير مصابة)”.
يستدرك الشراح بالقول “بعد كل هذه المعاناة التي ألمت بزوجة أخي، لم تتحمل الطفله التي في بطنها، وبعد سماع سندس خبر وفاة عمتها مهدية توفى الجنين في بطنها، وهذا بحسب الفحص الذي أجرته الطبيبة على زوجة أخي، وأسماها أبوها احمد الشراح على اسم أمه مهدية، وفاءً لها”.
عبدالرسول آخر الراحلين
الأخ سعيد، الذي يسمى أيضاً “عبدالرسول”، يسكن برفقة عائلته، فهو غير متزوج، ظهرت عليه أعراض الفيروس قبل إصابة والدته بأيام، وتحديداً في 14 يونيو، وأجرى الفحص بعدها بيومين، وبعد سبعة أيام ظهرت نتيجة إصابته إيجابية (مصاب).
بقي عبدرالرسول في المستشفى 14 يوماً، 3 منها في التنويم، وبعد سماع خبر وفاة والدته مهدية دخل العناية فوراً، من شدة الحزن عليها، بقي هناك 11 يوماً، قبل أن ترحل روحه إلى بارئها، وقبلها كان يكرر لأخوته “ما أنسى وقفتكم معي، لو وسدوا يميني”.
يختم أبناء الشراح حديثهم؛ قائلين “نحن نعلم أنه إذا تركنا من حولنا فسيكون أمرنا بيد الله، والحمد الله هناك من أرسلهم الله لنا مخلصين، ومقدمين أرواحهم على أكفهم، وهذا عبرة لنا نحن الأخوة، والأخوات: لا تطمئنوا للتجمعات حتى لا يصيبكم ما أصابنا، أن ينظر لكم أصحابكم من النوافذ، يمرون بسياراتهم مسرعين، خوفاً منكم، دون السؤال عن حالكم، وتقديم المساندة النفسية لكم، رأينا الغربة وقلة الناصر والمعين”، مستدركين “وقت المحنة لم ينسنا أبو الشيخ هاني الصنابير وعائلته، الذين ساندونا ودعمونا، فتضحياتهم لا تُنسى أبداً؛ فهم يرون أمنا خالتهم، وأخونا عبدالرسول أخوهم”.