[ميناء القطيف 20] 1956.. وصول أول آلة لحفر العيون الارتوازية الخليج العربي منطقة حرب في سنة "البطاقة"
ميناء القطيف
مسيرة شعر وتاريخ
عدنان السيد محمد العوامي
مكينة حفر العيون في جالبوت
وكما شهد الميناء إنزال أوَّل سيارة شهد – أيضا – وصول أول مكينة حفر العيون الإرتوازية، فالرواية الشفهية والمدونَّات والوثائق تواطأت على توجيه البنان للحاج مهدي بن أحمد الجشِّي (رحمه الله) بجلب أول مكينة حفر. فمما وجدته بين أوراق الوجيه المعروف علي بن حسن أبو السعود (رحمه الله)، رسالة موجَّهة إليه من الأستاذ الشيخ ميرزا حسين البريكي (رحمه الله) مؤرخة في 27/4/1356هـ، (6/7/1937م)..
وجاء فيها: >من خصوص المكينة أخذها الأخ عبد الحميد (؟) بحجة أن يأخذ عليها رخصة من الجمرك لئلا ترسَّم عندما تعود، والآن أرسلنا إليها فأجاب بأنَّ الرخصة ما كملت، وإليك عذري لمرضي فعلاً؛ لسقوطي من الدرَج الذي أوجب انفساخ رجلي اليمنى، وأني منذ عشرة أيام حليف منزلي . . .< ([i]).
الحاج مهدي شخصية مرموقة لافتة، فهو أمِّي لا يحسن القراءة ولا الكتابة، لكنه يبزُّ كثيرًا من المثقفين وعيًا واستنارة، ترأس المجلس البلدي عدة دورات، وهو أحد مؤسسي نادي العروبة الثقافي في البحرين([ii]).
طيارات في سماء الميناء تسبب البطاقة
لقد حبا الله القطيف موقعا فريدًا وسط ساحل الخليج، بوَّأها مرتبة الصدارة بين جاراتها، فكانت أهمَّ المراكز التجارية، فهي نافذة البادية على العالم، إلى غزارة المياه، وخصب الأرض، ووفرة المنتجات الزراعية، وثراء مغاصات اللؤلؤ، وصيد الأسماك، والتجارة.
لكن عناد القدر يقذف بها دائمًا في دوَّامة الإزم دون إرادة منها أو اختيار، ومنها الأزْمة المؤرخة بـ(سنة البطاقة)، حيث شح الطعام وندر الغذاء، فإبَّان الحرب العالمية الثانية التي نشبت بين الحلفاء ودول المحور عام 1939م، 1358هـ، أقلعت من جزيرة (رودس) في البحر الأبيض المتوسط، عصر الجمعة، السابع عشر من رمضان، 1359هـ، 18 أكتوبر 1940م، أربع طائرات محمَّلةً بالقنابل، وهدفها تدمير مصافي البترول في بلدة المعامير بجزيرة سترة في البحرين، وفي فجر18رمضان، 19 أكتوبر – تشرين الثاني، اجتازت سماء القطيف متَّجهة إلى البحرين، فبلغت ثلاثٌ منها هدفها ودمَّرت مِصفاة النفط فيه، أما الرابعة فضلَّت الطريق، وانفصلت عن السرب، وعبرت أجواء الظهران، وحين شاهد قائدها الأضواء ظنَّها منشآت نفط فألقى عليها ما تحمل طائرته من قنابل، لكنها سقطت في البر.
أدت هذه الحادثة إلى اعتبار الخليج منطقةَ حرب، فأحجمت السفن التجارية عن دخوله، ولأن ما تنتجه القطيف آنذاك من الرز والحنطة لا يسدُّ حاجة السكان، اضطرت الحكومة إلى تقنين الأغذية، فأعطت الأسر بطاقات تموين تحدد ما تستحقه الأسرة من الرز والسكر، فأرخوا تلك الحادثة بسنة البطاقة([iii])، وصلة هذا الحادثة بالميناء تأتي من توقف السفن التجارية عن دخوله.
فرقة الكشافة الكويتية تعبر الميناء إلى دارين
من ريبورتاج مصوَّر نشرته مجلة البعثة، إعداد حمد رجيب، عن (الرياضة البدنية) في الكويت، أقتطف التالي:
أما الحياة الكشفية فإن روح الشباب الكويتي متشرِّبة بها، فقد اعتاد فقد اعتاد منذ صغره أن فترة من الزمن في الربيع إلى الصحراء، ليعيش في الخيام عيشة فيها كثير من الخشونة والاعتماد على النفس والتعاون، ولكن حينما وضع التعليم في الكويت على أساسه الحديث تكونت الكشفية الفرق المعروفة، ولاقت إقبالاً طيبًا؛ لما أدركه الجميع من جميل أثرها. ولقد ساهمت هذه الفرق في جميع الحفلات والمناسبات الرسمية التي تقيمها حكومة البلاد والمعارف، وقامت برحلة كشفية رياضية في ربيع سنة 1941 إلى البلدان العربية المجاورة للكويت كالبحرين، والأحساء والجبيل والقطيف ودارين وغيرها من المدن الواقعة على ساحل الخليج للتعرف على أبناء هذه البلاد، وربط أواصر الصداقة والمحبة بينها، ثم أعقبتها رحلة كشفية أخرى إلى نفس البلدان في العام الماضي. . . ([iv])<
حظر على السفن الكويتية من دخول الميناء
هذا حديثُ نِقاشٍ دار بين علمين من أعلام الأدب في الخليج، هما: شاعر الخليج، في زمنه: خالد محمد الفرج، ومؤرِّخ الكويت الأديب: سيف مرزوق الشملان، حول حظرٍ فرضه الملك عبد العزيز (رحمه الله) على السفن الكويتية، يمنعها من دخول الموانئ السعودية، استأثرت به بضعة أعداد من مجلة البعثة الكويتية، أحببت أن أنقل منه ما له صلةٌ بموضوعنا.
تحت عنوان: (حول الحصار الاقتصادي – ملاحظات) كتب الشملان؛ ردًّا على الفرج: >ذكرتُ في الردِّ الأول والتعليق الثاني المنشور في صفحات البِعثة الزاهرة، العدد الأول، كلمة موجزة عن الحصار، ردًّا على الأستاذ خالد الفرج، وذكرتُ أنه لم يكن الغاية من ذلك اقتصادية، بحتة كما قال الأستاذ خالد، ثم ذكرت ما عمِلتْه السعودية من ضريبة (مطرحانية([v])) على السفن الكويتية التي تأتي إلى موانئ الأحساء، وأن تلك المطرحانية كانت باهظة، وقد أخِذت من جدِّي المغفور له (شملان بن علي بن سيف) وقدرها 100 ريال سعودي.
كلُّ ما ذكرتُه عن المطرحانية صحيح سوى خَطئي في جعل مبلغ المطرحانية بالريلات السعودية، والحقيقة بالروبيات الهندية، وقد نسيت أن أضعها؛ حيث إنه في تلك الغضون لم تكن الحكومة السعودية قد ضربت، بعدُ، الريالات.
لم تكن المطرحانية تؤخذ على السفن الآتية إلى موانئ الأحساء كما ذكرت، بل إن محصِّلي تلك المطرحانية كانوا يَصِلون إلى (المشعاب) – محل شركة الزيت الكويتية /السعودية الآن – وقد أخذوا تلك المطرحانية من جدي ليس في موانئ الأحساء الثلاث التي يرتادها الطواشون والغواصون، وهي: الجبيل – دارين – القطيف)، بل أخذوها في موضع يقال له (الغار)، قرب جزيرة جِنَة، وقد أخذوا على الطواشين (100) روبية، والغواصين من (50 روبية – 20 روبية) على كبر السفينة. وأخذوا على ابن عمي المغفور له (علي بن حسين بن علي ابن سيف) ثلاث مرات، وكان طوَّاشًا. وبعد ذلك بعام ألغوا تلك المطرحانية نتيجة لحصول الضرر على أهالي الأحساء بانقطاع السفن الكويتية من المجيء إلى بلادهم، والاتجار معهم…< ([vi]).
سيارة مجلة البعثة الكويتية
عبد العزيز حسين، رئيس تحرير مجلة البعثة، زار البحرين، وأثناء وجوده فيها خطر له أن يزور منابع البترول في المملكة العربية السعودية، إليك بعض مقتطفات منه:
وأنت إذ تقدم المدينة من البر، يخيل إليك – وقد هلت عليك تباشير مزارعها – أنك قادم على جنة فيحاء، وروضة يانعة، ولكنك ما إن تبدو لك المدينة ذاتها حتى تصطدم بالحقيقة المرة في حياة هذا البلد البائس. إن هذه المدينة عريقة في القدم ولا شك، ولا تحتاج لكي تدرك أن تقرأ في التاريخ شيئًا عن ماضيها، وأنها كانت منذ القدم مصدرًا للتجارة والزراعة، ومركزًا للملاحة، بل يكفي أن تلقي نظرة على نظام بنائها، ودرجة العمران فيها، ونوع الحياة الاجتماعية التي يحياها سكانها بالنسبة للعالم الخارجي لكي تعلم أن هذه البلدة لا تزال تعيش في طيات التاريخ من العصور المظلمة.
أردنا أن نجول جولة بسيارتنا في شوارع المدينة، ولكن أصغر سيارة لا تستطيع المرور في تلك المسارب الضيقة، ولذلك تركنا سيارتنا خارج (القلعة) ترجَّلنا. وللقلعة سور يحيط بالمدينة كلها، ولبناء هذا السور قصة تروى؛ ففي العهد العثماني كان الأمن مختلاًّ في هذه الأنحاء، وكانت القبائل تغير على المدن، وخشي أهل القطيف غارة أعدائهم عليهم، فابتنوا حول المدينة سورًا محاذيًا لحدود منازلهم، ثم نمت المدينة وتكاثر السكان ولكن الخوف من الأعداء لا يزال باقيًا، فاضطروا إلى التوسع داخل السور، فضاقت الشوارع شيئًا فشيئًا، ثم سقفوا أغلب الشوارع حتى غدت جحورًا مظلمة<([vii]).
سرد روائي فيه زخرفُ الخيال، وصدق الحقيقة، فمن الخيال تلك الحكاية الساذَجة التي تربط سبب ضيق الأزقة بتنامي السكان، وأما الحقيقة فقذارة المدينة ورطوبتها، وتقاعس البلدية عن عمل أي شيء لها، وهذه الحال بقيت – بكل أسف – إلى يوم الناس هذا، تشهد بذلك نداءات الصحافة، ومن أمثلتها ما كتبه علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر (رحمه الله) في افتتاحية جريدة اليمامة تحت عنوان: (هذه المدينة الشاكية أما آن أن يسمعَ صوتها؟ مفتتحً نداءه بقوله: >ما زرت مدينةَ (القطيف)، أو شاهدتُها – حينما كنت أقيم في المنطقة الشرقية – إلا وذكرت قول الشاعر القديم:
ومن العجائب، والعجائب جمَّةٌ قربُ الحبيب، وما إليه وصول:
كالعيس في البيداءِ يقتُلها الظما
والماءُ فوقَ ظهورِها محمول
وما تصفَّحت بريدَ اليمامة من المنطقة الشرقية إلا وجدت فيه كتابًا يتضمَّن شَكاةً من تلك المدينة، أو مقالةً تصف بعضَ ما تقاسيه من الإهمال في بعض مرافق الحياة العامة فيها، كالصحة، أو الزراعة، أو التعليم، أو استزادةً من إصلاح ناحية من النواحي. وما اجتمعت بأحدٍ من أهلها إلا وسمعت منه مرارةَ الاستياء والتألم من سوء الأحوال في تلك المدينة.< وحتى بعد إزالة القلعة فإن حالة البؤس ما زالت بادية على ضواحيها وأحيائها<([1]).
———–
(1) جريدة اليمامة، افتاحية العدد: 255،َ الأحد 14 رجب 1380هـ.
([i])من تراث الأجداد، د. جميل عبد الله الجشي، الدار السعودية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1428هـ، 2007م، ص: 340 – 342، وانظر صورة الرسالة.
([ii])نادي العروبة – ستون عامًا من العطاء، تقي محمد البحارنة، إصدار نادي العروبة، 13قائمة المؤسسين، لم تذكر بيانات عن النشر غير هذه.
([iii])انظر: إيتوري ميوتي، أسطورة إيطاليا الفاشية، حمد عبد الله)، الناشر المؤلف، الطبعة الأولى، 2010م.ص: 103 – 117.
([iv]) مجلة البعثة، مصدر سابق، السنة الأولى، العدد التاسع، شوال 1366هـ، سبتمبر 1947م، ص: 176 – 177.
([v])المطرحانية: هي رسم (ضريبة) تستوفيها الجمارك على حمولة السفن من البضائع التجارية. انظر: خواطر من أحاديث النوخذة عيسى العثمان، عبد المحسن الجار الله الخرافي، القبس الإلكتروني، 19 سبتمبر، 2019، الرابط: https://alqabas.com/article/436764
([vi]) مجلة البعثة، مصدر سابق، السنة الثامن’ العدد الرابع، ابريل 1954م، ص: 419.
([vii]) مجلة البعثة، مصدر سابق، السنة الثامن’ العدد الرابع، ابريل 1954م، ص: 419.