مثقف صيف.. دكتور صيف..!

محمد رضا نصرالله

قبل سنوات كتب أستاذنا الدكتور أحمد محمد الضبيب مقالاً ذهب مثلاً على الألسنة، حين خصصه عن أولئك الذين يحملون أنفسهم على نيل الدكتوراه في فصل الصيف!! إذ يتفقون مع أساتذة “مختصين”! لنيلها في أسابيع، بمجرد تحديد الموضوع، والاشتغال على الرسالة، ولن تعدم من يساعدك في صياغتها، وأحياناً كثيرة إعدادها وكتابتها من الألف إلى الياء!!

وما أن ينقضي هذا الفصل، الذي يقضيه عادة الأكاديميون والكتّاب والصحفيون إجازة، على شاطئ البحر أو فوق الجبل، بعيداً عن الجد، وبحثاً عن اللغو.. على مذهب العميد طه حسين! حتى يعود صاحبنا إلى البلاد، وقد ازدان بالشهادة، استعداداً للترقي في الوظيفة!! فإذا كان قبل دخول جامعة الأزهر أو الزقازيق في المرتبة السابعة أو الثامنة.. فإنه سيصل بالدكتوراه إلى المرتبة الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة.. وما يدريك فقد يصبح وكيل وزارة.. أو في الأقل مستشاراً لدى معالي الوزير!!

أما إن تباحثت معه في أطروحته.. وما إذا كان مستعداً لطباعتها.. فإنه يحور بك ويدور.. وإن تعمقت معه في البحث، فإنك ستخرج حتماً صفر اليدين!

على هذا النحو يوجد “مثقف صيف” في مقابل اصطلاح الدكتور الضبيب “دكتوراه صيف”!! فهذا هو الآخر يغشى المكتبات، في مثل هذا الموسم من كل إجازة.. ليقتني أحدث ما أصدرته المطابع اللبنانية في مكتبة بيسان، أو المطابع المصرية لدى الحاج مدبولي.. وإن كانت إجازة صاحبنا في أوروبا – وهو الأغلب فهو من الأثرياء – فإنه لابد أن يمر بمكتبة الساقي في لندن.. مؤكداً على صاحبتها حجز نسخة من كل كتاب ممنوع..! فهو مرغوب!! وإن لم يسعه قراءته، فهو في الأقل يستظهر عناوين فصوله، ومستخلصاً زبدة الكتاب من صاحبة المكتبة المثقفة!

وما عليه بعد العودة من الإجازة، واستعادة لقاء الصحب والخلان في الصالونات المرمرية.. سوى استعراض بضاعته.. عنوان الكتاب.. واسم المؤلف.. ولا بأس أن يكون آخر إصدار للأستاذ محمد حسنين هيكل في المقدمة.. وإن لم تكن موضوعاته بالسخونة المهيجة للأحاديث الليلية.. فهو حاملٌ معه مجموعة عبدالله القصيمي.. وبما أنه يتابع الجديد في عالم الكتب.. فلمَ لا يعرض على القوم آخر ما ألفه خليل عبدالكريم؟!.. أما إذا أراد أن يوسع من دائرة اهتمامه، فلن ينسيك انه مفتون بقراءة أحلام مستغانمي من “ذاكرة الجسد” إلى “عابر سبيل”!!

لكن احرص إن أردت السلامة، فلا تتعمق معه في مناقشة كتاب واحد مما يسمي.. سايره حتى نهاية السهرة، تمتع بالأطباق الشهية على مائدته المترفة.. فلا تذكرنّ “هيكل” إلا بخير.. حتى وإن عارض قوله الحق والمنطق.. ولا تقربنّ اطروحات القصيمي الخالية من أية منظومة فكرية ذات مبنى، باستثناء بيضته الوحيدة! “هذه هي الأغلال”.. أما ما يشنعه خليل عبدالكريم في السيرة النبوية، فعليك أن تأخذه أخذ المسلّمات اليقينية بلا نقاش!!

لكن ماذا عن الروائية الجزائرية، التي شربت ماء نزار قباني الدمشقي، وفاضت به على أوراق قصصها..

إنه سيكشف لك عن سرها الباتع، عندما قابلها، في هذه العاصمة الأوروبية أو تلك.. ولن يكون خياله إلا واسعاً، حين يذكر لك في لحظة صفاء! أنه أحد أبطال قصصها.. وما عليك إلا أن تقرأ صفحاتها بعناية، واحدة إثر أخرى، ليبدو لك صاحبنا متبختراً من ورائها!! بينما هو في الواقع قد يكون شاهد الكاتبة ذات الجمال الخابي صدفة، في مقهى من مقاهي باريس.. وما أكثر ما يشاهده المصطافون هناك!!

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×