كلمة وفاء بحق الرجل الصالح.. صالح كامل
بثينة النصر
قبل عشرين عامًا بالتّمام.. كنت في ال٢٥ من العمر.
كنت على مكتبي المتواضع في الأمم المتحدة أنجز مهامي الوظيفية في بداية حياتي المهنيّة، وأشعر بالاختناق..
لشعور بداخلي بأنّ هذا المكان هو مجرّد مرحلة تأهيل تسعفني للعبور إلى مكان يشبهني أكثر.
ومن وحي ملفّات التّنمية الإنسانية المستدامة وجدت نفسي أكتب رسالة مطوّلة لثلاث شخصيّات مؤثّرة إعلاميًّا في المملكة، أحدهم لم ألقَ منه اهتمامًا أو ردًّا.. الثّاني أرسل لي سكرتيره الخاص ليفهم مني أكثر، والثالث كان الشّيخ المغفور له: صالح كامل.
حادثني بنفسه، وفهم منّي باهتمام ما يدور في رأسي، وطلب مني أن أكتب له أفكارًا لبرامج فأرسلتها له واختار أحدها فكان: “الهودج”.
.. أرسل لي تذكرة إلى مصر، واستُقبِلتُ استقبالًا أكثر من لائق من قبل أحد مستشاريه.
وحين قابلته، كان في ذلك الصّالون الكبير العريض الفخم بـ “جلّابيته”، قد اختار ترك طقم الكنب المذهّب ليجلس بتواضع على فرشة أرض mattress (دوشق) وأمامه القهوة والتّمر وتحادثنا.
كان يصغي جيّدًا.. يطرح تساؤلاته بهدوء وابتسامة سمحة ولا يعلّق، فقط يصدر القرارات. وقعت عقدًا لمدة ٣ سنوات مع ال Art ثم عدت للرّياض وحظيت بأجمل مكتب يطلّ على أكبر شارع في العاصمة وقتها في مبنى “دلّة البركة” الرئيس.
أوصاني بأن أكتب له مباشرة في حال أن واجهت أي مشكلة من قبل كائن من كان.
.. كان يعي بأنّني صغيرة وقادمة للإعلام بشغف بنيّة إصلاح الصّورة النّمطيّة عن المرأة في ذهنها هي، قبل الشّاشة!! وهو الأمر الذي تبنّاه رحمه الله ودعمه.
أعطاني صلاحيات مطلقة في الإنتاج البرامجي من الألف إلى الياء.
ووقف إلى جانبي في مواجهة بعض أفراد الحرس القديم في ال Art، لإدراكه بما يدور خلف الكواليس من عقليات متبلدة.. وكان الجميع يتساءلون ما هي واسطة هذه الفتاة عند الشيخ صالح!
.. لم تكن هناك أي واسطة طبعًا سوى أنّ هذا الرّجل كان روحًا نقيّة داعمة للطّاقات الشّبابية في الوطن.
ألف رحمة ونور عليك يا عم صالح.
..كان “قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق” هو مبدؤه قولًا وفعلاً، ولا شك لديّ في أنّ أعيناً كثيرة دمعت ليلة فقده وذكرته بالخير الكثير.
… نجح “الهودج” نجاحًا باهرًا في تسليط الضوء، ـ ولأوّل مرة في تاريخ الإعلام السّعودي ـ على إنجازات المرأة السّعودية، ورقي فكرها. واستقطب البرنامج الصحافة المحلّية والعالمية لتغطية كواليسه. وعلى إثر ذلك جاء الطّلب من وزارة الإعلام السّعودية للشّيخ صالح كامل بإعارتي لهم لتقديم أوّل نشرة أخبار كوجه نسائي في تاريخ المملكة عبر قناة الإخباريّة يوم افتتاحها، وقتها ودّعت ال Art …والحمدلله الذي أشهدني نساء الهودج وهنّ يشاركن في قيادة القافلة وتخطيط مسارها.
سيّدات الهودج أصبحن من أوائل من تم اختيارهن لعضوية مجلس الشّورى لاحقًا.. أعلم بأنّه شعر بالفخر بهنّ وبي وبنفسه.
.. آخر مرّة التقيته كان في مؤتمر اقتصادي بجده.. سلّمت عليه وأهداني ابتسامة لوم يقول “أخذوك منّنا خلاص نسيتينا” أجبته بابتسامة عريضة لا.. لا يمكن أنساك عم صالح..
فلترقد روحك بسلام يا رجل يا صالح
.. لن أذكرك سوى بالخير ما حييت.