“كورونا” يصدم الدكتور العباس مرتين خلال 3 أيام: وفاة عمه وانتقال العدوى إليه الإصابة دفعته إلى هجر زوجته أطفاله والعودة إلى حنان الأبوين
سيهات: شذى المرزوق
لم يكد علي حسين العباس يستوعب صدمة خبر وفاة عمه مصطفى العباس، إثر إصابته بفيروس كورونا المُستجد (كوفيد-19)، حتى تلقى صدمة أخرى بعدها بثلاثة أيام: أنت أيضاً مُصاب بالفيروس.
الدكتور العباس، طبيب الفم والأسنان الممارس الصحي في مركز الطب الوقائي بـ”صحة الدمام”، وقبل وفاة عمه أبو منتظر بيومين؛ بدأ يشعر بأعراض الإصابة، ولكنه لم يلق لها بالاً، كان جل تركيزه منصب على عمه، الذي تتجاوز العلاقة بينهما علاقة العم بابن أخيه.
لم يكن مجرد عم
يتذكر العباس عمه المتوفى مصطفى، فتظهر عليه علامات الحزن والأسى، ويقول لـ”صبرة”: “تدفعنا الظروف بعض الأحيان أن نكون بقرب من نحب دون تفكير في الثمن الذي سندفعه لاحقاً. وعمي كان أيضاً بمثابة صديقي الأقرب، وكان بحاجة لدعم معنوي مستمر، حتى يتخطى قلقه الدائم من الإصابه بكورونا”.
مات دون أن يعرف سبب وفاته
حرص علي ألا يعلم عمه أنه مصاب بالفيروس، حتى توفاه الله، “فقد كان مريضاً بالقلب، ولا يتحمل مثل هذا الخبر الصادم، وما يجعلني مرتاح البال، أنه توفي بروح ايجابية عالية”.
ويسترجع العباس آخر ساعات قضاها بالقرب من عمه “قبل يومين من وفاته، بدأت أشعر بالأعراض التي حسمتها نتيجة الفحص الإيجابية، ومع هذا بقيت ملازماً لعمي (أبو منتظر)، حتى آخر ساعات حياته، وفاءً للرجل الذي كان يحتويني بحبه وحنانه، وكان يخاف عليّ من الإصابة بالفيروس، نظراً لطبيعة عملي، فقد كان ـ رحمه الله ـ مداوماً على الاتصال بي والاطمئنان علي بشكل روتيني”.
عزلة في بيت الوالد
وفور أن علم الدكتور العباس بنتيجة الفحص الذي أجراه؛ قرر أن يعزل نفسه بعيداً عن أسرته، عاد إلى منزل والده، ليقضي فيه فترة العزل داخل شقة يمتلكها شقيقه المسافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لطلب العلم، حتى لا ينقل العدوى لابنيه الصغيرين وزوجته مرام العلي، التي تعمل أيضاً في المجال الصحي. وعندما منَّ الله عليه بالشفاء، أرجع الفضل إلى الله، ثم إلى أهالي سيهات “الطيبين”.
ويبرر العباس (٣٥ عاماً)، اختيار بيت أبيه للعزلة “والدي الذي رعاني أمس صغيراً، يرعاني اليوم كبيراً وأنا مصاب بذات الوباء، الذي فتك بعمي قبل أيام من إصابتي”.
الزيارة المستمرة
يرجح الدكتور علي العباس أن يكون سبب اصابته بالفيروس الزيارات اليومية المستمرة للمستشفى الذي يتعالج فيه عمه من كورونا، ويضيف “مجال عملي يتضمن أخذ عينات من المرضى للفحص من كورونا، ربما هذا سبب الإصابة بشكل كبير، وربما بسبب الحضور بين حالات مصابة في أقسام التنويم والطوارىء أثناء زيارتي عمي في المستشفى”.
العزل قبل الإصابة
ويتحدث العباس، عن احترازات ما قبل الإصابة بالفيروس “أعمل في الطب الوقائي، وطبيعة عملي تجعلني عرضة دائمة للعدوى، ولكن بفضل توعية جهة العمل، وتقديم النصائح وآخر المستجدات، وخلاصات الأبحاث، تمكنا من عزل أنفسنا عن أهلنا والمقربين لنا منذ البداية، لسلامة الجميع، خصوصاً أهلنا ومجتمع مدينتي الحبيبة؛ سيهات، بل أخذنا على عاتقنا مسؤولية توعية المجتمع والمقربين بأضرار هذه الجائحة”، مضيفاً “عزلت نفسي تماماً منذ بداية عملي في فريق الطب الوقائي، وخصصت جزءاً منفصلاً تماماً داخل منزلي، بعيداً عن زوجتي والأبناء”.
أعراض واشتباه
وعن بدايات الإصابة بالفيروس، يقول: “شعرت ببعض أعراض الإصابة، ومنها الإعياء والارهاق، وفقدان الشهية بشكل جزئي، ولم أتصور انني أحمل الفيروس، وكنت أظن أن الأعراض بسبب قضاء وقت طويل في العمل والشعور بالإرهاق، وكذلك العمل من جهة أخرى في التطوع المسائي بين مستشفيات المنطقة، ولكن مع تقدم الوقت؛ أصبحت أشعر ببقية الأعراض، وقمت بالفحص الذاتي للكشف عن اصابتي، وأكدت التحاليل أنني مصاب”.
لم تكن الأعراض التي شعر بها شديدة، بل متوسطة، متمثلة في فقدان في حاسة الشم والتذوق، بالإضافة إلى ارتفاع بسيط في درجة الحرارة، واستمرت لمدة أسبوع، ثم تدرجت في الاختفاء، يقول “هذا من فضل ربي عز و جل ودعاء الوالدين ومجتمع سيهات الحبيبة، الذي لم يتخل عني وعن التواصل معي والاطمئنان علي يوماً واحداً”.
حنان الوالدين
ولا ينسى العباس أبداً عطف والديه عليه في فترة العزل “رغم التواصل الذي لم ينقطع معهما عبر وسائل التواصل الاجتماعي منذ بداية الجائحة، إلا انني حين علمتُ بايجابية النتيجة، اخترت أن أقضي فترة العزل الطبي في منزل الوالد الكريم، وكانت فرصة ذهبية لاسترجاع الشعور بحنان الوالدين واهتمامهما بأدق تفاصيل راحتي وسلامتي، ومع قضاء فترة العزل في شقة أخي محمد المقيم مع زوجته في أميركا، إلا أن والديّ كانا يتواصلان معي على مدار الساعة، لتغطية احتياجاتي، حرصاً منهما لعدم شعوري بالوحدة ورفع معنوياتي”.
عوامل مؤثرة
ويرى العباس، أن التغذية واتباع البروتوكولات الصحية حتى في فترة العزل، تساعد بشكل كبير على تخطي هذه التجربة بشكل أسرع “لقد حرصت على الانتظام على تناول الوجبات الغذائية الصحية مثل الفواكه والخضار والمشروبات الساخنة، وأخذ المكملات الغذائية من ڤيتامين سي وڤيتامين د، بالإضافة إلى المداومة على كورس المضاد الحيوي والمسكنات الموصوفة”.
العناية والاهتمام
ويشدد الدكتور علي العباس، على أهمية شعور المريض بحب الآخرين له “الشعور بمحبة واهتمام المحيطين عامل مهم وايجابي ومؤثر في نفسية المصاب، وهنا أشكر جميع زملائي الأطباء على متابعتهم الشخصية وتقديم الخدمات الطبية على أكمل وجه، ومنهم الدكتور صبحا حسين المعلم، والدكتورة ملاك الدرويش، والدكتور هاشم الحسن، كما لا أنسى دور زوجتي الكبير والعظيم في هذه التجربة بدعمها لي، ورعايتها للأبناء أثناء فترة غيابي عنهم.