من أجاز لكم أذيتنا..؟!

جمال عبدالكريم الحمود

تابعنا ـ وبكل أسف ـ أرقام الإصابات بمرض كورونا بعد رفع الحجر عن محافظة القطيف.. أرقام سببت قلقاً وخوفاً مبررين لدى أهالي المحافظة، بعد أن كنا اعتقدنا أن رقم “صفر” المحبب في مثل هذه الجائحة سيظل قائماً بفضل وعي أبناء المحافظة، وحرصهم على اتباع التوجيهات والتقيد بالإجراءات الإحترازية، التي كانت سبباً في رفع الحجر عن المحافظة.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن أرقام الإصابات التي أعلن عنها جاءت بعد رفع الحجر مباشرة. ومع ملاحظة ما تم ويتم الإعلان عنه من قبل الجهات الطبية والمعنية والمسؤولة بوزارة الصحة والمستشفيات من أن هناك فترة حضانة للفيروس تقدر بأربعة عشر يوماً، وهو ما يُشير إلى أن هذه الحالات تمت إصابتها بالفيروس قبل رفع الحجر، وبالتالي لا يصح أن تُحسب على أنها ناتجة عن عدم الاهتمام والاكتراث بعد رفع الحجر.

لا بل هي ناجمة عن عدم التقيد بالاحترازات قبل رفع الحجر. فقد كانت هناك أعداد ممن لم يتقيدوا بالحجر وتسببوا بهذا الارتفاع في أرقام الحالات المصابة.

وهذا لا يعد ولا يعني دفاعاً أو تبرئة لأحد، إنما هو رأي شخصي متواضع لا أهدف من خلاله إدانة أحد أو النيل من أحد. لكن كأحد أبناء هذه المحافظة، والسواد الأعظم من أبنائها ينتابنا الخوف على عوائلنا وأهلينا، ويراودنا القلق من إمكانية وصول المرض لهم.

ويبدو أن مسألة الانتشار وبالتتبع لجغرافية وطبيعة الإصابات هي ناجمة عن وجود عمالة غير مكترثة، ومخالطة مواطنين غير مسؤولين، والضحية في النهاية يكون أولئك الذين لا ذنب لهم سوى أن أحد أفراد العائلة قد نقل لهم العدوى من مخالطته. على الرغم من كثرة وتكرار نشر الإعلانات والمقاطع التوعوية التي تبين حجم الخطر الذي تمثله المخالطة وعدم التقيد بالتباعد الاجتماعي إلا أن البعض لا يزال يعيش حياته وكأننا في مرحلة ما قبل الجائحة.

ولعلنا في انتظار أيام أشد صعوبة وأكثر خطراً بحسب ما يرشح من معلومات عن الممارسين الصحيين والميدانيين سببه ذاك الاندفاع غير المحسوب للمواطنين بعد رفع الحجر دون الأخذ بأسباب الحيطة والوقاية.

ولعل من بوادر هذه المرحلة المتوقعة هو وفاة أحد الكوادر الطبية المباشرة لعلاج حالات كورونا.

أنا لا أميل إلى تحميل المسؤولية إلى فئة بعينها أو جهة بعينها أو أشخاصاً بعينهم، لكنني ـ في الوقت نفسه ـ لا أعفيهم من المساهمة وبشكل كبير في نشر هذا الفيروس الفتاك في صفوف أهاليهم ومن هم حولهم. ومن حقي وغيري كذلك أن نسأل هؤلاء:

من صرح لهم بالاستهتار بالأوامر والتعليمات الصادرة من قبل الجهات الرسمية المسؤولة عن محاربة الفيروس..؟

من أذن لهم أو أجاز لهم أن يسببوا الأذى للآخرين أقارب كانوا أو غير أقارب، من أجاز لهم أذيتنا نحن أبناء المحافظة؟

ألا يعلم هؤلاء أن حياة الآخرين أهم وأغلى وأثمن من استهتارهم وعبثهم وطيشهم..؟

ولكل أهلنا الذين انطلقوا وفي غمرة فرحهم برفع الحجر في الذهاب بعيداً في الطمأنينة من خلال جولات التسوق وارتياد المقاهي والأماكن العامة والزيارات غافلين عن الأخذ بأسباب الحيطة والحذر والالتزام التام والتقيد الكامل بالإجراءات الإحترازية أقول لهم: “أنفسكم وأهليكم وأبناءكم أمانة في أعناقكم فارأفوا بأنفسكم وارأفوا بهم ” فنحن في المرحلة الأصعب والأدق من عمر هذه الجائحة والموجة الثانية الأشد فتكاً وخطورة.

وأقول لهم وهو الأهم: فكروا في أبنائكم وإخوانكم والذين ومنذ بدء الجائحة وهم يعملون ليل نهار ودون توقف محرومون من لقاء عائلاتهم وأهليهم وأبنائهم في سبيل إنقاذ عزيزين عليكم. ألا يستحق هؤلاء أن تتحملوا من أجلهم..؟

عُرف عن مجتمعنا القطيفي إنسانيته وعاطفته وحسه الاجتماعي، فأين نحن من هذا كله مع أبنائنا وبناتنا وإخواننا وأخواتنا في الكوادر الطبية والصحية..؟ 

والله لدمعة ذاك الطبيب الذي ذرفها اشتياقاً لرؤية ولديه الذين لم يرهما منذ بدء الجائحة لهي دموع تهتز لها الضمائر  وتنكسر لها القلوب.

أين عاطفتكم وحسكم من هذا كله..؟ وأيضاً نبأ وفاة أحد الأطباء المعالجين من الأخوة السوريين الذي ترك خلفه عائلة فقدت معيلها وعامود خيمتها في سبيل إنقاذ أرواح أبنائكم ومحبيكم. فأين أنتم من هذا كله..؟

أرجو من الله أن نعود جميعاً إلى ضمائرنا وإلى إنسانيتنا ونعمل بما يرضي الله ويرضي ضمائرنا لأن في هذا نجاتنا وسلامتنا . وأن نلتزم بالأخذ بالأسباب والتقيد بالتعليمات والإلتزام بالإجراءات الإحترازية ليمكننا تجاوز المرحلة الأخطر من هذا الوباء.

حمى الله البلاد والعباد ، ورفع عنا البلاء والداء اللهم آمين .

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×