ذاكرة الحب.. في حضرة علي

حليمة بن درويش

في دائرة الذاكرة تبدو الأماكن رغم دورانها الدائم كما هي لم تتغير وكأن الزمن يتوقف متعمدا لأن نحظى بفرصة إيقاظ الروح من ذبولها وغفلتها..  فأجدك يقظتي وقوتي وإنسانيتي منذ اللحظات الأولى لعمر الذاكرة منذ السنوات الأولى التي وعيتُ فيها على حبك، تكرار اسمك، نكهته الخاصة جدا وأمي تنطقه بكل عشق.

ومنذ وعيتُ معنى فقدك صائما في صلاتك في شهر هو عند الله من أعظم الشهور، تتداخل صور المشاهد للفلم التاريخي الذي تعرضه قناة تلفزيون البحرين في طفولتنا، نتسمر حوله والأسئلة تملأنا، كيف يموت البطل هكذا بمشهد يحبس الأنفاس!!

 أستعيد ذلك كله والدوران لا يتوقف باختلاف الغياب لكل هذا أجد للذاكرة سطوة شهية، تفتح أبوابها لما يُعيدنا إلى حيث بداياتنا الأولى مع فهم ما نسمع ونرى!!

في طفولتي وجدتك بطلا من أبطال الأساطير العظيمة ثم أدركتُ أنك بطل حقيقي، لأنك أب والآباء أبطال، فكيف بمثلك أبٌ للإنسانية كلها.

كان مساءً صيفيا حارا، ونحن الصغار لا نعرف ماذا يعني أن تبقى ظمئا متحملا للعطش كل هذا الوقت ولمَ كل هذا العناء!!

سؤال تعرفه أمهاتنا من نظرات أعيننا وتبتسم لنا أمي بحنانها أنا وأختي حيث اتفقنا مسبقا بأنه بإمكاننا تقليد الكبار والبقاء مدة نخالها من طولها لا تنتهي بلا ماء ولا طعام، وكانت والدتي تهمس لنا سرا بأنها لن تخبر أحدا فقليلا لا يضر لاسيما لطفلتين لم تبلغا!!

وتكرر ُ متمتمةً  سلام الله عليك يا أمير المؤمنين، سلام الله عليك يا حبيب الله ورسوله، يتحدثون عنك بعظمة فارعة، وبحب عاشق متيم، لا يزال يتسلل إلى مسمعي للآن صوت الرادود صالح درازي من المسجل، لا عذب الله فؤادا أنت فيه يا علي!

وأنا أحببت حبك للصغار والكبار، ويممتُ قلبي شطر هواك، يستمر الصوت..

 ثبت الله فؤادي في هواك يا علي

 نعمة أنت من الله علينا يا علي

في شهر رمضان كل طقوس الفرح تتغير في ثلاث ليال يبرز فيها لون الحداد ومن غيره ذاك السواد يشتعل مع أحزاننا قتامة فيزيدها وجعا وألما!!

ننغمس برائحة الحزن أكثر، والبكاء حديث العاشقين وعلى من تُذرف الدموع إنه علي!!

يرتبط اسمه باليتم، بالرفق، بالعطف، ويتعاظم الشعور!!

 مذاقه بدأ يُصبح أكثر مرارة منذ أصبحتُ يتيمة رغم سني عمري المكتظة بثقل الغياب!!

ستكتمل ثمان سنوات منذ رحيل والدي وكأن الفقد يتضاعف فأنت أبي وأبيه وأبانا جميعنا فأي مصيبة أقسى وأعظم من تلك!!

أحبك كما أنا، منذ كنتُ في ذاك المكان، بيتنا الذي وعيتُ فيه عشق أمي وأبي لك.

أحبك كما أنا، في كل مرة أسمع صوت الرادود ناعيا بحزن..

أنا إن ضاق زماني سأنادي يا علي

أحبك كما أنا، رغم أخطائي وتقصيري وإسرافي على نفسي، أعود لأحضان أُبوتك أطمع في حنانك تمسح على رأسي، تهدأ أوجاع الفقد حين نلوذ بك!

أحبك كما أنا، واليوم صغيرتي تسأل ذات الأسئلة!!

أنت رائحة فاطمة، أنفاس محمد، أنت صوت الوحي، ونحن بحضرتك عاشقون، نحن أيتامك يا أبي!

أرددُ متمتمةً وأنا أضمها لتردد معي، سلام الله عليك يا حبيب الله ورسوله، سلام الله عليك يا أبانا !!

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×