رمضان عاد.. وكورونا يُربك الساعة البيولوجية بالنوم الـ “مخربط” تعليق العمل والدراسة وضع الأسر والأفراد في أيام مشوّشة وأوقات مضطربة
العوامية: معصومة الزاهر
إذا كان الكثيرون يعانون في أول أيام شهر رمضان المبارك من اضطرابات الساعة البيولوجية، فإن الحال هذا العام قد يبدو مختلف قليلاً، مع حلول فيروس كورونا ضيفاً ثقيلاً على البشرية.
فبين النوم والأكل في هذا الشهر اختلاف نوعي وكمي، إذ يكثر الطعام ليلاً، فيما كان سابقاً وقت خمول، ويختلف نظام النوم فنبقى مستيقظين للفجر وننام نهاراً، مما يتسبب في تغيرات فيزيولوجية، ومنها اختلال الساعة البيولوجية.
الساعة البيولوجية ليست ساعة مادية تعمل على بطارية وسلك، وإنما هي ساعة موجودة في الدماغ، وتقع فوق العصب البصري الذي يمتد من العين إلى الدماغ، وهي معنية بالتحكم في الأنشطة الفسيولوجية، كما أنها تنظم نبضات القلب وضغط الدم ودرجة حرارة الجسم.
تغييرات محدودة
لم تتأثر الساعة البيولوجية لأنفال عبدالله كثيراً، فلقد كان هناك منع تجول وتوقفت الأعمال والدراسة، وغاب النظام قليلاً، وتقول: “أحاول قدر الإمكان الحصول على النوم الكافي في فترة المساء، فانقلاب النوم يؤثر على مزاجي، ولهذا أفضل النوم ليلاً، خاصة أننا باقون في المنزل، ولا نزور الأهل والأصدقاء، وأعتقد أننا سنمر بصيام مختلف هذا العام”.
نوم غير مستقر
المدرسة والتزام الدوام صباحاً هو ما كان يساعد علي الخميس في الحفاظ على نوم مستقر ومعتدل، ولكن الوضع تغير بعد كورونا، ويذكر “كنت معتاداً على النوم من الخامسة فجراً والجلوس الرابعة عصراً منذ بداية شهر شعبان، وأحياناً يتغير نظام يومي، ولكن الأغلب هو النوم بعد الفجر”.
ويضيف الخميس: “نطام النوم عندي لا يعتمد على شيء سوى ماذا سأفعل اليوم في شهر رمضان، عادة يبقى نومي كما هو، ولكن مع الأيام يبدأ يتغير، وقد أنام الثامنة صباحاً وأجلس عند السادسة مساءً، لتصل في نهاية رمضان أن أنام المغرب بعد الافطار مباشرة، لأجلس الفجر بلا أكل”.
اختلال السيمفونية البيولوجية
ويحدد الأخصائي النفسي فيصل العجيان، سلوكان ايقاعيان مختلفان لشهر رمضان، الأول مرتبط بالسلوك الإيقاعي للأكل، والثاني مرتبط بالسلوك الإيقاعي للنوم.
ويقول لـ”صُبرة”: “هذا يؤثر على إفراز الهرمونات، وبعض أنظمة الحمية تلعب على خداع النظام الإيقاعي لعملية الهدم والبناء، سواء بغرض زيادة الوزن، أو لتحقيق هدف الرشاقة، حين تختل هذه السيمفونية البيولوجية؛ فإن الجسم سيحتاج بعض الوقت لاستعادة توازنه، وأيضاً النفسية ستحتاج لبعض الوقت، فلكسر الروتين تأثير”.
ويرى العجيان، أن بعض الوقت كاف لاستعادة التوازن والتكيف مع الوضع الجديد، متابعاً بالقول: “بعض الناس، وهم قلة، ممن ليسوا على قدر كاف من التكيف، ويمكن تقديرهم بحوالى 2.5% يواجهون مشكلة، لاعتناقهم أفكار تهزم قدرتهم على التكيف، أو وجود قراءة عرجاء ومشوهة للتغيرات الجديدة تنظر لها مدرسة الجشطلت (تعني الشكل والصيغة)، على أن إدراك العقل لأي حدث، ومنها أحداث تغير نسق النوم أو الاكل (محاولة تفسير البيانات التي تصل إلى الدماغ) يتأثر بمجاله وسياقه العام، وتحدث هذه التغيرات قلقاً معرفياً وذهنياً لا يهدأ إلا بإيجاد سياق للأحداث التي تنتظم ضمن الصوم وطقوس شهر رمضان، ولذلك ينقسم الناس في تقبلها هذا العزف النشاز، فقد يتقبله البعض سريعاً من خلال مجالين: العادات الدينية لشهر رمضان والصيام، وسياق الصوم والعبادة، أو العادات الاجتماعية والثقافية والثاني سياق أحداث سنوية، والسياقان يجيبان عن تساؤل: لماذا يتأقلم الأغلبية العظمى سريعاً؟! ولماذا هذا لا يتكيف؟! فالذي يصل إلى إجابات معرفية جيدة، ويستطيع الدفاع عنها ويتبناها هو أكثر قدرة على تحقيق استعادة وضعه في النوم والأكل، وغالباً أن هذا التكيف يحدث للأغلبية.
ويضيف: “قلة من الناس يهزمون قدرتهم على التكيف من خلال الأفكار التي تدور في أذهانهم والتي تتمركز على أن الوضع هذا ليس مثاليا وهو متعب ولا يتسق مع الدين ومنطقي والعادات الأصيلة هم من يهزمون أنفسهم بأنفسهم من خلال محاربة التكيف والحديث مع الذات، وستبدأ رحلة القلق واضطرابات النوم”.
ساعة حيرت العلماء
يعرف الأخصائي النفسي حسين الناصر، الساعة البيولوجية بانها “لغز حير العلماء من حيث مكانها ودورها، ترتبط بالنوم والاستيقاظ، ويلاحظ ذلك بشكل جلي عندما تتغير عادات الشخص في النوم لأي ظرف، ومنها السفر”.
ويرى أن هناك اختلافاً بين الناس في أنماط الساعة البيولوجية، ويربط اضطراباتها بالنوم، وأكثر المتأثرين بذلك هم من يتغير دوامهم بكثرة، وكثيرو السفر، وأصحاب الأمراض المزمنة، ومن يتناولون الأدوية.
ويضيف: “أن فيروس كورونا غير العالم بأسره وأثر فيه تأثيراَ بالغاَ، وانعكس ذلك في تغيير نمط الحياة حيث لا دوام ولا دراسة، وحجر صحي، لذا يتوقع أن يحدث اضطراب في النوم ومشكلات في الساعة البيولوجية، بعضهم أثر فيه ذلك كثيراً، وآخرون بشكل أقل، والإنسان عنده قدرة على التكيف مع المتغيرات، وإن كان يقاوم التغيير، فلا يكون التكيف من دون تعلم مهاراته، وهناك من عنده مهارات تكيف ينقصها التنظيم”، موصياً باستغلال هذه فترة لإعادة تنظيم الأمور ولملمة الشتات.
مقاومة تغيير نمط الحياة
يذكر الأخصائي النفسي خالد مريط، “أننا نتأثر سلباّ بالتغيير المفاجئ في عادة النوم لهذا الاختلاف نتيجة الخلل الذي ينتاب ساعاتنا البيولوجية، بسبب مقاومة تغيير نمط الحياة، أو العادة في النوم، حيث نقوم بتعويض وقلب البوصلة، واستغلال ساعات اليل في النهار، وأيضاً تناول الوجبات في الفترة المسائية مقسومة على وجبتين بخلاف الأشهر الأخرى؛ من بداية النهار إلى الليل، أو تناول الوجبات الدسمة والافراط في الوجبات الغنية بالسكريات، وأيضاً الافراط في تناول المنبهات، ومنها الشاي والقهوة، أو مشروبات الطاقة والشراهة في التدخين، والبقاء لأوقات طويلة في وسائل التواصل الاجتماعي (شاشات الكمبيوتر أو الموبايل)، او تنوع برامج القنوات الفضائية لفترات طويلة، ما يساعد على استغلال النهار في النوم بشكل أكبر”.
ويلفت مريط إلى أن نتائج هذا التغيير المفاجئ عند البعض يتمثل في “اضطراب الساعة البيولوجية كمتلازمة تأخر النوم أو المعاناة من نمط النوم العكسي، أو اضطراب إفراز هرمون الميلاتونين الذي يقل معدله مع التعرض المفرط والمطول للضوء، وقد تستمر الاضطرابات إلى ما بعد رمضان (التأثير على المزاج والاحساس بالخمول والصداع المستمر والحساسية من الضوء والقلق والتوتر)”.
ويقدم الاستشاري مريط خطوات ينصح بها لتنظيم الساعة البيولوجية، ومنها “أن ضبط النوم سيساهم في المحافظة على ممارسة أنشطتك العبادية واليومية والالتزام بوقت الذهاب إلى السرير قبل موعد النوم بنصف ساعة على الأقل، وأن يكون عادة يومية، وأن يكون النوم والاستيقاظ خلال الشهر الكريم في الوقت المحدد، بهدف استعادة النشاط اليومي، وابتعد عن تناول المنبهات ومشروبات الطاقة على مائدة السحور، وأكثر من شرب الماء والسوائل الساخنة، ومنها البابونج واليانسون، والبعد عن الكمبيوتر والهاتف، لأن الضوء يؤدي للإخلال بالنوم، وتجنب الرياضة (ليلاّ) قبل موعد النوم بساعتين إلى 3 ساعات حتى لا تحفز جهازك العصبي وتشعر بالنشاط المستمر، وحافظ على هدوئك بالبعد على ما يبعث التوتر والضغط النفسي، والتزم بالحجر، وأدع نفسك للتكيف والتعايش مع الوضع الراهن، حفاظاً على صحتك وصحة أسرتك”.