قبر” رئاب الشنّي”.. القبر الذي ضيّعه قومه

حسن دعبل

نحن لا نملك مدونات، وكتب موثقة عن المكان، ولا حتى قراءات أنثربولوجية، عن طبيعة المكان والإنسان وطبيعة، وأنماط سلوكهم؛ نجد صعوبة كبيرة حتى في تصور المِخيال الأزلي، والبدائي لهذه البقعة أو البرية الفسيحة.

فعالم الأنثربولوجيا يقوم بدراسة أنماط الخبرة الإنسانية، ليجد ذاك التباين كما يراه لحظتها، حتى أنه يجد صعوبة التراكيب لصورة متكاملة لتاريخ الإنسان والمكان، وهذا ما يعطي القوة الخفية لتغييب المكان وطمسه، وبعثه بتلك القيمة، أو القوة الروحية الغامضة للمكان الروحي، بشعائر يعيشون بها بتناغم مع بعضهم بعضا.

أيضاً هذا ما يعطي للخبرة الدينية، ونظامها بتصور كل ما هو سرٍ وغامض، بأنه مكان مقدس لنبي أو وصي، أو سبط وحبر، أو أنه قبر مقدس للتبرك والصلاة الطقسية، من غير أي إشارة، وكتابة، سوى تلك الشذرات الكلاسيكية العربية، كما يوردها المسعودي والطبري وغيرهم، وهو ما يقوم به أيضاً كل الكتبة والمدونيين، بعيداً كل البعد عن القراءات الميثلوجية، والأنثربولوجية، والغورية، والحفرية لهذا المكان المقدس، أو القبر الحائر  باسمه!

وقد اختلف الكثيرون، وغابت حقيقة السّراج الأبدي لهذا القبر. حتى الأسماء الملتبسة للمكان بذكاء خفي: اليسع، الياس، يسوع ..!

“فرئاب الشني” ظل اًسماً غامضاً لا يرد إلا في السؤال الغامض، والمحيّر، كما في السِّير، وكما يُذكر أنه من خير أهل الأرض ثلاثة: رئاب الشني، أتحير أو بحيرا الراهب، وآخر لم يأت بعد، أي النبي محمد، ويذكر أيضاً: “أنه لا يموت أحد من ولد (رئاب)  فيدفن، إلا ورأوا طشاً على قبره”.

ربما ينتمي لتلك الفترة العصيبة لما قبل الإسلام وبعثه. حيث اختلف الناس بين المسيحية والإسلام على أنبياء العرب. فمنهم من قال إنهم أنبياء، ومنهم من قال إنهم جماعة من أهل التوحيد، والإقرار بالبعث والحساب. فرئاب واحد من أنبياء العرب، ومن أنبياء العرب في تلك الفترة: خالد بن سنان العبسي، وسماك بن حرب، وحنظلة بن صفوان، ورئاب الشَّني وكان من عبد القيس من ربيعة، وذو القرنين، وقس بن ساعدة الإيادي، وأمية بن أبي الصلت الثقفي….!!

أيضاً الصورة، والحكاية المرتبكة لما يُنقل عن خالد بن سنان العبسي، ورئاب الشني، متشابهة، سواء في البعث من قبره، وتدوينه لما ستؤول اليه الدنيا، أو الحمار، والكلب الذي يربض عند قبره في اليوم الثالث، أو حتى ابنته الأسيرة في صدر الإسلام، ومقولة الرسول محمد المشهورة:

هذه بنت نبي ضيّعه قومه.

فرئاب الشني، أو جرجيس كما يلقب، من قبيلة عبد القيس، التي استوطنت وسكنت في بطائح القطيف (أي قبيلة شن(، إذاً هذا المكان سكن قبيلته الأولى، فالمنطقة ليست زراعية، هي آجام ونجود رملية شاسعة، بعيدة كل البعد عن ترف الحياة وملذاتها، وهي المكان النائي والبعيد عن المدن والواحات.

فقبر اليسع الذي ذكرته السّير والمدونات، لم يكن غير قبر الراهب أو الكاهن النسطوري رئاب. فرئاب وجرجيس هما من النساطرة، المنتمين للكنيسة النسطورية المنتشرة في شرق الجزيرة العربية ذاك الوقت، فقبر رئاب الشني، يشار له في المدونات الكنسية النسطورية لبيت قطرايا، قبر الجاثليق النسطوري (يوسعاب(.

فهل هو الراهب رئاب؟ وهل كان سبطاً من أسباط العرب؟

وهل لبس المسوح وتبع السياح وتحسى من بيض النعام، وتاه في البراري والقفار!؟

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×