“الأسود” وأسرته صارعوا كورونا من الجبيل إلى البرج الطبي.. وهزموه تفاصيل 3 أسابيع من تشتّت أسرة.. وشجاعة كادر صحي.. وصبر مريض

القطيف: صُبرة

قصة مطوّلة مزدحمة بالتفاصيل، يسردها المواطن حبيب الأسود بنفسه وبقلمه، سارداً إياها منذ شكواه من مشكلة ليس لها علاقة بفيروس كورونا، حسب الظاهر، مروراً بحالة الاشتباه، ثم التشخيص، فالعلاج.

قصة تشتّت فيها أسرة، وبذل فيها أبطال الصحة جهداً شجاعاً، وتخلّلها صبر مريض. قصة مضبوطة بتواريخها، تمثل نموذجاً لانطباعات مريض يسجّل رضا هنا، وتأفّفاً هناك؛ وفي الوقت نفسه؛ تُشير إلى البذل الكبير الذي يحصل عليه كلّ مواطن ومقيم في هذه البلاد الكريمة، خاصة في جائحة كورونا.

خذوا القصة ـ بكل تفاصيلها ـ من لسان المواطن نفسه:

صراعي مع الكورونا

حبيب الأسود

قبل إلاصابة بكوفيد 19

 منذ ثلاث سنوات وأنا أعاني من حالة مرضية تأتي في السنة مرة، خاصة عندما أصاب بنزلة برد؛ حيث يصاحب ذلك احتقان شديد في الحلق وكحة مستمرة وإفراز بلغم لا ينتهي، تستمر هذه الحالة معي من شهر إلى شهرين، وكنت أراجع مركز طب الأسرة ويصف لي الأطباء بعض الدواء لكن دون فائدة تذكر، وأحيانا تختفي هذه الحالة دون تدخل الطب، حيث أقوم بالغرغرة بالماء الدافئ مع الملح والكركم أو مع قليل من الخل، وعلى الرغم من كثرة مراجعتي لمركز طب الأسرة لم يتكرم أحد من الأطباء لتحويلي للمستشفى لأخذ رأي استشاري الأمراض الصدرية في الموضوع مع حاجتي الشديدة لذلك..!

أتذكر في هذا الصدد أنه في أثناء مراجعتي لمركز طب الأسرة أصبت بألم شديد في رجلي جعلني أتحرك ببطء شديد، وعند مراجعة طبيب المركز طلب تحويلي لاستشاري المخ والأعصاب، وتم تحديد موعد بعيد جدا، وحينما حان الموعد قابلت الاستشاري فسألني مم تشتكي؟ فقلت له عندما كنت في حاجة ماسة لمقابلتك لم أتمكن، أما الآن فالحمد لله لقد زال الألم ورجعت الأمور إلى طبيعتها، فقال لي ممازحا لقد كبرت عاما كاملا منذ تم تحويلك لي حتى الآن، فقدمت له اقتراحا، وطلبت منه أن يتبناه، وهو: في حال إحالة أي مريض يجب أن يراه الاستشاري في أقرب فرصة، فإن كانت حالته تستدعي التدخل السريع يتم التعامل معها مباشرة، وإن كانت الحالة قابلة للتأجيل فلتُأُجل ولا مانع من ذلك.

الإصابة والتنويم

استمرت الحالة معي هذا العام منذ شهر فبراير 2020م، وتزامنت مع انتشار فيروس كوفيد 19 المتجدد، وكنت أتردد على مركز طب الأسرة وقسم الطوارئ بمستشفى الهيئة الملكية بالجبيل كثيرا، ولكن دون جدوى، فلم أحصل على تشخيص دقيق للحالة ولم تختفِ الأعراض، وحصل أن شعرت بارتفاع درجة حرارة جسمي فطلبت من طبيب المركز أن يعمل لي بعض التحاليل الطبية، وقد أظهرت نتيجة التحليل أن لدي التهابا في البول تمت معالجته باستعمال المضاد الحيوي، فانخفضت الحرارة لفترة قصيرة، ثم عاودتني من جديد مع وهن شديد وكحة شديدة وإفراز مستمر للبلغم، فقلت في نفسي ربما أنا مصاب بفيروس كوفيد 19، فذهبت للطوارئ وطلبت منهم أخذ مسحة مني للتأكد من عدم إصابتي بفيروس كورونا ففعلوا، وأخذوا عينة من دمي وعملوا لي أشعة على الصدر أيضا، وبعد ثلاثة أيام جاءت النتيجة سلبية، لكن الحرارة استمرت معي، والكحة والبلغم لم يتوقفا، وشعرت بالتعب الشديد.

فتكررت مراجعتي للطوارئ وفي كل مراجعة يفيدوني أن رئتي جيدة وتنفسي جيد ونسبة الأوكسجين ممتازة ونتيجة المسحة السابقة سلبية، فيعطوني خافضا للحرارة وهكذا دواليك في كل مراجعة، لكن وضعي الصحي بدأ يتدهور يوما بعد يوم حتى أنني لم أستطع صيام أيام شهر رمضان، وذلك لحاجتي للمسكنات وضعف بدني وفقدان الشهية وصعوبة في النوم والكلام، ولم أستطع زيارة والدتي لمدة أكثر من ثلاثة أشهر؛ بسبب المرض و الحجر الصحي، فقررت أن أقوم بزيارتها يوم الأحد  10مايو 2020م إذا تحسنت حالتي الصحية، خاصة وأن قسم الطوارئ بالمستشفى استبعد إصابتي بالكورونا بناءً على المعلومات الواردة أعلاه، لكن حالتي لم تتحسن فذهبت في مساء يوم السبت 9 مايو 2020م إلى قسم الطوارئ وقلت للطبيب: في كل مراجعة لي للقسم تصفون لي خافضا للحرارة والحالة لم تتغير! وأنا لا أريد أن أعيش على خافض الحرارة باستمرار “شوف لي حل ” وكانت صحتي متدهورة فتفاعل معي الطبيب وطلب أخذ أشعة للصدر ومسحة من الفم والأنف وعينة من الدم للتحليل وتمت إحالتي للتنويم، فوضعت في قسم العناية المركزة في غرفة لوحدي من يوم السبت 9 مايو حتى صباح يوم الجمعة 15 مايو 2020م، وأنا أعاني من كحة مستمرة، وبلغم لا ينقطع، وارتفاع في درجة الحرارة، وعدم انتظام في ضغط الدم، مع صداع خفيف ووهن في جسمي.

 وفي قسم العناية المركزة بمستشفى الهيئة الملكية بالجبيل قدمت لي كافة أنواع العناية الطبية، واستمر الكادر الصحي في مراقبتي والتأكد من العلامات الحيوية، وإعطائي المضاد الحيوي وخافض الحرارة في الوريد، وتم إعطائي يوميا إبرة لسيولة الدم وبعض الحبوب، وكانت الممرضات يدخلن علي وهن لابسات الملابس الوقائية من كمامات ومريلات وقفازات يخلعنها ويرمينها في الحاوية المخصصة لذلك عند خروجهن من غرفتي.

وفي اليوم الثالث من التنويم اتصل بي طبيب الطوارئ واعتذر عن عدم أخذه حالتي مأخذ الجد أثناء تكرار مراجعتي للطوارئ، قلت في نفسي جميل أن يعتذر من يشعر بالتقصير ولكن قد يؤدي عدم اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب إلى عواقب لا يحمد عقباها، وفي يوم الخميس 14 مايو 2020م أخبرني طبيب العناية المركزة بأنه كان يتابع حالتي واستبعد أن أكون مصابا بكوفيد 19؛ نظرا لكون الأشعة أظهرت سلامة الرئة وأن نسبة الأوكسجين عندي ممتازة وأنه كان ينتظر نتيجة المسحة فإذا كانت سلبية فسوف يعمل لي أشعة مقطعية لأن أشعة الصدر بينت نقطة يجب التأكد منها، لكن التحاليل أثبتت أنه يوجد في جسمي فيروس كورونا خامل، قلت في نفسي ربما إن الذي جعله خاملا هو مقاومتي له أثناء ما كنت أتردد على قسم الطوارئ، وما يدريك لعلي التقطته أثناء ترددي على القسم، وحمدت الله كثيرا على أنني لم أتمكن من زيارة والدتي المسنة والمريضة والتي تقيم مع ابن عمي وزوج أختي المصاب بالسرطان، ويقيم معه ابنه الأكبر الذي يعاني من فشل كلوي ويخضع لعملية غسيل الكلى، فلو أنني تمكنت من زيارتها في هذه الفترة بناءً على المعلومات الطبية التي أفادني بها قسم الطوارىء بمستشفى الهيئة الملكية فلربما نقلت لها ولزوج اختي وابنه فيروس كورونا، وحيث إن مناعتهم ضعيفة فلربما يكون ضرر الفيروس أشد عليهم، ولربما أودى بحياة أحدهم ولكن الله لطف بهم ولطف بي أيضا فله الحمد والشكر، إذ لو تمت الزيارة وحدث مكروه لهم سوف يلازمني الحزن وتأنيب الضمير ما بقيت حيا.

وبمجرد أن أخبرني الطبيب بأني مصاب بفيروس كوفيد 19 طلبت من المستشفى أن يأخذوا مسحة لأفراد أسرتي حيث إنني مخالط لهم، وتذكرت حالة ابني الأصغر عندما أخذته لقسم الطوارئ بمستشفى الهيئة الملكية بالجبيل حين ظهرت عليه أعراض الإصابة بفيروس كوفيد 19، فأعطوه خافضا للحرارة ولم يأخذوا منه مسحة للتأكد من عدم إصابته بفيروس كوفيد 19! فطلبت منهم أن يرسلوا فريقا طبيا كما تفعل المستشفيات الحكومية لبيتي وبيت ابني الأكبر، إلا أنهم اعتذروا بأن هذه الخدمة غير متوفرة وعلى أفراد أسرتي أن يأتوا للطوارئ لأخذ المسحة، فاتصلت بأسرتي وأبلغتهم بأن يذهبوا للطوارئ، حضروا جميعا وأُخذت منهم، وبعد ثلاثة أيام ظهرت النتيجة وتبين أن زوجتي مصابة وابني الأصغر مصاب أيضا.

وحيث إن زوجتي لم تظهر عليها أعراض الإصابة بالفيروس، ومع اختفاء أعراض المرض من ولدي الأصغر، فقد طلبت العائلة أن يكون الحجر في المنزل وتم لهم ذلك، وبذلك تشتت شمل الأسرة؛ أنا منوّم في المستشفى، وزوجتي وابني الأصغر في حجر منزلي، وابني الأوسط استأجر غرفة في فندق على حسابه الخاص، وبقي ابني الأكبر وعائلته في بيتهم فأصبحنا لا نتزاور، وكان ابني الأكبر يحضر طلبات والدته من السوق ويضعها أمام باب المنزل وينصرف بعد إشعارها بذلك، نحمد الله أننا لم نكن مخالطين لأي شخص خارج نطاق الأسرة.

النقل إلى المجمع الطبي

في يوم الجمعة 15 مايو أبلغني طبيب العناية المركزة بمستشفى الهيئة الملكية بالجبيل بأن التعليمات الصادرة لهم من وزارة الصحة تقضي بضرورة نقلي لمستشفى الجبيل العام، ثم تغيرت التعليمات بضرورة نقلي لمستشفى الدمام المركزي، وجاء طبيب من الطوارئ وقال لي سوف يتم نقلك إلى مستشفى الدمام المركزي وسوف توضع في كيس بلاستيك مكيّف، هل لديك مشكلة في ذلك؟ قلت لم أجربه من قبل، فقال الموضوع بسيط؛ الكيس مكيّف ولن تتضايق، قلت له أنا معي كحة شديدة وإفراز بلغم لا ينقطع، فأخشى أن أوضع في غرفة مشتركة، فأضايق الآخرين، فقال لي سوف يضعونك في غرفة خاصة مثل ماكنت عندنا، ومستشفى الدمام المركزي مستشفى كبير وإمكانياته كبيرة، فقلت على بركة الله.

عندما حان الوقت حضر الفريق المكلف بنقلي، وهو مكون من ممرضة ومسعف مرافقين لي إضافة إلى سائق سيارة الإسعاف، ووضعوني في كيس البلاستيك وربطوني، ثم أخرجوني من باب الطوارئ حيث سيارة الإسعاف بانتظاري، وتم تصوير عملية خروجي من باب الطوارئ حتى ركوب سيارة الإسعاف.

انطلقت السيارة باتجاه الدمام، وبعد خمس عشرة دقيقة تعطلت السيارة وكان الجو حاراً جدا، فراودتني بعض الأفكار السلبية بأنني سوف أختنق داخل هذا الكيس، ولكن لحسن الحظ فإن الخراب كان في ناقل الحركة (القير) واستمرت السيارة تشتغل والتكييف لم ينقطع، فقلت لمرافقي: ناقل الحركة لا يخرب فجأة فلماذا نقلتموني في سيارة بها عطل؟ أجاب بأنها خارجة للتو من الصيانة، وقالوا لقد تم إصلاح ناقل الحركة، انتظرنا قرابة الخمسة عشرة دقيقة حتى حضرت سيارة إسعاف أخرى نقلت لها وأخذنا طريقنا إلى مستشفى الدمام المركزي، وعند وصولنا للمستشفى انتظرنا خمسة عشرة دقيقة في سيارة الإسعاف حتى سمح لنا بدخول مبنى الحجر، هناك وضعوني في غرفة مشتركة فيها ثلاثة أسّرة، فصدمت وتذكرت كلام طبيب الإسعاف الذي قال لي بأنهم سوف يضعوني في غرفة خاصة! وتساءلت لماذا قال لي ذلك ولمَ لم يقل الحقيقة؟!

 في غرفة 418

أوصلني الفريق المرافق إلى الغرفة ( 418 ) وهي تقع في الدور الرابع من المجمع الطبي بالدمام، ويبدو أن هذا الدور مخصص لعزل حالات المصابين بفيروس كورونا من الرجال، ثم غادر بعد أن دعا لي بالخروج من هذه الأزمة، في دورة المياه تفاجأت بأن شطاف الماء معطّل وإذا فتحت الماء فسوف تبتل ملابسك، فأخبرت عنه وطالبت بإصلاحه بإلحاح شديد طيلة يومي الجمعة والسبت، ولم يتم إصلاحه إلا بعد الساعة الحادية عشرة من مساء السبت! وفسرت التأخير في إلاصلاح بأن الموظفين يخشون الدخول إلى غرفة المصابين بالكورونا خوفا من العدوى، وقد كان في الغرفة مريض من الجنسية الهندية تبدو حالته صعبة جدا حيث لا يتوقف عن السعال والاستفراغ، وكان يصاحب الإستفراغ خروج بعض الدم فيستنجد بالطاقم الطبي، والذين لم يقصروا أبدا في أداء دورهم فكانوا يقدمون له الإسعاف اللازم من أوكسجين وأدوية للكحة وخافض للحرارة وغيرها، وكانوا عندما يدخلون علينا الغرفة عليهم ملابس تشبه ملابس رواد الفضاء، ومزودين بأوكسجين خاص بهم، ولسوء حالة زميلي الهندي في الغرفة فإنني لم أستطع النوم، ولم أكمل أي وجبة طعام تقدم لي، حيث تشتد حالة السعال والاستفراغ عنده كلما بدأت في الأكل؛ فأتوقف عن الأكل وأحيانا أدع وجبتي.

وفي اليوم الثالث أضافوا لنا مريضا من الجنسية الهندية لا يشعرك بأنه مريض ولم يستمر معنا سوى يوم واحد، ثم نقلوه في الليل إلى الحجر الفندقي، وحل محله مريض من الجنسية اليمنية، وهذا المريض شاب أصيب بالفشل الكلوي وتبرعت له أخته بكلية وعمل عملية لزرعها بمستشفى الملك فهد التخصصي قبل ستة أشهر، وكان كثير الإلحاح على الطاقم الطبي لنقله من الغرفة نظرا لحساسية وضعة الصحي، وتم نقله في اليوم الثاني، لكن السرير لم يخلُ، حيث جاؤوا بمريض من الجنسية المصرية وضعه الصحي جيد، وكان طول الليل ممسكا “الموبايل” ويتكلم بصوت عال، لا أستطيع معه النوم، وفي اليوم التالي ساءت حالة زميلنا الهندي الأول وتم نقله إلى مكان آخر، وحل محله مريض من الجنسية المصرية يعاني من شدة السعال.

نعود للمريض المصري الأول صاحب “الموبايل” إذ خاطبته وقلت له يا أخي انت لست وحدك في هذه الغرفة ويوجد معك زملاء مرضى بحاجة إلى الراحة والنوم، وأنت لا تتوقف عن استعمال “الموبايل” طول الليل، وتحكي قصص ألف ليلة وليلة وبصوت مرتفع، وكأنك لست مريضا في مستشفى فيخفض صوته قليلا! ولكن دون توقف ويبقى صوته يرن في أذني طوال الليل إضافة إلى نوبات السعال التي تنتاب المريض الآخر، فلم أستمتع بالراحة أو النوم لأيام مما أتعبني زيادة، وتنفسنا الصعداء أنا وزميلي المريض المصري الآخر عندما تم نقل صاحب الموبايل إلى الحجر الفندقي، حيث حل مكانه مريض آخر من الجنسية الهندية يبدو أنه من أصحاب المشاكل، حيث تجده عندما يخلو بنفسه يئن من الألم، وعندما يسكت يجري مكالمات بالجوال بصوت مرتفع جدا، فقال لي المريض المصري الآخر أنت طلبت من المريض المصري صاحب الموبايل أن يخفض صوته أثناء إجرائه مكالمات آخر الليل، وهذا المريض الهندي لا يقل عنه إزعاجا فهلا خاطبته بأن يخفض صوته قليلا، ففعلت، وكان هذا المريض عندما يزوره الممرضون أو الممرضات يبدأ بالشكوى ويتهمهم بالتقصير، وأشهد الله أنهم لم يقصروا وكانوا يؤدون واجبهم على أكمل وجه، وحدث أن دخلت عليه إحدى الممرضات ووجدته لم يأكل وجبته، فسألته لماذا لم تأكل وجبتك؟ فقال لا أريدها أبعديها من أمامي، فردت عليه هذه مسؤولية الشركة مقدمة الخدمة، إلا أنه صرخ في وجهها بصوت عال فج؛ (أبعديها من أمامي)، فأخذتها ورمتها في الحاوية، وفي صباح اليوم الثاني اتصل به صديقه وسأله عن حاله، فقال أنا بخير، ولكن الكادر الصحي يعاملوني معاملة سيئة! تصور أنهم البارحة أخذوا وجبتي ورموها في الحاوية! وحرموني منها، هؤلاء ليسوا بشرا إنهم شياطين!

ودخل في محاججة شديدة عندما دخلت عليه الممرضة لتفقد حالته (هاوشها) وقال لها أنتم البارحة حرمتموني الوجبة ورميتموها في الحاوية، هنا أنا استعددت لأن أشهد لصالح الكادر الصحي بحسب ما رأيت وسمعت في حال تقدم بشكوى ضد الكادر الصحي، وقلت في نفسي سبحان الله فعلا يوجد صنف من البشر يتنكر للنعمة ولا يشكر، فقد عومل المقيم كالمواطن وقدمت للجميع خدمة صحية ممتازة ومكلفة، ولو كان هذا المريض في بلده فالله أعلم ما هو مصيره؟ لكن بالتأكيد لن يلقى نفس الرعاية التي تلقاها في بلدي، وكان لنكرانه الجميل وعدم احترام النعمة حرقة في قلبي.

استمرت الحرارة والسعال وإفراز البلغم معي مدة خمسة أيام وفي كل يوم كان الكادر الصحي يعطيني مضادا حيويا وخافضا للحرارة وإبرة لسيولة الدم، ويأخذون عينة من دمي للفحص.

وفي يوم الأربعاء 20 مايو 2020م أخذوا لي مسحة ويبدو أن الفيروس ما زال موجودا فاستمروا في إعطائي العلاج إلى أن رجعت حرارة جسمي إلى الوضع الطبيعي، وانتظم ضغط الدم، فتوقفوا عن إعطائي المضاد الحيوي وخافض الحرارة.

وفي يوم الأحد الموافق 24 مايو 2020 م أبلغوني بأني شفيت تماما من الفيروس، وتم نقلي إلى قسم الباطنية في الدور السادس.

الانتقال إلى الباطنية

 نقلت إلى الغرفة 609 في قسم الباطنية، وأنا لا أعرف لماذا نقلت، حيث إنه وفي أثناء وجودي في الحجر – سواء في مستشفى الهيئة الملكية أو مستشفى الدمام المركزي- لم يزرني طبيب مختص، بل ممرضات وممرضون ربما لخوف الأطباء من انتقال العدوى لهم، وكان الممرضون يضيفون لي بعض الأدوية، ولما أسأل لماذا هذه الأدوية يجاوبون بأن الدكتور يقول لا بد أن تأخذها وآخذها دون توضيح، وبعد الاستفسار من الممرضات لماذا أنا هنا في قسم الباطنية؟ أفادوني بأن التحاليل أثبتت أن معي فقر دم وأن المرضى من عمر 55 سنة فما فوق لا بد أن يخضعوا لعملية منظار للتأكد من عدم وجود نزيف داخلي، فسلمت أمري لله وانتظرت، وكان معي في الغرفة مريض من الجنسية البنغالية وآخر مواطن من خارج الشرقية استلمني أسئلة وتحقيقا؛ الأخ مصري؟ قلت له بل سعودي، ما اسمك؟ قلت فلان؟ أين تقيم؟ قلت في مدينة الجبيل الصناعية، مم تشتكي؟ قلت بعض المشاكل الصحية، وكان هذا المريض لا يحمل (موبايلا) ويعتمد في الاتصال بأهله على “تلفون” الغرفة وحدث أن “التلفون” موجود عند سريري، فقلت لهم انقلوا الهاتف إلى سرير زميلي، قالوا إن “الفيش” المجاور لسريره لا يعمل! قلت لا يمكن أن أصبر على هذه الحالة كلما جاءته مكالمة في الليل (نط) إلى سريري وأخذ يكلم أهله!

أحضروا له سلكا طويلا ولا بأس أن يبقي الهاتف في مقبس سريري على أن يكون الجهاز عنده وتم حل المشكلة.

اختلف الوضع كثيرا في هذا القسم عنه في قسم الحجر حيث كانت الأبواب في قسم الحجر مغلقة، ولا يسمح لنا بالخروج، وعمال النظافة لا يأتون الا مرتين في ال24 ساعة، وكانت الوجبة تحضر لنا وأحيانا يطرق الباب ويقولون استلموا وجبتكم، أما في قسم الباطنية فجميع الأبواب مفتوحة وعمال النظافة يتفقدون الغرفة باستمرار والوجبة تأتينا في موعدها.

شعرت بالراحة في قسم الباطنية وأخذت أتمشى في البهو كنوع من ممارسة الرياضة حتى استوقفني عسكري وقال لي ما هو سبب خروجك من الغرفة؟ قلت مللت التمدد على السرير وخرجت أطلق رجلي، قال ارجع إلى غرفتك ولا تخرج لأن هذا القسم مشترك (رجال ونساء)! قلت إن شاء الله لكني لم أعلم أن القسم مشترك، وكما لم أستطع النوم في قسم الحجر هنا أيضا لم أستطع؛ حيث يوجد مريض في الغرفة المجاورة طول الليل والنهار يصرخ بصوت عال وينادي الممرضات بأسمائهن فلانة تعالي.. فلانة تعالي وأحيانا يغلط عليهن بالسب وكأن الموجودين في القسم من الكادر الصحي مخصصون لخدمته فقط!!

 إضافة إلى أن غرفتي كانت قريبة من مكان تواجد الكادر الطبي، فكنت أسمع حديثهم مما اضطرني لمخاطبتهم قائلا اهدؤوا قليلا؛ حيث يوجد لديكم مرضى بحاجة للراحة والنوم، فاستجابوا وأغلقوا باب غرفتي، في اليوم الثاني من تواجدي بقسم الباطنية تم نقل المريض البنغالي، وأحضروا محله مريضا هنديا للتو قد خرج من غرفة العمليات، وحالته تكسر الخاطر، ممنوع من الأكل والشرب لمدة 24 ساعة حتى ينتهي مفعول البنج فكان يصرخ من الألم ويتوسل طالبا الماء، وكان يطلب مني أن أسقيه الماء فأنظر اليه بانكسار، فأنا لا أستطيع إعطاءه ما يريد وفي ذات الوقت لا أتحمل إلحاحه علي وتوسله، وكان لا يستطيع الذهاب لدورة المياه إلا بمساعدة الممرضات اللاتي لا يفارقنه طول الليل، مثل هذا المريض يجب أن لا يوضع مع مرضى آخرين إلا بعد أن ينتهي مفعول البنج فقد حرمنا الراحة والنوم، وكان لهذا الوضع تأثير سلبي علينا نحن المرضى الآخرين.

بقيت في الغرفة 609 ثلاثة أيام بانتظار عملية المنظار، ثم أبلغت بأني (مرخوص) ويمكنني مغادرة المستشفى دون أن يعملوا لي عملية المنظار، ربما لأن صحتي تحسنت وهناك أشخاص مرضى في حاجة للسرير أكثر مني، على كل حال، خرجت من المستشفى يوم الخميس الموافق 28 مايو 2020م ودخلت بيتي والتم شمل أسرتي، واستطعت الاطمئنان عليهم بعد 21 يوما قضيتها بالمستشفى، والسبب فيروس كورونا فالحمد لله على كل حال.

رأي في كل ما حدث

مما شاهدته في مستشفى الدمام المركزي يدعوني لتوجيه التحية والتقدير للطاقم الطبي بالمستشفى وأدعو الله بأن يشد على أيديهم ويجنبهم الإصابة بالكورونا؛ لأنهم يقدمون عملا رائعا ومتفانون في خدمة المرضى، ويتحلون بالصبر والاحترافية.

إن التصدي لهذه الجائحة يتطلب إمكانيات ضخمة لا يمكن للأفراد توفيرها، ولا يمكن تركها للقطاع الخاص الذي من اهتماماته البحث عن الربح، فالشخص الذي لديه إمكانية مادية يمكن أن يعالج، وأما الفقير فقد لا يتوفر له العلاج، كما حصل في دول كنا نعتقد أنها متقدمة، لذا أتمنى من كل قلبي أن تستمر الدولة بتقديم خدمات الصحة والتعليم للمواطنين وعدم تسليمها للقطاع الخاص.

 وفي الختام أوجه نصيحة بأن يلتزم الجميع بالتوجيهات الصادرة من وزارتي الصحة والداخلية وأن يلتزموا بالحجر المنزلي قدر الإمكان، ولا يخرجوا من منازلهم إلا للضرورة، مع لبس الكمامات وترك مسافة كافية بينهم وبين الآخرين، والابتعاد عن المصافحة اليدوية والقبلات، والحرص على غسل اليدين بالماء والصابون في فترات متقاربة، وتجنب لمس الوجه ما أمكن، مع التقليل من استعمال المطهرات؛ لأنها تقتل البكتيريا الضارة والبكتيريا النافعة الموجودة على جلد اليدين، والتي نحن بأمس الحاجة لها خاصة هذه الأيام، كما أنصح بعدم التردد على المستشفيات في هذه المرحلة إلا للضرورة القصوى، مع الاهتمام بتقوية الجهاز المناعي عن طريق الأكل الصحي والتركيز على أكل الفواكه والخضار والورقيات وممارسة الرياضة وأخذ قسط كاف من الراحة البدنية.

حفظ الله الجميع من كل سوء ومكروه وأزال هذا البلاء عن العالم إنه سميع مجيب.

‫9 تعليقات

  1. حمد لله على سلامتك يابو نوفل وسلامة العائلة الكريمة ، فرحنا لخبر شفائكم و لم شملكم من جديد. ويعطيك العافية على هذا السرد المفصل والاسلوب الرائع والمنمق دون اسقاط أي تفاصيل وتوضيح ما تقوم به وزارة الصحة وابطالها من أطباء وممرضين واداريين، اسال الله لك ولهم الاجر ودوام الصحة.

  2. عباس الشماسي
    استاذنا الغالي أبي نوفل
    واذا مرضت فهو يشفين.
    حمدا لله على سلامتكم والاسرة الكريمة وحفظكم من كل سوء، وأجلى مشاعر التقدير والاكبار للخدمات الطبية المتطورة التي ينعم بها المواطن والمقيم على ارض المملكة.

  3. حمداً لله على سلامتكم أستاذنا الغالي أبا نوفل أنتم والعائلة الكريمة ونسأل الله أن يزيل هذه الغمة عن البلاد والعباد.

  4. الحمد لله على السلامة ونسأل الله الشفاء لبقية المرضى. القصة طويلة لذلك اعتقد بأنه من الأولى اختصار القصة وعدم ذكر كل التفاصيل حتى لاتصبح مملة. الله يشفي كل مريض بحق محمد وآل محمد

  5. الاستاذ الفاضل حبيب الاسود.

    حمدا لله على سلامتك وجميع افراد اسرتك الكريمة. حفظكم الله بحفظه المكين.

  6. الحمد لله على السلامة اخونا العزيز ابو نوفل ما تشوف شر انت و العائلة الكريمة وجر وعافية إنشاء الله

  7. حمدا لله على سلامتك اخونا العزيز ابو نوفل ونشكرك على تدوينك لرحلتك المضنية مع هذا الفيروس ونحمد الله ان انجاك منه انت وعائلتك الكريمة

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×