أي المنقذين أنت؟

شاهر النهاري*

 السيناريو: طفل صغير يسقط أمامك في حوض سباحة، فتقفز من خلفه بكامل ملابسك، وتقوم بإنقاذه.

لقطة من الممكن أن يمر بها كل منا، بشيء من الخوف والتشنج والقلق والجهل اللحظي للنتائج.

أحداث تشنج تتبعها إما أفراح، أو حزن وإما سوء فهم قد يؤدي لأحداث أخرى، ثم تعود الحياة لمسارها.. المنقذ قد يجد نفسه متردداً في عملية الإنقاذ بوجود عرض نفسي، أو معوق جسدي، أو اجتماعي.

وغالباً يجلس المنقذ بعد الحادثة إلى يقينه يراجع الزمن ويسأل نفسه عن الأسباب الحقيقية، التي جعلته يقفز خلف الطفل، وينقذه.. فهل كان ذلك عبارة عن رد فعل لا إرادي، بدون أي محفزات في داخله وساعتها يكتشف أنه يمتلك شخصية جامدة المشاعر صلدة، يصعب معرفة كنه ما في جوفها.

البعض الآخر وباختلاف المكونات النفسية سيكتشف أنه قفز خلف الطفل وهو يتمنى أن يشاهده الناس من كل الزوايا، وأن يصنعوا منه بطلاً ولربما يكون سعيداً برد فعل والدي وذوي الطفل وربما بمن سيأخذون الصور والمقاطع المرئية له، ومن سيصنع منه بطلاً مشهوراً في مواقع التواصل وربما في وسائل الإعلام، وهنا يكون الشخص كائناً اجتماعياً، نرجسياً، يهتم كثيراً بصورته الخارجية، وينمقها ويطورها.

البعض الآخر قفز لبركة الماء بدقات قلب متسارعة ولم ينظر مطلقاً للمردود ولن ينتظر أن ينال الجزاء من أسرة الطفل، ولا من أعين المجتمع، بل ربما يختفي بعدها عن موقع الحدث بأسرع وأسهل طريقة، وربما ينظر في يقينه لما عند ربه خالصاً، وهنا نستشف أنه شخص متدين وحريص على جمع الحسنات التي تنفعه في الآخرة، دون أهداف أخرى.

ويأتي في موقف آخر من يفعل ذلك، دونما رياء لمجتمع، ودونما النظر للجزاء في الآخرة، وهو إنما يتحرك فقط بمحرك إنساني، أخلاقي، كوني شامل، ولد معه وترعرع به، بمساعدة المضيوم، وفزعة للضعيف وكره للظلم ونشر للحب وتقديس للعواطف، فنجد أن ضميره الحي لن يقبل أن يحضر هذا المشهد، دونما تدخل فعلي منه لإنقاذ الطفولة، ورد أنفاس الحياة إلى طفل لا يعرفه، ومهما بلغت خطورة أو حرج ذلك على نفسه، وهذا ما يسمى بالشخصية الإنسانية الأخلاقية الوجدانية.

وبالطبع فمن الصعب وجود شخص يمتلك خاصية شخصية واحدة خالصة من تلك المذكورة، لذلك فسنجد من يتحرك على محورين أو أكثر، وربما يفعل ذلك بالجمع بين مختلف المحاور، فيكون تصرفه أخلاقياً وجدانياً، ودينياً يبحث عن الجنة، واجتماعياً يتمنى أن يشاهده ويثني عليه الجميع، وبمجرد رد فعل في نفس الوقت.

ذلك يحدث مع اختلاف النسب بين تلك الخصال، والمؤكد أن كلاً منا يستطيع أن يميز حقيقة ما يحركه في ظرف إنساني طارئ مثل هذا، وكم نسبة ما يحركه من نوازع.

____________

*صحيفة الرياض، الثلاثاء 25 جمادى الآخرة 1439هـ – 13 مارس 2018م

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×