الفرصة
قباء رضى نور الدين
“الفرصة تمر مر السحاب، فانتهزوا فرص الخير”، هكذا حث الإمام علي(ع) على انتهاز الفرص. ونحن نعرف أن اقتناصها واغتنامها من أبرز سمات المنجزين الذين يتصل إنجازهم ونجاحهم باستثمار الفرص والحرص على عدم ضياعها. فكيف يمكن لنا أن نتعامل معها تعامل يخدمنا؟
إذا نظر الإنسان لمحيطه وما حوله سيجد أن كل شيء نادر مقارنة بعمره وفترة بقاءه في هذه الدنيا، عمر الإنسان ووجوده هو الفرصة النادرة وليست الأشياء من حوله.
إن عمر الإنسان يتكون من سنين، أشهر، أيام، دقائق، ثواني وأنفاس وكل نفس من أنفاس الإنسان فرصة قد لا تتكرر.
اغتنم خمسًا قبل خمس
في وصية من رسول الأمة محمد صل الله عليه وآله وسلم إلى أبي ذر قال له فيها: (يا أبا ذر! اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك).
بقراءة متبصرة متأنية لهذه الوصية المخلدة نلاحظ توكيدا شديدًا على أهمية اغتنام الفرص الخمس وهي: الشباب، الصحة، الغنى، الفراغ والحياة.
ولابد من الإشارة أن معنى مفردة الغنم: هو الفوز والنجاح والفلاح، من غير مشقة ولا تعب.
من يغتنم مرحلة الشباب والتي تعد من أهم الفرص في حياة الإنسان، ويسارع في اغتنام الفرص وهو في الفترة ما بين فترتي ضعف، ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة ولا ننسى أنها فرصة نملكها مرة واحدة في حياتنا، فلا يمكن للكهل أن يعود شابًا.
أما الفرصة الثانية فهي اغتنام الغنى: الغنى فرصة مهمة، فالغنى قوة تستطيع أن تنتج بها وتعطي وتصنع، قوة تغير بها المجتمع من حال لحالٍ أفضل فتكون بمثابة العمود الفقري لمن يحتاجك وقوة تعرف بها الله في الرخاء ليعرفك في الشدة.
والفراغ فرصة! مدركها قليل، فعندما تمر في حالة فراغ كالتي تسبب بها فايروس كوفيد19 عند البعض، استغل هذا الفراغ بما يفيدك في الجانب الأكاديمي وغير الأكاديمي حتى لا تفوتك الفرصة عند شغلك.
والحياة بجميع جوانبها عبارة عن مجموعة من الفرص، فلا تتقاعس عن اغتنامها، ولا تسمح ان تذهب حياتك سدى.
ولنأخذ مثلاً على اغتنام الفرص الخمس الفلسطيني طلال أبو غزالة صاحب واحدة من أكبر شركات تسجيل الملكية الفكرية في العالم، تقدم مجموعته خدمات في المحاسبة والاستشارات الإدارية ونقل التكنولوجيا والتعليم على مستوى عالمي.
قبل أن يكون طلال أبو غزالة امبراطوراً مالياً كان طفلاً فقيراً لاجئاً في لبنان قدم من يافا يحمل داخله هدفاً كبيراً هو أن يثبت نفسه ويتفوَّق على عدوِّه، وصنع طلال أبو غزالة أول فرصة له عندما وقف الطفل على باب منزل مدير المدرسة وطلب منه منحة دراسية لفصل واحد على أن يثبت تفوُّقه لنيل منحة جديدة، واستطاع أبو غزالة أن يكمل تعليمه بمنحة كاملة حتَّى تخرج من الجامعة الأمريكية في بيروت.
سافر من بلد إلى بلد، وأسس شركة في سيارته قبل أن ينتقل إلى مكتب ثم يأسس شركات أخرى ويفتتح فروعاً في دول العالم حتى صار اسمه علامة فارقة، بل واغتنم غناه في دعم وتدريب الباحثين والدارسين وإعدادهم لسوق العمل إضافة إلى مركز الحوكمة، للتوعية وممارسة الدور الاجتماعي لخدمة المجتمع ومؤسسة أبو غزالة الخيرية.
طلال مثال واحد للعديد من الاشخاص الذي تأهبوا واستعدوا لاقتناص الفرص التي تمر في طريقهم.
“ما زلت حيًا وأؤمن بأني سأجد الطريق يومًا ما إلى ذاتي إلى حلمي إلى ما أريد، سأصنع الفرص والأحلام والأهداف والأماني!” هكذا كان يتعامل محمود درويش مع الفرص، فماذا عنّا؟