[شعر] للموتِ رأيٌ آخر
سيد أحمد الماجد
في الشارع المكتظ
بين النهر والعطش القديم وقفتُ
والأحزانُ ترمقني ببؤبؤ رملةٍ
دلوٌ بكفِّي لستُ أملؤه بماءٍ إنما ظمأٍ
هناك النهرُ يخسرُ ضفةً
وهناك يربحُها الظمأ
عند انهيارِ الشمس
كان الضوء منسفكا على العتماتِ
والشبَّاك يغسل ليله من بقعة الصبح التي علِقت
هنا صدرٌ تعافى من ضلوع الزيف
ثم على حوافر عتمةٍ وطأتْ وطأ
هل يسمع الغدُ
ما تقوَّله الطرماحُ الذي ما بينه والنوقِ
حبلٌ من فتيل الوقتِ
دعنا من روايةِ مقتلٍ
فالمقتل الحق الذي يروي المجازُ
فقد روى أن الحسين غدا غدًا
شيءٌ من التأويل لم يظهرْ لقارئه
وصمتُ السيفِ لا يكفي ليَحتزَّ النبأ
اعبر إلى ما لا تراه
إذا أردت مكان خرَّ الدربُ
وانزف من سرابك
فالهداية وزعت جثمانها
والحق وزعه الخطأ
لا ورد يذبل بعد هذا النحر
وعدٌ من دمٍ
أن يبقي الأشجارَ ساهرةً
ويبقى الوردُ يرمش بالشذى
ينمو على مرمى الصدأ
الريح عاكفةٌ
بجنب العلقميِّ تخيط أشجارا
فما وجدَتْ جثامينٌ تتمتِمُ بالحفيفِ
وها هنا ثمرٌ تدلى من غصونِ الخلدِ يطعم موتَه
والموتُ في الفيِّ اختبأ
ما أكثر الأخبارَ
حين تكون عاشوراء جملتها
وحين يكون حز النحرِ فيها المبتدأ
تعبت خيولُ الأبجدية
كلما ركضت بغابات الكرامة
تستميح نهايةً ظلٌ طرأ
الرأسُ يُرفَعُ غيمةً
وظلالُها انعكست منَ الآيات
والمطرُ الكثيفُ عليه مصحفُهُ اتكأ
ينحاز للجرح النهارُ
هناك سيفٌ آيلٌ للأمس
جرحٌ آيلٌ لغدٍ
هنا اشتعل الحسينُ
على فتيل النحرِ
والشمرُ انطفأ
يستدرج الشهداءُ منديلَ السماءِ
لِأنْ يجفِّف ما تساقط من دموعِ الشمس
والشهداءُ ساروا
في مواويل العروج معا
فقالوا: إن منديلَ السماوات امتلأ
للشمس ينبت حافرٌ؟
أنا لم أقل سقطَ الحسينُ
لأنه في الجانبِ الثاني امتطأ
للموت رأي آخرٌ
فالهدهدُ الطفيُّ لم يُفصحْ عن الشمس التي سجدت
ولا عن عرش رمحٍ في العراقِ “كأنه هوَ”
لم تكن بلقيسُ شاهدةً
على سليمانَ الذي فوق الرمال مقطعا
بعثَ الرسالةَ واثقًا
فإليه يسجدُ ضوءُ ما عبَدَتْ سبأ